الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صناعة «الحرض».. تبدأ من باطن الأرض لتستقر على موائد الطعام!

صناعة «الحرض».. تبدأ من باطن الأرض لتستقر على موائد الطعام!
11 ابريل 2009 02:35
تشتهر اليمن منذ القدم بصناعة «الحرض»، وهي حرفة توارثتها الأجيال باحتراف، وتُستخرج أحجارها الخاصة من بين الصخور وفي مناجم تنتشر في بطون الجبال خصوصاً في منطقة رازح بمحافظة صعدة شمال اليمن. وهي حرفة صناعية مدهشة، تقوم بها مجموعة من المهرة في هذا المجال، وذلك بنحت الحجارة وتستخرج منها الأواني الحجرية النادر وجودها في العالم والباهظة الثمن، والتي يتم توريدها إلى السعودية التفاصيل في السطور التالية. بداية يجب الإشارة إلى أن منطقة رازح تنتمي لمحافظة صعدة التي تعد من المحافظات المتميزة شمال اليمن وتشتهر بتنوع المنتج السياحي المتمثل في المعالم التاريخية والشواهد الإسلامية والأسواق والصناعات التقليدية المتميزة والسياحة البيئية نظراً لتنوع تضاريسها. وبحسب الكتب التراثية، اشتهرت صعدة ولا تزال بالصناعات الحديدية التقليدية كالسيوف الصعدية المشهورة، وقديماً عرفت بصناعة أدوات الحراثة والدباغة، ولا تزال صناعة الأواني الحجرية «الحرض»، المستخدمة في طهي الطعام، موجودة في مناجم منطقة رازح التابعة لهذه المحافظة. تحدي الموت وقد أكد النحات صابر عمر أن صناعة الحرض تنتشر عبر مناجم في منطقة رازح، حيث يرى الزائر العمال المهرة يتحدون الموت وهم يدخلون إلى المغارات لإخراج أحجار «الحرض» ولصناعة أدوات قديمة يطلق عليها القدور الراسيات التي تحدث عنها القرآن الكريم في عهد سيدنا سليمان، وكون الناس اليوم لم يعودوا بتلك القوة التي كان عليها أسلافهم، إلا أنهم لا يزالون يحافظون على هذه الحرفة القديمة، وانتشرت خرافات تفيد بأن الذين كانوا يعملون تلك القدور الراسيات هم من الجن ولعل لهم من القدرة ما ليس للبشر. ويقول علي الرازجي: النحاتون المهرة يصنعون «الحرض» من حجارة رصاصية اللون تستخرج من مناجم خاصة في جبال رازح خصوصاً في مناطق «الإزد والشوارق»، وفيها يقوم هؤلاء العمال بالحفر والتنقيب في باطن الأرض لمسافة 250 متراً للحصول على هذه الأحجار من باطن الأرض، مما يعرضهم للخطر، وتحدث إثر ذلك حوادث فقد ينهار المنجم أحياناً على من فيه. شكل جميل وناعم من جانبه، يشير النحات ساري أحمد إلى أن الممارسين لهذه المهنة يتحملون العناء، لكنهم سعداء بأعمالهم ولا يكترثون بأي صعوبات، وتزداد اشتياقاً للاقتراب منهم لتستمع كيف تصنع تلك القدور والأواني والتماثيل الحجرية «?حجارة الحرض» المستخرجة من أعماق الأرض. كما يقول ساري أحمد إنها تمتاز بلونها الرصاصي، وكذا بليونتها من جهة، وصلابتها من جهة أخرى، حتى يستطيع النحات تشكيلها بالطريقة المناسبة وحتى تكون أكثر احتمالاً للحرارة والبرودة فيُطهى الطعام فيها بشكل جيد.. والنحاتون يستعملون آلة حديدية خاصة لعمل هذه الأواني، وهي عبارة عن «قدّوم» له رأسان أحدهما حاد يشبه رأس المسمار يضرب به النحات ضربات متتالية خفيفة، فيتكون في مكان الضرب مجموعة من الخطوط، ويستمر في ذلك حتى يتكون الشكل المطلوب. ثم يستعمل المبرد لإعطاء الآنية شكلاً جميلاً وناعماً. مهارة خاصة يصنع النحاتون أشكالاً مختلفة من هذه الأواني، بل إنهم أصبحوا يتفننون في صناعة بعض الأشكال الجميلة كالسلاسل التي تحتاج إلى مهارة، وكذا بعض اللوحات الفنية التذكارية والخطية وطفايات السجائر. ولا شك أن هناك تفاوتاً في المهارة في صنع تلك الأواني من قبل النحاتين، حسب خبرة كل منهم وقدرتهم الفنية على التشكيل. وفي هذا الصدد يقول بائع «الحرض» في باب اليمن غثيم أنعم إن السياح القادمين إلى المناجم في قرى رازح ينعمون بزياراته المنطقة الواحدة تلو الأخرى، حيث يصطحبك العمال إلى داخل المنجم بأضواء خافتة «كشافات»، ويحرص كل زائر على اقتناء هذه الأواني ليطبخ فيها، حتى أن حجم بعضها يستوعب خروفاً أو أكبر ويسمى «المدهلة»، وهي تساوي قدر الضغط الحديث حيث تطبخ فيها الأشياء التي لا تنضج بسرعة فتنضجها، ويقوم من يستخدمها غالباً بوضعها فوق الحطب المشتعل في التنور لفترة غير طويلة فينضج الطعام فيها بشكل مميز وسريع خصوصاً اللحم. وما يميزها أيضاً أنها تحفظ الطعام ساخناً لفترة أطول من الأواني العادية ولا تفقد حرارتها إلا بعد مدة طويلة. لذا نجد أكثر المطاعم اليمنية تقدم الطعام للزبون فيها حتى يظل ساخناً، خصوصاً عندما تتنوع الأطعمة المقدمة فيبدأ بأكل أنواع معينة من الطعام ويترك البعض الآخر حتى النهاية، فيأتي إليها وهي ساخنة دون أن تفقد طعمها. مصدر رزق يوضح أحمد الرازحي أن هذه الأواني تمتاز بسعرها المرتفع نسبياً مقارنة بالأواني التقليدية، نظراً لما يبذل فيها من جهد، إضافة إلى أن الحصول على تلك الأحجار يكلف الجهد والمال والمخاطرة، لكنها حرفة لا يمكن أن يتخلى عنها أصحابها؛ لأنها مصدر رزق لهم ولأنها حرفة الآباء والأجداد. ويؤكد أنه على الرغم من كثرة الأواني الحديثة وتنوعها إلى أن اليمنيين لا يزالون يحافظون على هذه الأواني ويحرصون على اقتنائها مع ارتفاع ثمنها مقارنة بأثمان الأواني الحديثة، خاصة أن هذه الأواني يتم تصديرها إلى بعض دول الخليج وربما إلى الدول الغربية، كآنية مستخدمة أو تراث إبداعي مميز.
المصدر: صنعاء
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©