عروس النيل

نهر النيل ذلك الكائن الخرافي، الذي يكتنفه الغموض، يتلوى بشكل ثعبان عظيم عبر التاريخ بشكل لا يدركه العقل، قدسه قدماء المصريين، واعتبروه كائناً أسطورياً، ولذلك كانوا يقدمون له عروساً حسناء عذراء كقربان تزف إليه في أجمل حللها. وكل شيء في حياة المصريين القدماء مرتبط بالحياة والموت أو بالحياة الدنيا وحياة ما بعد الموت، تلك فلسفة اعتنقوها كجزء من حياتهم اليومية رغم تعدد دياناتهم، فكانت ضفة النيل الشرقية تعني الحياة، حيث تشرق أو تولد الشمس، فأقيمت عليها المعابد شامخة تحية للشمس، التي تعبِّر عن رضاها بدخول المعبد. أما الضفة الغربية فتعني الموت، حيث تموت الشمس كل يوم عند الغروب، فأقيمت فيها المدافن ومقابر النبلاء ووادي الملوك ومعبد الملكة حتشبسوت. وتبقى ثمة قصص مليئة بالمؤامرات والخيانة والحروب لم تكتشف بعد في حياة الفراعنة والمصريين القدماء وأسرار أخرى غريبة تشبه المعجزات. غير أن النزهة على ضفة النيل في الأقصر لا تعادلها متعة، الجو الرائع، والهدوء يشبه صمت المقابر القادم من الضفة الأخرى، رائحة مياه النيل المنعشة، انعكاس الأضواء الخافتة على صفحة الماء الهادئة، التي تتلاشى نتيجة موجات هادئة يسببها قارب وحيد، لا يزال يبحث عن رزقه في أحشاء النهر العظيم، صوت خرير الماء الناتج عن قفز الأسماك الصغيرة الباحثة عن طعام يشكل تناغماً مع صرير صراصير الليل التي تؤدي صلواتها على شكل وصلات موسيقية. اخترت كرسياً يطل مباشرة على مياه النيل وجلست عليه، وشردت بي الأفكار إلى أن أغرقتني في هذا النهر العظيم، وتذكرت القصص، التي كان يرويها المصريون القدماء عن النهر، الذي كان يأخذ أجمل فتيات القرية كعروس ليرضى عن أهل هذه القرى، التي قامت على ضفافه وتعيش من خيراته. رأيت فتاة في غاية الحسن والجمال، تزينت ولبست أجمل الأثواب، ثم في طقوس دينية حاشدة على امتداد القرية، سيتم رميها في النهر كقربان، كانت الفتاة حزينة فهي تعرف مصيرها، وكان والدها على الرغم من حزنه، سعيداً، لأنه يقدم أجمل قربان للنهر وسيساهم في رضاه عن القرية ومدها بالخير وبالماء، أما الأم فقد كانت تصرخ وقد أمسكتها النسوة في المنزل، وكان هناك شاب يقف بعيداً يراقب ما سيحدث والدموع تنهمر من عينيه، لقد كان يحب تلك الفتاة لكنه لا يمكنه فعل شيء لفتاته، فمن سوء حظها إنها كانت أجمل فتيات القرية، ولذلك فهي ستزف إلى ذلك الكائن الخرافي العظيم. rahaluae@gmail.com