الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

على الحافة المتحولون

20 مارس 2008 02:36
لا أحد يعرف فرانسيس فوكوياما، كما يعرف هو نفسه· فمنذ أن أطلق هذا المفكر الأميركي، ذو الأصل الياباني مقولاته الجذرية عن ''نهاية التاريخ'' و''نهاية الإنسان''، نصّبه مريدوه وتلامذته، وأغلبهم في مراكز صنع القرار الاستراتيجي في الإدارة الأميركية، ''نبيا'' يترجمون أفكاره إلى مهمات تتولى تنفيذها الأذرع الطويلة لواشنطن التي تطوق العالم كما يفعل خط الاستواء· نظر كثير من هؤلاء إلى فوكوياما كفاتح فكري واستراتيجي و''عسكري'' أيضاً، وبجلوا الارتجاجات التي أحدثها، باعتبارها فعلاً انقلابياً يؤسس لسيادة ثقافة الأقوى· لكن الواضح أن فوكوياما لم يهتم كثيراً بما يمكن تسميته ''التسليم الإيماني'' بنبوءاته، ولم يخجل من توريث أتباعه إحباطات فكرية، فراح يراجع بالتقسيط تلك النبوءات التي أطلقها بالجملة· انتقد فوكوياما سياسات وتصرفات إدارته، واتخذ موقفاً ''تحليلياً'' من الهاجس الغربي المسمى ''الإسلاموفوبيا''، وتصدى عقلانياً للظاهرة العلمية المتمردة على محددات القيم· فعل فوكوياما كل ذلك، دون أن ينتبه أولئك الذين مجدوه إلى ما يفعله· والسبب ببساطة هو أن فوكوياما أطلق نبوءاته الانقلابية بصخب مقصود، وهو يراجعها الآن بلا زوابع· وهناك كثيرون سلكوا سلوك المفكر الأميركي في المراجعة والتحول، من دون جلد للذات، أو تهشيم للموقع الذي كانوا فيه· من بين العرب، تحضر ذكرى الراحل لطفي الخولي، الذي كرّس منبر مجلة ''الطليعة'' المصرية، لتأصيل المعطى النظري والفكري الماركسي في الحياة الثقافية والسياسية العربية، وحقق خلال حقبتي الستينيات والسبعينيات نجاحات مشهودة· في زمن ''الطليعة'' كان الخولي الشغل الشاغل للمهتمين بالشأن الفكري: يتمحور حوله الماركسيون واليساريون الذين وفر لهم منبراً مغرياً للكتابة، ويتابعه الليبراليون لمساجلته في ما يدعو إليه أو يناصره· وكان كل ذلك يجري بصخب مكشوف، وأحياناً مرغوب، للإيحاء باتساع الهامش الديمقراطي على مستوى الكتابة والنشر· لكن ذلك الصخب هدأ واستكان عندما عبر لطفي الخولي عن مراجعات ما، انطلاقاً من زيارته الأولى للسعودية بدعوة من مهرجان الجنادرية، وذلك قبل رحيله بسنوات قليلة· عاد الخولي من الرياض لكي يكتب في ''الحياة'' اللندنية سلسلة مقالات يقيم فيها بموضوعية ما أسماه ''التجربة السعودية''· لا تخلو الساحة الفكرية والثقافية -العربية- من متحولين آخرين، لكن كثيرين منهم فعلوا ويفعلون ما تجنبه فوكوياما وقبله الخولي· نجد هؤلاء يبدلون مواقفهم بأسرع مما يفعل الممثلون عندما يغيرون ملابسهم في كواليس المسرح· نجد هؤلاء، يحملون ''الكرابيج'' وينهالون على كل ما كانوا يؤمنون به، رغبة في جلد كل ما يذكرهم بما كانوا عليه، وخشية من أن يتعرضوا هم للجلد· ومن يريد مثالاً، فليبحث بين الأسماء التي تملأ صفحات الصحف وبرامج الفضائيات· عـادل علـي adelk58@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©