السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

نازك الملائكة في ذاكرة الشعرية العربية

نازك الملائكة في ذاكرة الشعرية العربية
18 أغسطس 2007 04:51
لم يكن غياب نازك الملائكة ''وأنا هنا أناور الموت وأداوره واستخدم أخف المصادر النحوية تعبيراً عن قسوته التي تمثل مفردة - الغياب- فيها شبحاً لدلالة قاسية هي الموت نفسه بأسمائه القصوى الغليظة!!'' مفاجئاً بالمعنى الحدثي والإخباري، فالجميع يعلمون بغيبوبتها الطويلة منذ وصولها مصر واستغراقها في انفصال تام عما حولها من يوميات، لكن انتهاء رحلتها في الحياة جعلت المناسبة ممكنة وواردة لتأمل موقعها البيّن والمهم على خريطة التجديد في الشعرية العربية التي كانت نازك من أوائل المنبهـــــين والمنبهات إلى حاجتها قبل نصف قرن تماماً إلى هزة جذرية وتحول أساسي وحاد في خط سيرها يواكب العصر ويضع شعرنا في القلب منه ويحيي تلك الخلايا المتجمدة في الجسد الشعري· وبرحيل نازك الملائكة تكون قد طويت صفحة الضلع الثالث في مثلث التجديد الشعري الذي عرفه العراق في النصف الثاني من الأربعينيات ''سبقها إلى الغياب بدرشاكر السياب وعبدالوهاب البياتي وفي أرض بعيدة عن وطنهم مثلها تماما'' فضلا عن مجددين أوائل كبلند الحيدري شاركهم المصير الاغترابي نفسه· لقد عرفت الشعرية العربية قبل محاولات الرواد العراقيين تجارب لا يستهان بها في هذا المجال اعترف بفضلها السياب ونازك لكنها لم تكن مطّردة ومتتابعة ومستمرة لتخلق الأثر المطلوب، كما أن دوافعها لم تكن بالعمق الذي تلمسه زملاء نازك - والسياب على رأسهم - نظرا لبرامجهم التجديدية ودوافعهم، فمن هؤلاء الذين كتبوا الشعر الحر مبكرين من ألجأته لذلك ضرورة التعبير عند الترجمة إلى العربية، ولم يسحب المقترح إلى ما كان يكتب من قصائد، وهذا ينطبق على حالة الشاعر''علي أحمد باكثير تحديداً'' رغم اعتراف السياب ونازك بأهمية محاولاته في التنبيه على الممكن في الكتابة الشعرية الجديدة، وأثره المباشر في إظهار محاولات التجديد نصياً عبر قصائدهما الأولى، وأحيانا كان التجديد موسميا وطارئاً ولا يتم متابعته كما في شعر محمد فريد أبو حديد ولويس عوض وغيرهما، وحتى عند استمداد الأسانيد من التراث القديم ''الموشح ونظامه الإيقاعي المميز وصورته الكتابية المتحررة بسبب الحاجة للغناء'' ومن التراث القريب ''كالبند والاستمرارية الرجزية'' في بعض النماذج السطرية لا البيتية المنبهة إلى إمكان وجود القصيدة خارج شكل الشطرين والقافية الموحدة، فذلك لم يكن إلا ''دافعا ومؤثرا'' في حال الرواد الذين- وعبرأفقهم الرؤيوي الجديد والمؤثرات التي استوعبوها - أفلحوا رغم ما واجههم من رفض وتخوين ومدافعة أن يفتحوا للقصيدة طرقا جديدة في خط سيرها وشعريتها لم تعرفه من قبل جذرياً ومن حيث اللغة والموضوعات والإيقاعات والشكل عموما· فنازك مشهود لها بالوعي النظري الذي تجسد في كتابها الرائد أيضا ''قضايا الشعر المعاصر'' الذي كانت دراساته المعمقة حول الشعر ''الحر'' كما اصطلحت هي- من أولى الدراسات التي تأملت ظاهرة الشعر الحر اجتماعياً وفنياً وحاولت تأصيلها وتنبهت إلى بعض ما تراءى لها خطرا على الشكل الجديد وفحصت عدداً من نماذجه المنشورة في حينها· وقد كان قدراً غريباً وتوافقاً عجيباً أن تبدأ نازك تجاربها في الشعر الحر بقصيدة عن مصر التي ضربها وباء الكوليرا عام 1947وتختمها بالقول: الموت ، الموت ،الموت يامصر شعوري مزّقه ما فعل الموت وهي القصيدة التي سخرت منها عائلتها المهتمة كلها بالشعر وعدتها كلاما وليس شعرا، كما تقول نازك في مذكراتها وتقول إن القصيدة تسببت في ''ثورة جامحة في البيت'' وسنراها تمتد لتكون ثورة في الشعرية العربية كلها· وكما كانت البداية من مصر ستكون النهاية فيها ووداع الحياة الأبدي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©