الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة حرة تلقِّي الجمال

قراءة حرة تلقِّي الجمال
20 مارس 2008 02:35
عندما نتحدث عن الجمال الأنثوي في الشعر يطرح سؤال مباشر: في نظر من يتجلى هذا الجمال، هل يقتصر على عين الشاعر المحب أم يشاركه فيه الآخرون ومنهم قراء الشعر؟ خاصة لأن الحسن في حد ذاته نسبي· ومن المعروف في الفكر النقدي الذي يتصل بالجماليات أنها ليست صفات موضوعية ماثلة في الأشياء المرئية وحدها، كما أنها ليست مشاعر ذاتية تنبثق تلقائياً في نفس المشاهد فحسب، ولكنها تقع على وجه التحديد في تلك المنطقة المتفاعلة بين الذات والموضوع، أي في انفعالي بالحسن وعشقي له· وقد عني بعض الشعراء بتقسيم مناحي الجمال على الحواس البشرية عند المتلقين، واتخذوا من أنفسهم كالمعتاد معياراً يقيسون عليه توزيع هذه المناحي· ويحدد بعض الشعراء مناطق الجمال في أربع في قوله: وفي أربعٍ مني حلَتْ منك أربعٌ فما أنا أدري أيها هاج لي كربى أوَجهكِ في عيني، أم الريق في فمي أم النطق في سمعي أم الحب في قلبي ويحكى أن يعقوب بن إسحق الكندي، الفيلسوف العربي الشهير عندما سمع هذين البيتين كان تعليقه ''هذا تقسيم فلسفي'' أي ليس فيه من الشعر شيء· وأغرى هذا التقسيم شاعراً آخر، هو ابن طباطبا العلوي بجعلها خمسة أماكن في قوله: وفي خمسة مني حَلَتْ منك خمسة فريقك منها في فمي طيب الرشفِ ووجهك في عيني، ولمسك في يدي ونطقك في سمعي وعَرفُك في أنفي فقد زاد على الشاعر الأول حاسة اللمس الناقلة لمشاعر العشاق عبر اليد، وحاسة الشمّ المميزة لطيب الأحباب وعطرهم الذكي، فاستوفى الحواس الخمس وضحى بالقلب مع أنه جماع المشاعر وخلاصة الإحساس· وبمناسبة هذه التقسيمات المنطقية، يستطرد المصنّف ليروي ملحمة طريفة ذكرها الخليل بن أحمد في كتاب العين -وهو أول قاموس عربي- تتمثل في قوله بعض الشعراء: إن في دارنا ثلاث حُبالى قد وددنا أن لو وضعن جميعا جارتي، ثم هرتي، ثم شاتي فإذا ما ولدن كنَّ ربيعا جارتي للرضاع، والهر للفأر وشاتي إذا اشتهيت مجيعا والجارة بالطبع كناية عن الزوجة فى نظر هذا الشاعر الذي يعشق الخصوبة الوافرة وربيع الحياة المنتجة· لكن أجمل ماقيل في تلقي الجمال يظل في تقديري ماقاله ابن المعذّل عن محبوبته عتبة، حيث يرى: لعُتبة صفحتا قمرٍ يفوق سناهما القمرا يزيدك وجهها حسنا إذا ما زدته نظرا فليس الحسن بضوء يتناهى، ولاجمال يلتقط مرة واحدة بالنظر أو التصوير، ولكنه فيض من الإشعاع يتزايد بالتأمل، ويتعاظم بالالفة، ويزدهي ويتوهج دائماً عند مداومة النظر، عندئذ يصبح المتلقي صانعاً للجمال بقدر ماهو جدير بالاستمتاع به·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©