الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العراق والبوسنة.. أوجه المقارنة الخاطئة

العراق والبوسنة.. أوجه المقارنة الخاطئة
21 أغسطس 2007 02:57
قبل اثني عشر عاماً، جمع مقاتلو صرب البوسنة 8000 رجل مسلم في بلدة سريبرينيتشا، واقتادوهم إلى غابة مجاورة حيث أجهزوا عليهم· كانت المجزرة واحدة من آخر حلقات مسلسل التطهير العرقي في النزاع البوسني، تلك الحرب التي استمرت ثلاث سنوات وتميزت بالحصار والترحيل والاغتصاب والإعدام· هذا الأمر أزعج وأربك الولايات المتحدة والحلفاء في أوروبا، إلى درجة أنهما هددا بالقصف لحمل الأطراف المتناحرة على الالتقاء والتحدث حول السلام بقاعدة عسكرية جوية في ''دايتون'' بولاية أوهايو الأميركية· فحدث اللقاء، ووقع الفرقاء في ''أوهايو'' هدنة أوجدت زعامات منفصلة وضمنت جواً من السلام بين الكروات الكاثوليك، والصرب الأرثوذكس الشرقيين، والبوسنيين المسلمين· وكان الحل-التقسيم- الاختيار الأول المألوف للتاريخ من بين الاختيارات الأخرى· ويمكن القول: إن نوعاً من الحنين إلى المقاربة التي اعتُمدت بخصوص البوسنة يشد بعض الساسة والمراقبين في واشنطن هذه الأيام بخصوص معضلة العراق، أو على الأقل في أوساط من يبحثون في دروسها عن طريقة لإنهاء العنف· ولأن لا أحد يريد تكراراً لسريبرينيتشا في صحارى العراق، فإن عدداً متزايداً من المشرعين والدبلوماسيين والمحللين، ومن بينهم مرشح رئاسي ديمقراطي على الأقل، باتوا يشيرون إلى النموذج البوسني ما لم يستطع الشيعة والسُنة والأكراد في العراق شق طريقهم نحو دولة مشتركة مستقرة؛ حيث يتساءلون ما إن كان ينبغي على الولايات المتحدة أن تسخر وسائلها العسكرية والدبلوماسية لدفع الفرقاء العراقيين نحو ''تقسيم ناعم'' للمناطق الآمنة والقابلة للحياة، بحيث تكون متجانسة وتحكم نفسها بنفسها، تلافياً لحرب أهلية حقيقية وسط الشرق الأوسط الغني بالنفط· والواقع أن البوسنة مثال جذاب؛ فالهدنة قائمة، وقوة حفظ الاستقرار التي تتزعمها الولايات المتحدة لم تفقد أي جندي لها من قبل نيران معادية· بيد أن في المقارنة بين عراق 2007 وبوسنة 1995 مشكلةً واحدة -أو ربما ثلاثاً- وتتمثل بكل بساطة في أن الشروط الثلاثة التي جعلت السلام يستتب في البوسنة بموجب اتفاقات ''دايتون'' لا تتوفر في العراق· ولعل ذلك ما يفسر عدم تحدث الجنرالات الأميركيين في بغداد، والذين ترقى الكثير منهم الرتب العسكرية في البلقان، عن تقسيم ممكن· إذ يقولون: إن أي تقسيم لن يكون ''ناعماً''، بل قمعياً ودموياً، وسيشكل انتكاسة كبيرة للسياسة الخارجية الأميركية· الشرط الأساسي الأول بالنسبة للبوسنة، التي كانت جمهورية يوغسلافية في السابق، كان قائماً ومتوفراً· فعندما اجتمع المفاوضون في ''دايتون''، كان العنف المستعر قد نجح في تقسيم ودفع الكاثوليك والأرثوذكس الشرقيين والمسلمين إلى مناطق متناغمة عرقياً إلى حد كبير· وكانت الحرب قد خلقت خريطة على الأرض؛ ولذلك فإن مهمة الدبلوماسيين كانت تقتصر في الواقع على كتابة ذلك بالحبر· والحال أن خريطة من هذا القبيل لا توجد في العراق؛ فرغم فرار مليوني عراقي من البلاد ونزوح مليونين آخرين عن مناطقهم داخل العراق، فإنه سينبغي نقل ما قد يصل إلى 5 ملايين عراقي آخرين -أي 20 في المئة من عدد سكان البلاد في مرحلة ما قبل الحرب- من أجل تشكيل مناطق متجانسة عرقياً· الشرط الثاني غير المتوفر يتمثل في أن جميع الأطراف الثلاثة تقاتلت مع بعضها بعضاً في 1995 بالبوسنة إلى حد الإجهاد والإنهاك· أما في العراق اليوم، فإن استطلاعات الرأي تشير إلى أن المواطنين العاديين أنهكتهم الحرب؛ غير أن المليشيات الموالية للفصائل الطائفية الثلاث مازالت تستعد للحرب، وتقوم بتسخينات استعداداً لمزيد من إراقة الدماء· إذ يواصل المقاتلون الأجانب والأسلحة الخارجية التدفق على العراق عبر حدوده غير المحكمة· وهو ما يجرنا إلى الحديث عن الشرط الثالث الذي لا يتوفر في العراق أيضاً· فميزة مفاوضات دايتون هي أن القوى الخارجية التي كانت تُسلح الفصائل وتدفع بالعنف في البوسنة -الديكتاتور الصربي سلوبودان ميلوسوفيتش، والرجل القوي الكرواتي ''فانجو تودجمان''- جلست إلى الطاولة إلى جانب وكلائها البوسنيين والممثلين المسلمين· وبتوقيعهم على الاتفاقات، أُطفئت نار التحريض الخارجي· بالمقابل، فإن إدارة بوش لاتريد أو لا تستطيع إقناع إيران وسوريا بشراكة دبلوماسية كاملة من أجل إنهاء الهجمات ضد الحكومة والتحالف في العراق· بل يبدو أن ثمة آفاقاً ضيقة لتوسيع الحوار المباشر، لاسيما مع إيران· ومع ذلك، فإذا كانت الظروف التي كانت متوفرة في نزاع البوسنة غير متوفرة في العراق اليوم، فإن التقسيم ربما يظل مع ذلك مصير العراق، وهو ما يستوجب ضرورة أن تستعد الولايات المتحدة لحدوثه من دون خسائر كبيرة قدر المستطاع· ومن كبار المدافعين عن فكرة التقسيم السيناتور جوزيف بايدن عن ولاية ديلاور، رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ والمرشح للتقدم للانتخابات الرئاسية باسم ''الديمقراطيين''؛ وليزلي جيلب، الرئيسة الفخرية لـ''مجلس العلاقات الخارجية''؛ و''بيتر جلبريث''، السفير الأميركي السابق إلى كرواتيا· وكان مخطط ''بيدن-جيلب''، الذي اقتُرح في ،2006 الأول من نوعه الذي يدعو إلى ''عراق لا مركزي''· وفي هذا السياق، يقول بيدن: ''العمل على جعل النظام الفيدرالي ناجحاً بالنسبة للعراقيين··· فتمنحهم سيطرة على نسيج حياتهم اليومية؛ وتفصل الأحزاب وتمنحها مجالاً للتنفس· ولندعهم يتحكمون في الشرطة المحلية، والتعليم، والدين، والزواج -أي الأشياء ذاتها التي يتحاربون عليها''· غير أن ''ريدر فيسر''، الخبير في الشؤون الطائفية للعراق بـ''المعهد النرويجي للشؤون الدولية''، يقول: إنه ''باستثناء الأكراد في الشمال، فإنه لا توجد مطالبة شعبية وموضوع إجماع بالنظام الفيدرالي أو التقسيم الناعم أو أي شكل آخر من أشكال التقسيم''· وفي هذا الإطار، يقول ''فيسر''، الذي يدير موقعاً على الإنترنت حول البحث التاريخي بخصوص العراق :(historiae.org) إنه بالرغم من المبررات والحجج التي يدفع بها المؤيدون للتقسيم، فإنه ''لم يسبق للعراق أن قُسم إلى كيانات طائفية واضحة'' باستثناء فترة قصيرة نسبية بين 1880 والحرب العالمية الأولى· ويضيف قائلاً: ''لفترات طويلة قبل ثمانينات القرن التاسع عشر، كانت الإمبراطورية العثمانية تحكم هذه الأراضي ككيان واحد··· وغير صحيح ما يُقال من أن الأقاليم العثمانية الثلاثة التي أصبحت العراق في 1921 كانت تتميز بهويات طائفية واضحة''· محرر الشؤون الخارجية في نيويورك تايمز ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©