الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أدباء الكارثة

أدباء الكارثة
20 مارس 2008 02:34
الأدب والفاقة صنوان· بل إن الأدب هو الطريق إلى الفاقة والفقر والهوان· هذا هو التصوّر الذي يمكن أن يخرج به من يقرأ الكتب التي أرّخت للشعراء والكتاب في القرن العاشر والقرن الحادي عشر الهجريين· وسواء تصفحنا مثلاً كتاب ''نفحة الريحانة ورشحة طلاء الحانة'' للمحبّي أو كتاب ''سلك الدرر في أعيان القرن الحادي عشر'' للمرادي أو كتاب الوزير السرّاج ''الحلل السندسية في أخبار البلاد التونسية''، فإن صورة الكتاب والشعراء ترتسم فاجعة مروّعة، إذ تكفّ الكتابة عن كونها تأريخاً لسير الأدباء وتصبح نوعاً من النوح على مصائر من ابتلتهم الأقدار بحرفة الأدب· يتفنّن كل من المرادي والمحبّي والسرّاج في التأسّي على حال المبدعين الذين عاصروهم· يحدثنا المرادي عن الشاعر عبدالرحمن البهلول قائلاً: ''كان ممن رماه دهره بمصائبه حتى أخبرني بعض الأصحاب أنه حجّ لبيت الله الحرام ماشياً على قدميه ذهاباً وإيّاباً ويحدّث أيضا عن الشاعر أحمد باشا الحكواتي الذي يعتبره من أشعر أهل زمانه فيتأسّى عليه لفقره ورثاثة أثوابه وضعف بصره وابتلائه بالأمراض ويذكر كيف تقلّبت به الأحوال ورمته الأيام بالبوائق والأهوال·'' لكأن الشعر يقود المرء إلى خرابه· أو لكأن الاشتغال بحرفة الأدب يفتح باب الشؤم على مصراعيه حتى لا نجاة ولا أمل في خلاص ممكن أو محتمل· لكأن الأقدار تظل تتعقّب الأدباء بالرزايا ولا تهمل أحداً· وإن غفلت عن بعضهم في شبابه تنقضّ عليه في أواخر عمره· وهذا حال الشاعر المعروف باليوسفي الحلبي فلقد ''كان في غاية الفقر وضنك العيش وقد عرض له قبل وفاته بثلاث سنوات صمم عظيم وكان أوّلاً عارضاً له، فزاد حتى منعه من السّماع بالكليّة بحيث صار الناس يخاطبونه بالإشارة، فحصل له من ذلك كدَرٌ عظيم''· والثابت أن حكام تلك المرحلة قد أعانوا الأقدار على تعقّب المبدعين بالرزايا· فإذا أخطأتهم المصائب تولّى الحكام البطش بهم· هذا ما يحدّثنا به الوزير السرّاج متأسياً على مصائر العديد من الأدباء ومنهم مثلاً الشيخ حمّودة فتاتة· فيذكر أن حاكم تونس ''لم يغفل عن سيّده الأستاذ سيدي حمّودة فتاتة··· حتى أرسل له حرساً شديداً صدموا فجأة لداره، وخلعوا قلوب أهله وصغاره، وتعدّوا حَرَمه، وهتكوا حُرُمَه، وأخرجوه مُكرَهاً، ووالدته تنساب على الأرض بين رجليه، ووالده على علوّ قدره وكبر سنّه تنهلّ سحب الدموع في عينيه، وأصواتهما مرتفعة تارة وا ولداه! وا كبداه! وتارة وا غوثاه! وا ربّاه! وعيون الخلائق تنتظر كشف هذه الغمّة، وأكباد بنيه تتلظّى، وأنفاسهم تتقضّى، إذ أتوا به على سرير المهالك· هؤلاء هم أدباء الكارثة· لكأن الثقافة العربية كانت في القرنين العاشر والحادي عشر تشرف على التوغّل في ليل انحطاطها وكانت مصائر مبدعيها فاتحة الكارثة· أو لكأن هؤلاء الكتاب والشعراء كانوا بمثابة تقدمات أو قرابين على مذبح الهاوية·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©