الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشمس ثقيلة والضوء خفيف

الشمس ثقيلة والضوء خفيف
21 فبراير 2018 20:40
صوفيا أَنْدِرْسن ترجمة: المهدي أخريف ظَلَتْ الأعمال الشعرية للشاعرة البرتغالية صوفيا أَنْدِرْسن (1919 - 2004) مجهولة خارج بلدها لمدة طويلة، في الوقت الذي لم تتوقّف فيه عن تطوير صوت شعري شديد التميّز. صوت مركزي في مجال الشعر البرتغالي للنصف الثاني من القرن العشرين. لقد ارتبطت كتابتها بحوار ممتدّ مع البحر المتوسطي ومع التقليد الإغريقي، مشكِّلة عبر الضوء والفضاء الهليني كلمة شعرية تُدرج الحداثة المُتمثَّلَة في فضاء مظهَّر ومصفَّى. يتعلّق الأمر، علاوةً على ذلك، بِصَوْت غنائي لعلَّه الأخير بالمفهوم الإغريقي للكلمة. صَوْتٌ مُوجَّه للغناء، حيث ««الجوع للمطلق» ـ كما قال ألبرتو دي لاثيردا ـ هَوُ رغبة في التحقق، في الإنجاز، وليس في الهروب»، ثمة في قصيدة صوفيا وَعْيٌ واضح بالواقعي، قَادِرٌ على أن يُؤَسِّس، عبر الحقيقة التي تُحفّزه، تقاربا جديداً بين العَالم والاحتفال به، وهو تأسيس لا يَزْدري الأشياء، بل يطوِّعها لِحسابه. «قصائدها - يقول خورخي سينا - تُجلّي واقعاً محدَّداً جدّاً، حيث ترتدي محبّةُ الحياةِ والصرامةُ الأخلاقية رموزاً بحرية وأثيرية، وحيث تنطوي قصائدها على وثنيّة مثالية ورائية (من الرؤيا)». في سنة 1991 صدرت أعمالها الشعرية الكاملة في أربعة أجزاء (انْضَافَتْ إليها أعمال جديدة لاحقة). وفيها نلتقي «بنزوع مطلق إلى الوحدة» قال عنها النّاقِد خواكين مانويل ماغالايس: «على امتداد السنين ظَلَّ شعر صوفيا وَفِيّا لِ (lait-motiv) مُلاحقاً أصواتاً مختلفة. وَلَمْ يَسْقُطْ قَطُّ في الصيغ التكراريّة، في الرِّضا والإغراءات الفورية للنجاحات التعبيرية المنجزة والمحتفى بها من لدن القراء». النصوص المختارة والمترجمة عن الإسبانية هي عبارة عن أربعة نُصوص نثرية عن «فن الشعر» مدرجة في الأعمال الشعرية للشاعرة التي تعتبر الشعر والكتابة الشعرية معاً تمريناً واحداً. وليس كتابتين متوازيتين. فن الشعر I في لاغوس. تقع الشمس عمودياً. وثمة أمكنة حتى الأرضيات فيها يجري تبييضها. الشمس ثقيلة والضوء خفيف. أسير في الشارع، جنب الحائط، لكن لا يَسعني الظل. الظل شريط ضيّق. أُغْطِس يدي في الظل كما لو كنت أغطسها في الماء. دكّان الخزف يوجد في زقاق على الجانب الآخر من الساحة. إنه هناك بعد اجتياز الحانة ثم ورشة الحداد. أدخل دكان الخزف. البائعةُ امرأة صغيرة الحجم ومسنَّة ترتدي السوَّاد. إنها أمامي محاطة بالجرَّات. على الشمال على اليمين تبدو الأرضية مغطاة بأوانٍ مُزيَّنة متكدِّسة: صحون، أباريق، جِفان، خوابٍ. ثمة صنفان من الفخَّار: فخَّار ذو لون وَرْدي باهت، وفخَّار أحمر غامق. فخَّار تعلَّم الناس منذ زَمَن بعيد صَوْغَه. أشكال مَرَّتْ عبر توالي القرون مِنْ يَدٍ إلى يَدِ. الدكان الذي أوجد به قد يكون من جزيرة كريت. أنْظر إلى جرات الخزف الباهت الموضوعة على الأرض أمامي. قد يكون فنُّ هذا الزمن الذي أعيش فيه عَلَّمني النظر إليهنَّ بشكل أَفْضَل. ربما يكون فن هذا الزمن فنَّ نُسْكٍ. فَنٌّ لتنظيف النَّظر. جمال جرَّات الخزف الباهت بَدَا لي بديهياً وأكيداً إلى حَدِّ العجز عن توصيفه. أعرف أن كلمة «جمال» ليست بشيء، وأعرف أن الجمال لا يُوجد في ذاته لكنه هو الوجه، الهيئة، الشكل، علامة حقيقة لا يمكن أن ينفصل عنها. لا أتكلَّم عن جمال إستيتيقي، بل عن جمال شعري. أنظر إلى الجَرَّة: عندما أملؤها مَاءً ستسمح لي بأن أشرب منها. لكنها حتى قبل ذلك تمنحني الآن جرعات الماء. سكينة ومسرّة. إشراقةُ الوجود في العالم، تمنحني ديانة. أنظر إلى الجرَّة في دكان الخزفيات الصغير. ثمة ظل خفيف صامد هنا، خارج الدكان ثمة الشمس. الجرَّة تعقد حلفاً بَيْن ما أنا إيّاه وبين الشمس. أنظرُ إلى الجرّة التي تماثل جميع الجرَّات الأخرى. إلى الجرَّة المكرَّرة لِمَا لا يحصى من المرّات. لَكِن مَا مِن تكْرير بوسعه الحَطُّ منها، لأنَّ مبدأً غير قابل للفساد مَركُوزٌ فيها. لذلك، هنالك في الخارج، في الشارع، تحْت ثِقَلِ الشمس ذاتها، ثمة أشْياءُ أخرى مَعْروضةٌ لِأجْلي. أشياء مختلفة لا يجمعها أي رابط مشترك بي ولا بالشَّمْس. أَشْياء أَتَتْ مِنْ عالم فيه انْكَسَر الحِلْف. عالم لا يوجد مرتبطاً لا بالشمس، ولا بالقمر، ولا بـإيزيس، ولا بـديميتر، ولا بالنجوم، وَلَا بالأبديّ. عالم يمكن أن يكون مأهولاً، لكن ليس مملكة أبداً. المملكة الآن هي فقط ذاك الذي يَجده كُلُّ واحد لذاته، ذلك الحلف الذي ينسجه كل واحد بينه وبين الأشياء. هذه هي المملكة التي نبحث عنها في شواطئ البحر الأخضر، في زُرقة الليل المعلّقة، في صفاء الكلس، في الحجر الصغير المصقول، في عطر الزعتر. هذه المملكة مجزَّءة مثل جسد أورفيوس المقطّع. نحن مَنْ يحاول تجميلها، يحاول الوصول إلى وحدتها، ماضين مِنْ جزء إلى جزء. لذلك أَجِد جرّة الخزف الباهت لا تُقدَّر بثمن. أضَعُها على الحائط، أمام البحر. كي تدُلَّ هناك على الصورة الجديدة لحلفي مع العالم. حلف مهدّد. مملكة أَجدُها بشغف. أَجْمَعُها. أبنيها. مملكة سريعة العطب؛ الرفيقة الفانية للأبديّة. فن الشعر II لا يتطلَّب الشِّعر أيّ تخصص في ذاته. لأنّ فنّه هو فن الكينونة. كذلك لا يتطلب الشعر منّي زمناً أو عملاً. لا علماً ولا إستيتيقا ولا نظرية. ما يتطلبه منِّي الشعر، قبل هذا كله، هو وحدة كينونتي، وعياً أعْمق مِن ذكائي الخاص، إخلاصاً أقوى وأصفى لما أنا قَادِرةٌ عَلَى التّحكّم فيه في ذاتي. يتطلّب منّي تشدُّداً بلا تراخٍ يُطالبُني بأن أبْدأ من حياة تنكسر، تفسد، وتتذوب في غلالة بدون نسج. يتطلب منّي أن أعيش متنبهة مثل هوائيٍّ، تتطلب منّي أن أعيش دائماً، ألَّا أنسى أبداً. تتطلب منِّي إِصْراراً بلا مهادنات حادّاً ومكثّفاً. ذلك أنَّ الشعر هو حواري مع الكون، تَعايُشي مع الأشياء، مشاركتي في الواقعي، لقائي مع الأصوات مَعَ المشاهد، لذلك لا يتكلم الشعر عن حياة مثالية أو محتملة، وإنما عن حياة محدّدة: زاوية النافذة، ضوضاء الشوارع، المدن، الغرف، ظل الجدران، بروز الوجوه، الصمت، المسافة وسطوع الأنجم، تنفُّس الليل، عبير الزيزفون، الزعتر. هذه العلاقة مع الكون هي ما يُعرِّف القصيدة كقصيدة، كعمل إبداعي شعري. عندما ننجز علاقة معنية مع مادة معينة فما نحصل عليه هو عمل صُنْعي بالكاد، العمل الصنعي (الحرفي) هو ما يتطلّب تخصصاً، علماً، عملاً، زَمَناً، إستيتيقا، كل شاعر، كل مبدع، هو صانع لغة. لكن صنعة الفنون الشعرية لا تولد من الشعر ذاته، بل من علاقتها بمادة معينة مثلما يحدث في الصنائع. الفنّ الصنعي في الفنون الشعرية يولد من الشعر ذاته، فهو مُتَّحد به جوهرياً. إذا ما استعمل شاعرٌ هذه النعوت: «مُعتم» «شاسع» «مَرْكب» «حجر» فلأنَّ هَذِه الكلمات تضع تسميات لرؤيته إلى العالم، لارتباطه بالأشياء. لا يتعلق الأمر بكلمات منتقاةٍ إستيتيقياً لجماليتها، وإنما لواقعيتها، للحاجة إليها، لِقُدرتها الشعرية على تأسيس حِلْفٍ؛ إذ منْ هذا الإصرار اللّامُهادِن الذي يتطلبه الشّعر تولَد الصرامة العنيدة للقصيدة. يظهر البيت مكثّفاً، مشدوداً مثل قوس، مقولاً بالضبط كما هو، لأن الأيام كانت مكثّفة مشدودة مِثل أقواسٍ. إنَّ توازن الكلمات في ذاتها هو مِنْ توازن اللحظات في ذاتها سواء بسواء. ضمن الإطار المحسوس للقصيدة أرى أين أنا مَاضية، أتعرَّف سبيلي، مملكتي، حياتي. فن الشعر IV كتب فرناندو بسوا مرّة هذه العبارة: «حدثت لي قصيدة». طريقتي في الكتابة توجد قريبة جدا من منطقة «الحدوث» هذه. تُولد القصيدة مكتملة. قد تظهر معطاة (أو كما لو كانت معطاة) كَإملاءٍ أتلقاه وأدوّنه. قدْ تَكُون هَذِه الطَّريقة في الكتابة مرتبطة بأنَّني قَبْل أن أتعلم القراءة بمدة طويلة، تعلَّمت إلقاء القصائد. التقيت بالشعر قَبْل معرفتي بوجود الأدب. اعتقدتُ وقتئذٍ أن القصائد وُجدتْ بذاتها ولذاتها، لم يكتبها أحد، وأنَّها عُنْصر متولِّد مما هو طبيعي، وهي موجودة في وضعِ حُلُولٍ، حسْبي معها أن أكُون متنبهَّة، هادئة، صامتة كيما أسمعها وأقطف ثمرتها. من ذلك اللقاء البدئي الأولي احتفظت بمفهومي عن أنَّ كتابة الأشعار تقتضي أن أكون دائمة التيقُّظ، وأنَّ الشاعر إن هو إلّا مراقب دائم الإنصات. من الصعب وصَف سَيْرُورة خَلْقِ قصيدة. ثمَّة دائماً قِسْم منها لا أنجح في تمييزه، قِسْمٌ أو جزء يُنْجزُ في مكان لا أراه. أعرف أن القصيدة تَظهر وتُسْمع ضِمن تَوَازُن تنبُّهٍ خاصٍّ، وتوتُّر تركيزيِّ عال. كل مجهودي يتركَّز في الإصغاء إلى القصيدة كاملة وليس إلى مقطع واحد. لأجل الاستماع إلى القصيدة كُلِّها من الضروري ألَّا ينقطع التنبُّه أو يتراخى لديَّ وألا أَتَدَخَّلَ أنا بنفسي في العملية. من الضروري أن أدع القصيدة تنقال. أعرف أن القصيدة حينما تنكسر مِثْل خيطٍ في الهواء، لا يستطيع عَملي وتفرُّغي إكمالها. كيف وأين؟ ولماذا تُخْلَقُ تلك القصيدة التي تظهر كشيء مُنْجز؟ القدماء أَسْموا ذلك ال أين وكيف ولماذا، اللاوّعي، لَاواعٍ مُرَاكم، ملفوفا من لدن ذاته، من أيِّما دافع، في الوعي كما لو على شاشة. يصعب علي أن أُسمِّي ذاك الذي لا أميِّزه جيِّداً. كما يصعب عليَّ وربما يستحيل، أن أميِّز ما إذا كانت القصيدة كُتبت مِنْ لَدُني، في مناطق مُسَرْنمة منِّي، أَمْ أنَّها ظهرت فيَّ عَبر ذلك الذي ينكتب فيَّ. غير أنني أعرف أن انبثاق القصيدة يغدو ممكناً فقط انطلاقاً مِن نمط تلك الكينونة، من الوجود المعيش الذي يجعلني حَسَّاسة، مثل شريط سينمائي، إزاء كينونة وتمظهُر الأشياء. انطلاقا مِنْ شغف عنيد بتلك الكينونة وذلك التمظهر. أن أَدَعَ القصيدة تنقال بذاتها، بِدُون تَدَخُّل مِنِّي (أو بدون تدخل أكون قادرة على رؤيته) كَمَنْ يُتابع إمْلاءً (تارة يكون واضحاً وأُخْرى ملتبساً) تلك هي طريقتي في الكتابة. هكذا، تبدو القصيدة أحياناً متفكّكة، غير مُتَّسِقَةٍ، في تتابع لامتّسق من أبيات وصور. حِينَئِذ أَلْجَأُ إلَى نَوْع مِن «المُونْتَاج» أبدّل فِيه نظام الأبيات، لا الأبيات ذاتها. هذه العملية لا تمثل تدخلا لأنَّها تمسُّ القصيدة فقَط بَعْدَ إملائها حتى النهاية. لأنني إذا مَسَسْتُها بيدي وهي في وضعها الأولي تَفكَّكتْ وانهارتْ. قصيدتي «شَفَقُ الآلهة» هي مِثَالٌ لهذا النمط مِن الكتابة. هي «مونتاج» أُنجز حَوْل نصٍّ مشوَّش قُمْت بتجميعه: رتبّتُ الأبيات. وأضفت في النهاية ملاحظة تاريخية مسهبة عن جوليان المُرتدّ. أحياناً تستبد بي، بدلاً من قصيدة، رغبة في الكتابة. حَالَة كتابة. يبرز انطباع حَادٌّ بحالة لُدُونَة ومعه فراغ، كما لو في مقصورة قبل أن تدخل الراقصة. يبرز نوع من اللعب مع المجهول، مع اللّامَقُول، الإمكان، بياض الورق يَغْدو ممغنطاً. خير مثال لهذه الصيغة في الكتابة، قصيدة «كورس»: أيُّ قصيدة، بين كل القصائد؟ صفحة بيضاء؟ حدث ذلك، وإن بطريقة أخرى لما كتبت قصيدة: «المسيح المصلوب». ففيها حكاية موضوع سابق للموضوع نفسه. عن هذا الموضوع كتبت قصائد عديدة منفردة قُمْت من بَعْد بإدماجها في قصيدة واحدة طويلة. ومن قصائد نثرية كنت كتبتها انبثقتْ قصائد جديدة. فمن قصيدة: «فرناندو بيسوا» ظهرت فجأة كتابتي لمحاضرة عن فرناندو بيسوا، كذلك قصيدة «مَارِيا هلينا بييرادا سيلبا أو المسار المحتوم» انبثقت انطلاقا من مقال عن أعمال هذه الرسَّامة. كتبت هذا النص للنشر في مجلة «نقد». وُلدت قصيدة لي أوردها هنا باعتبارها الشَّكل الأكثر مُلاءمة لتقديم الجواب عما طُلب مِنٍّي: هُنَا جلستُ ساكنةً باليدين على الركبتين ساكنةً خرساءَ خافية مستكينةَ المرايا ربّةُ الشعر علّمتني النشيدَ الحلوليَّ المستتر أبغي سماع هذيان كلامك المباغت الذي يُلهبني فجأة خلال أيام عديدة قُلْت لنفسي: عليَّ أن أجيب مجلّة «نقد» إلى طلبها. كنتُ أعرف أنَّني سأكتب. لكن حول أي موضوع سأكتب. وكتبت شيئاً فشيئاً. مع توقُّفات كثيرة. نصف كتبتُه في دفتر والنصف الثاني في كراس صغير. كتبت بسرعة مع تصحيحات باتجاه الوراء والأمام. في عمل تخيُّلي تطلّب مني الكثير من الشغل مع فواصل ووقفات عديدة خلالها انبثقت القصيدة. لا أحد طلب منّي قصيدة، أنا أيضاً ما كنت لأطلب ذلك منِّي، ولا كنت لأعرف أنني سأكتبها. سأقول إن القصيدة تكلّمتْ عندما صَمتُّ. أنها انكتبتْ لما تخليتُ عن الكتابة. فن الشعر V في طفولتي، قبل أن أتعلَّم القراءة، استمعت إلى إلقاء الشعر وحفظت قصيدة برتغاليةٍ تقليدية تدعى «Nau Catrineta» هكذا كَانَ مِن حظي أن تكون بدايتي الشعرية عبر التقليد الشفهي، كان من حظي أن أعرف القصائد قبل معرفتي بالأدب. لقد كنتُ من السذاجة فعلا، بحيث لم أعرف أن القصائد يكتبها أشخاص، حسبتها بالعكس من جوهر واحد من نفس طبيعة الكون، فهي تنفّسُ الأشياء هي اسم هذا العالم منطوقاً من لدنه هو نفسه. فَكَّرتُ أيضاً أنَّني لو أمكنني البقاء بالتمام ثابتة خرساء في أمكنة ساحرة من الحديقة، لاستطعت سماع واحدة من تلك القصائد التي يحويها الهواء في ذاته. في العمق، حاولت عبر حياتي كلها كتابة تلك القصيدة الحلولية. لقد علَّمتني لحظات السكون تلك في أعماق الحديقة ألَّا وُجود لشعر في السكينة بدون وجود الفراغ، بدون اللَّاتَشَخْصُن التام. ذات يوم في مدينة أبيداوروس انتهزتُ الهدوء المتوافر بسبب انشغال السياح بتناول وجبة الغذاء، فتموضعت في وسط المسرح الإغريقي ثم أنشدتُ بِصَوْت عال مُسْتَهَلَّ قصيدة، فاستمعت في اللحظة الموالية، هنالك في الأعالي صوتي نفسه حُرّاً متحرِّراً منِّي. بعدئذ كتبت هذه الأبيات الثلاثة: الصوت يصعد الدُّرَج الأخيرة أسمع الكلمة المُجنَّحة الوحيدة التي أتعرفُها لأنها لم تَعُد كلمتي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©