الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

سيف الرحبي يرحل إلى الأزمنة والأمكنة والغياب

سيف الرحبي يرحل إلى الأزمنة والأمكنة والغياب
18 أغسطس 2007 04:50
بالقدر الذي تكشف فيه ذاكرة المكان المرتبطة بالتجربة الحسية للذات الشاعرة عن حضورها في تجربة الشاعرالعماني سيف الرحبي، سواء من خلال حضورها في العنوان الرئيس والعناوين الفرعية للقصائد التي تشكل مفاتيح دلالية وبنية صغيرة تحيل على بنية النصوص الكبرى، أو في تشكيل الصورة الشعرية، فإنها تعبر عن طبيعة الرؤية الشعرية وشواغل الذات الفكرية والجمالية في علاقتها مع العالم والوجود والإنسان، الأمر الذي يجعل المكان في هذه التجربة يشكل بؤرة دلالية وفضاء وجدانيا تتكثف فيه هواجس التجربة الوجودية وقلق الذات· الحضور الدال ويأتي عنوان الديوان الأخير للشاعر( قطارات بولاق الدكرور) تأكيدا لهذا الحضور الدال والموحي حيث يتألف العنوان من جملة أسمية حذف مبتدأها، وتتضمن في بنيتها الدلالية علاقة ضدية بين اسم الآلة( قطارات) الذي يدل على الحركة والعبور في المكان، واسم المكان( بولاق الدكرور) الدال على الثبات· إن هذا الفضاء الوجداني يشكل معطى حسيا محددا للعلاقة مع المكان· ويمكن للقارئ أن يكتشف هذه العلاقة بدلالاتها المتعددة في عناوين القصائد الفرعية التي تضم أربعة عشر عنوانا مكانيا أو يوحي بالمكان مما يجعل العنوان يساهم في تأويل القصيدة، وتحديد السياقات الإدراكية والنفسية والاجتماعية التي تندرج فيها تلك العناوين· ثنائية الرؤية تتشكل الملامح الدرامية للقصيدة من العلاقة الثنائية الضدِّية التي تحكم حركة القصيدة والمشكلة للرؤية الشعرية التي تقدَّمها التجربة في هذا الديوان سواء على مستوى حضور المكان في النص الشعري، أو بنية الصورة الاستعارية والمجاز حيث تتشكل من عناصر مكانية، وتعبر عن التوافق في الحركة بين الشاعر وعالم الأشياء الذي يحيط به· ولذلك يمكن القول إن المكان هو الأكثر تعبيرا عن هذه الدلالة الضدِّية من خلال مظهري الثبات والحركة التي يمثلها المكان، وعلاقة الشاعر معه إذ تحمل هذه العلاقة بعدا تاريخيا أيضا يتمثل في ثنائية الماضي والحاضر( البيوت التي هجرتها/طفلا/ تعود إليها كهلا)· إن هذه الثنائية التي تعكس قلقا وجوديا حاضرا بكثافة قوية في تجربة الشاعر تشكل محور تلك الرؤية التي تتخذ تعبيراتها مظاهر متعددة على مستوى المعجم الشعري والصورة الشعرية والفضاء الشعري بصورة أشمل حيث تتداخل الأزمنة والأمكنة في سيرة الذات والمكان عبر الارتباط الوجداني والروحي الذي ينشأ بين الذات والمكان ·· والذات والزمان، فيكون الحضور هو علامة على الغياب والعكس صحيحا بصورة عامة· المكان الشعبي إن الشاعر المسكون بوعي وجودي حزين يدرك معنى الوجود الإنساني المفارق في دلالات هذا الوعي الشقي عنده· لكن ما يلفت في صورة المكان في هذا الديوان أنه يحفل بالمكان الشعبي وحيوات الناس البسطاء الذين يعيشون فيه محاولا أن يتلمس عمق تلك العلاقة الحميمة بين الناس والمكان الذي لا تتبدل صورة معالمه كما هي حال ساكنيه ما يجعل المكان والإنسان فيه يحملان هوية واحدة في مشهد لا يفارقه العبور الدائم والمستمر لقطارات بولاق الدكرور، وكأنها الزمن الذي يسير على نفس السكة وبإيقاع دائم ومستمر يجعله جزءا من هذا المشهد الذي يختزن تجربة الوجود · خطاب الشاعر ثمة علاقة بادية في خطاب الشاعر تقوم على التداخل بين مستويات التجربة بمعناها الخاص والعام وبين المكان والزمان والماضي والحاضر حيث تنشأ بين هذه الثنائية التي تحكم رؤية الشاعر إلى العالم مسافة من التوتر الدرامي التي تشحن خطابه بتلك الكثافة الحسية الوجدانية التي تعمل غنائية القصيدة على منحها طابعها الخاص في التجلي والحضور ( المطر الذي يهطل طوال الليل/ رائحته التي تخضِّب الحقول الغائرة في الذاكرة/وأقواسه المتدفقة من قرب لامرئية/قرب سماء مفتوحة على ملائكتها/ وهي تطير بأجنحة خضراء/كما في رسوم عصر النهضة/ أتأمله الآن بخفة طائر ينقر موجة في الريح باسطا جناحه الهائل/ على جبروت المدينة)·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©