الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التنوع العرقي: نعمة أم نقمة؟

20 أغسطس 2007 00:29
الناس في كل مكان من العالم في حالة حركة دائبة، وسواء أكان البعض منا يحب ذلك أم لا، فإن كافة الدلائل تشير إلى أن المجتمعات الغربية، ومع كل عام يمر، سوف تصبح أكثر تنوعاً من الناحية العرقية· لكن هل هذا التنوع شيء جيد في حد ذاته أم أنه شيء سيئ؟ حسبما يقول معظم الساسة الأميركيين -حتى المتعصبين منهم ضد المهاجرين- فإن هذا التنوع يمثل نعمة وطنية لا نقمة· ونحن نسمع بين الحين والآخر كلاماً يحتفي بذلك التنوع، ويعزف على نغم أنه يمثل قوة لوطننا، لكن هل من يقولون ذلك يحتفون حقاً بالتنوع العرقي، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟ لقد كنت أرى دوماً أن هناك نوعاً من الخوف العميق، وعوامل ترتبط بالعقيدة والدين، تكمن وراء ذلك الاحتفاء بالتنوع· بالإضافة للعوامل السابقة، فإن ما كان يدفعني إلى الاعتقاد بوجود نوع من المبالغة في الاحتفاء بالتنوع العرقي هو تلك الإحصائيات العديدة عن العصابات والجرائم والمعارك التي تدور بين المهاجرين وبين تكوينات المجتمعات الأخرى، والتي لا تدخر وسائل الإعلام وسعاً في إحاطتنا علماً بها على الدوام· ورغم كل ذلك، فإن أصحاب النوايا الطيبة، وبرامج المؤسسات المختلفة، وموظفي الحكومة الفيدرالية، لم يتوقفوا أبداً عن الترويج لمقولة أن أفضل وسيلة لحل الصراعات الناتجة عن التنوع المجتمعي تكون عن طريق دعم هذا التنوع لا الحد منه· وهذا هو السبب في أن هؤلاء جميعاً يساهمون في تنظيم كل هذا الكم من المناسبات لأعضاء الثقافات المختلفة والمتنوعة في المجتمع، ويعقدون كل تلك الحوارات المرهقة التي يقابل فيها الناشطون من السود نظراء لهم من الأميركيين من أصل كوري، و يذهب فيها الأطفال البيض للمشاركة في معسكرات اليوم المفتوح التي يشارك فيها أطفال من الملونين· والفكرة من كل هذه الاحتفالات، والفعاليات، والحوارات هي أنها تساهم بدور إيجابي في كسر الحواجز، كما أنها تساعد على تحقيق حلم الانصهار في بوتقة الوطنية الأميركية· لكن دراسة مثيرة للاستفزاز أجراها واحد من أهم علماء السياسة في الولايات المتحدة وهو ''روبرت باتنام'' أثبتت أن كل ذلك ليس صحيحاً· وباتنام لا يعيد في دراسته تكرار مبادئ نظرية الصراع التي تذهب إلى أن التنوع يؤدي إلى تقوية شخصيات الجماعات المختلفة في المجتمع، وإلى تمركز هذه الجماعات حول ذاتها، واتخاذ موقف عدائي من الجماعات الأخرى التي تعيش معها في المجتمع· ونظرية باتنام لا تتوقع حدوث مواجهة نهائية بين المنتمين للأعراق المختلفة، لكنها تؤكد أن هناك علاقة إيجابية قوية بين درجة الثقة السائدة بين الجماعات العرقية المختلفة وبين درجة الانسجام العرقي في ذلك المجتمع··· بمعنى آخر فإنه كلما كان المجتمع أقل تنوعاً عرقياً كلما زادت درجة الثقة بين الناس المختلفين عرقياً الذين يعيشون في هذا المجتمع، بدليل ما توصل إليه باتنام، من خلال مسح أجراه في نطاق هذه الدراسة، من أن درجة الثقة بين الأجناس كانت عالية نسبية في ''داكوتا الجنوبية'' التي يتسم مجتمعها بالانسجام العرقي وأنها كانت منخفضة نسبياً في الولايات التي تتمتع بدرجة كبيرة من التنوع العرقي مثل لوس أنجلوس· رغم أن بعض المنتقدين قد عارضوا ما توصل إليه باتنام بالقول: إن ما توصل إليه بشأن سلوك أفراد الجماعات العرقية المختلفة وميلهم إلى السلبية والانعزال، ينطبق على بعض أفراد تلك الجماعات وليس عليهم كلهم، فإن باتنام من جانبه يرد على ذلك بالقول: إن الأرقام التي توصل إليها تؤكد ما ذهب إليه، وتؤكد أن التنوع الثقافي يقلص من درجة الثقة ومن الميل للاختلاط الاجتماعي في المناطق الفقيرة أكثر من المناطق الغنية، وأن فضيلة الإيثار والرغبة في التعامل مع الغير وخدمتهم تتأثر في المناطق الغنية أكثر من الفقيرة، وأن التنوع العرقي يؤثر على الاستقرار لدى المحافظين بشكل أقوى من تأثيره على الليبراليين، وأنه وإن كان تأثيره محسوساً بالنسبة للبيض إلا أن ذلك لا يعني أن غير البيض محصنون منه، وأن الشباب من فئة العشرين فما فوق وإن كانوا يبدون أقل تشككاً في غيرهم من العرقيات الأخرى مقارنة بالأجيال الأكثر عمراً فإن عددهم ليس كافياً لتغيير النمط الإجمالي· كما أن النساء يتأثرن في ذلك بنفس درجة تأثر الرجال· إن أياً من تلك النتائج التي توصل إليها باتنام لا تعني أن مجتمعنا قد أصبح محكوماً عليه بالفناء في النهاية بسبب هذا التنوع، ولكنها تعني من جانب آخر أن الاكتفاء بالاحتفاء بالتنوع والمبالغة في ترويجه والدعوة له لن يساعد مجتمعاتنا على المضي قدماً، وأن الشيء الأكثر أهمية في هذا الصدد هو أن يعمل الأميركيون جميعاً على تعزيز مشاعر الجماعية، وتعزيز الأهداف المشتركة، فعندئذ قد يجدون أنفسهم وقد أصبحوا أكثر استعداداً للعمل التطوعي، وأكثر استعداداً لدفع النقود والتبرعات من أجل مد الجسور التي تصل بين مجتمعاتهم المتنوعة· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©