الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فندق بونافنتورا وفيردريك جيمسون

فندق بونافنتورا وفيردريك جيمسون
20 مارس 2008 02:33
يتصور بعض النقاد أنّ الطرق التقليدية لفهم العالم والمجتمع قد انهارت، ولذلك فنحن نحتاج إلى إحلال طريقة جديدة في التفكير فيها قدر كبير من الابتكار الإنساني· فالحداثيون يرون أننا نتحرك بلا مقود في عالم متغيّر، ولذا علينا أن نبتكر طريقة جديدة تستجيب للقيم الأيدولوجية والاقتصادية والسياسية المعاشة، في حين يرى النقاد فيما بعد الحداثة أن سعينا إلى فهم القيم الجديدة وخلق إدراك مختلف لفهم المستقبل لا يمكن تحقيقه، فهو آيل هو الآخر للتمزق· إذاً فالحداثة ترى إمكانية تشييد منظومة جديدة للإدراك تساعد على العيش، ولذلك فهي متفائلة، على خلاف مابعد الحداثة التي تقدم خطاباً متشائماً يظهر أننا أصبحنا معزولين في خُرْدة من القيم· وقد أعجبني التشبيه التمثيلي لفكرة مابعد الحداثة عند فريدريك جيمسون، غير المتحمس لمابعد الحداثة· ويتصور أنها ليست موضة فنية أو نظرية، وإنما هي حقل ثقافي يصوّر طبيعة الحياة في أواخر القرن العشرين· ويدعي جيمسون أن ميزة الحياة فيما بعد الحداثة تظهر فيما يطلق عليه بالنقص في خرائط الإدراك الذي سببته الرأسمالية العالمية، حيث قادت الإنسان إلى أن يشعر بالحيرة لمحدودية نظم معتقداته· ويشرح جيمسون وجهة نظره هذه بواسطة فندق بونافنتورا Bonaventura بلوس أنجلوس، ليقدم لنا تشبيهاً رمزياً لحياة الإنسان في العالم المعاصر· فكل شيء في مساحات الفندق العامة غير منسجم مع الإنسان، حيث يجد نفسه مندفعاً بقوة إلى الأعلى، جهة السماء، فالمطاعم عالية تعطي شعوراً بالعزلة والغرابة، والمبنى صمّم ليحصر الإنسان في ما يشبه المتاهة التي تجعله يتحرّك في اتجاه معين، ولذلك فالشخص الذي يمشي في هذا الفندق يجد نفسه مستغرقاً في بناء معماري لا يستطيع فهم خصوصيته؛ لأنه يتحرك من بعد لآخر بصورة عشوائية، على خلاف المدن الحداثية التي تبنى على أساس مخطط منطقي· وإلى الآن فإن تشبيه جيمسون الرمزي هذا اعتيادي، لكن المدهش في تحليله أنه ينقل هذه البنية المعمارية لما بعد الحداثة لتكون مدخلاً في تصور المكان في الكتابات مابعد الحداثية· ولقد لاحظ أن النصوص الحداثية مرتبطة بإيقاع الشارع، فبودلير يستدعي في كتاباته الرجل القروي الذي يمشي الهوينى ويتأمل المجتمع، وجيمس جويس يفعل ذلك في يوليسيس حتى أولئك الكتاب الحداثيين الذين يحملون قلقاً خاصاً من الحياة المعاصرة مثل إليوت فإن شخصياتهم لا تترك عادةً المشي في الشارع· أما الكتابات فيما بعد الحداثة فإنها تصور الشوارع خالية ومملوءة بالمخاطر المروّعة، حتى أن بعض الشخصيات البرجوازية التي تحتمل المشي في الشوارع فإنها عادةً ما تكون منطوية على نفسها، وتحضر الأبراج الزجاجية ومراكز التسوّق وصالات السينما والرياضة والمكاتب بدل المغامرة في الشوارع، ومن هنا فالفضاءات في الكتابات مابعد الحداثية تشبه فندق بونافنتورا فاقدة الحس بالمكان، ولا تمتلك رؤية إدراكية للخرائط، ولا تنفعل بالأماكن، أو بتعبير جيمسون فإنها تعاني من انكماش عاطفي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©