الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجاوز اللسانيات

تجاوز اللسانيات
20 مارس 2008 02:36
إنّ الذي يقرأ الكتابَ العربيّ الخالص، أي الذي لا يعوّل إلاّ على ثقافة عربيّة أحاديّة، قد يصاب بالخيبة من القصور الذي يخيّم على المادّة المعرفيّة التي يتناولها؛ في حين أنّ كتاباتنا ''الجديدة''، في الحقيقة، ليست أهلاً لأن تحملَ هذه الصفة إلاّ بشيء من التجاوز والتسامح؛ فنحن ربما لا نزال نعوّل على النظريّات التي تعود إلى الأعوام الستين والسبعين والثمانين من القرن الماضي (وأتحدّث هنا عن العلوم الإنسانيّة بعامّة، وعلم الألسنة بخاصّة)· في حين أنّ المنظّرين الغربيّين لا يكادون يستقرّون في تنظيراتهم، ولا يثبُتون على أفكار معيّنة يجترّونها أكثر من عِقْدٍ من السنين في معظم الأطوارٍ، ثمّ يعمدون إلى مراجعتها، وانتقادها، ومحاولة مجاوزتها في رؤية فكريّة ثاقبة، وفي قدرة على الخوض في المعرفة العليا مثيرةٍ للإعجاب الشديد· وذلك ما يمكن أن يستخلصه قارئ كتاب ''التلفيظ'' أو ج'جََُكىفُّىَُ ، حيث تعالج فيه صاحبته كاترين كِرْبراط أُوريكسيوني جملةً من المسائل المنصرفة إلى نظريات اللسانيّات، وكيف أصبح كثيرٌ من النظريّات الدوسوسوريّة والياكبسونية متجاوَزةً اليومَ· ،المنظّرة، من كتابها هذا، تحاول أن تقرأ قراءة جديدةً لكثيرٍ من نظريات اللسانيّاتِ· خُذْ لذلك مثلاً نظريّة التواصل السداسيّة الأطراف التي أسّسها رومان ياكبسون تحتاج إلى مراجعة، خصوصاً أنّها تقوم على افتراض وقوع العَلاقة بين المرسِلِ والمرسَل إليه في مجتمع ذي لغةٍ واحدةٍ، يفهمها المتلقّون فيه، لكنْ ما القولُ في ذلك إذا تعدّدتْ لغاته؟ ألاَ تغتدي مثل هذه النظريّة باطلةً؟ وننسج نحن على ذلك فنقول إنّ نظريّة ياكبسون الأخرى التي يتحدّث فيها عن أدبيّة الأدب، أو عمّا ينبغي الْتِماسُه في النّصّ الأدبيّ، وهي التي يقول فيها: ''إنّ موضوع العلم الأدبيّ، (كما يطلق على ذلك حرفيّاً)، ليس الأدبَ، ولكنّه الأدبيّة''· (ويعلّق قريماس على هذه المقولة فيقول: ''أي ما يسمح بتمييز ما هو أدبيّ، ممّا هو غيرُ أدبيّ'')· والنظريّة وشرْحُها معاً يحتاجان، في الحقيقة، إلى مراجعة: تشمل النظرَ والتطبيق جميعاً؛ ذلك بأنّ ياكبسون لم يحدّد المقوّمات التي تعرّفُنا هذه الأدبيّةَ ما هي بدقّة، في حين أنّ شرح قريماس وكورتيس هو أغمض من النظريّة نفسها، لأنّ المهمّ في هذا الأمر ليس تمييز الأدبيّ من غير الأدبيّ، فذلك مطلوب لدى المتلقّي، وهو مُهَوَّسٌ به يَنْشُدُهُ أبداً؛ ولكنْ ما الوسائل التي يتسلّح بها هذا المتلقّي لكي يهتديَ إلى ذلك سبيلاً· إنّنا، نحن العربَ، محتاجون إلى مراجعة المعرفة الوافدة علينا من الغرب، باستمرار، وذلك بالمبادرة إلى قراءة الكتب الجديدة في لغاتها، فإن كنّا نجهلها، فلا أقلَّ مِن أن يَعْتَامَ المترجمون العربُ أفضلَ العناوين وأغناها بالمعرفة الجديدة العليا لإمكان ترقيَةِ المعرفة العربيّة في المستويات المختلفةِ الاستعمالِ، ولا سيّما في الجامعات والمعاهد العليا، وليس ينبغي أن نظلّ نلوك نظريّاتٍ علميّة أكل الدهر عليها وشرب!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©