الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القمر المخطوف

القمر المخطوف
20 مارس 2008 03:00
-1- الوقت متأخر، وساحة البيت تمتلئ بالأم والأخوات والجارات، ولا أحد من الرجال معهم ترى أين كان أبوها وعمها؟ طفلة صغيرة تجلس في طرف الساحة، وقد احتضنت ركبتيها بيديها ويبدو عليها الخوف والقلق من المجهول، وأختها الكبرى تدق في الهاون، وتردد كلاما، والنسوة يتطلعن إلى القمر· فلا أحد يحس بها· وفي سماء أبوظبي الهادئة يبدو جزءا من القمر مختفيا في ليلة ربيعية دافئة· وساحة البيت كما هي متسعة، وفي طرفها تبدو أشجار النخيل، وفي الجهة المقابلة يلوح المطبخ ببابه الثقيل مفتوحا· كل شيء يبدو عاديا في عيني الطفلة عدا القمر الذي اختفى جزء منه، ونداءات النسوة التي تختلط بأصوات الهواوين المتصاعدة إلى السماء· -2- حين تخرج الخادمة الهندية راني من غرفتها تجري ميرة إليها متسائلة عما يحدث· لكنها تبتسم ولا تعلق على كلامها· وتسألها ميرة من جديد: ـ هل سيكون غدا يوم القيامة؟ ـ هل في بلادكم تخافون إن خطف القمر؟ غير أنها لا ترد· عينا راني تلمعان، وبقايا ابتسامة مازالت عالقة بشفتيها· ظلت ميرة تنظر بعينين متلهفتين لمعرفة ما سيحدث، لكن لا أحد يبدو مهتما بهذه الصغيرة· -3- تقترب من أمها، لتشدها من ثوبها محاولة لفت انتباهها، وتعيد السؤال مرارا، كأنها تمضغ شيئا بلا طعم، تنهرها أمها بعنف، مبعدة يد الصغيرة عن ثوبها، فتقول بتبرم: ـ اسكتي يا ميرة، هذا القمر خطفته الغيمة، لأنه مديون· وأكملت أسئلتها: لماذا لم يدفع القمر ديونه قبل حبسه؟ لكن أمها تندفع بين النسوة، لتعطي الهاون لإحدى العجائز· تتلفت ميرة حولها ثم تجلس في طرف الساحة، تبدو مرتجفة من هول ما ترى كسعفة نخلة وحيدة، والنسمات الدافئة تلفها بصمت، فتلعب بأطراف ثوبها· تتأمل مشهد النسوة، وعيونهن التي لاترى سوى القمر، في حين يتصاعد صوت الهواوين، في شكل دوامات ترتفع إلى السماء، وأصوات النسوة تناشد الغيمة إطلاق سراح القمر· لكن سماء أبوظبي مازالت هادئة، وخلف تلك البيوت ينطلق صوت المؤذن داعيا لصلاة الخسوف· -4- في الصف تشرح المعلمة أوضاع القمر والأرض والشمس، في رسم سريع يمثل حدوث خسوف القمر· ومن النافذة تتأمل ميرة تلك الفتاة الجالسة في طرف الساحة، وقد احتضنت ركبتيها بيديها، في حين انشغلت عنها أمها وأخواتها بالدق في الهواوين محاولة أن تفهم ماذا يحدث، فهؤلاء النساء القويات اللاتي يسيطرن على كل شيء في البيت نهارا، صرن ضعيفات خائفات· وأختها الكبرى تتحرك دون وعي، في حين يطير غطاء رأسها ويرفرف في الهواء بعصبية، وهي تحاول أن تمسك به، وتوزع على النسوة مزيدا من الهواوين، ويبدو برقعها مرتفعا قليلا عن شفيتها ، وكأنه يرفع رأسه للغيمة في توسل ورجاء· والخادمة راني ترمقهم جميعا في صمت· وميرة تنظر متسائلة ناحية راني فبم تفكرهذه ؟ ولماذا لاتخاف وتدق مثلهم في الهاون؟ أم أن تلك البلاد البعيدة دائمة الخضرة والمطر تتفاءل إن خطف القمر؟ نظرات قلقة تحمل ألف سؤال في تجمع نسوي لايسمع صوتها· ومن بعيد يجذبها صوت المعلمة المتسائل: ـ بم تفكرين يا ميرة؟ تلعثمت الكلمات على شفتيها، واختلطت صور الأمس برسم المعلمة فقالت: ـ بالقمر المخطوف· لحظات مرت عليها، وهي تهم بالجلوس على مقعدها، سمعت طالبة تقول مصححة عبارتها: خسوف القمر·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©