السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البرازيل... صعود اقتصادي وفرص واعدة

البرازيل... صعود اقتصادي وفرص واعدة
8 فبراير 2012
كان من المنطقي بكل بساطة أن يأتي المرء إلى قلب أميركا الجنوبية الاقتصادي، هكذا فكر "جونثان روزنتال"، رغم أنه كان يعمل في "وول ستريت" لدى بعض من أكبر وأقوى الشركات الاستثمارية في العالم. والحقيقة أن الولايات المتحدة كانت في ركود مستمر وأوروبا في حالة تراجع اقتصادي، في حين كانت ثمة فرص واعدة في البرازيل. وهكذا، وعلى غرار عدد متزايد من المهنيين الشباب المتعلمين تعليماً جيداً اتخذ "روزنتال" قراره وشد الرحال إلى "وول ستريت" البرازيل، شارع "فاريا ليما"، لإنشاء صندوق تحوط استفاد من الطفرة الاقتصادية التي تعرفها البلاد. وبفضل اقتصاد تجاوز بريطانيا مؤخراً ليصبح سادس أكبر اقتصاد في العالم، بدأت البرازيل تقدم بديلاً مشمساً ومربحاً في كثير من الأحيان للآفاق المسدودة والمكفهرة في الولايات المتحدة وأوروبا. وفي نوع من هجرة الأدمغة العكسية، بدأ الأجانب يتقاطرون على البرازيل بكثرة. فخلال العام الماضي مثلاً، بلغ عدد الأجانب المقيمين في البرازيل قرابة 1?5 مليون شخص، مقارنة مع 961 ألف شخص في 2010، يقول باولو أبراو، وهو أعلى مسؤول حكومي مسؤول عن الهجرة. كما ارتفعت رخص العمل بـ 32 في المئة خلال الأشهر التسعة الأولى من 2011 مقارنة مع الفترة نفسها من 2010. ويأتي الأميركيون في المقدمة بـ7550 مقيماً حصلوا على رخص عمل في 2010. وإضافة إلى ذلك، فإن مليونيْ برازيلي ممن كانوا يعيشون في الخارج عادوا إلى وطنهم منذ 2005. وفي هذا الإطار، يقول أبراو: "بينما توجد أزمة في بلدان أخرى، لدينا نحن هذه الظاهرة هنا"، مضيفا "فمستويات التوظيف مرتفعة، والبلدان التي كانت تمثل عادة وجهة للبرازيليين، مثل البرتغال والولايات المتحدة وإسبانيا، بدأت اليوم ترسل الناس إلى البرازيل". القادمون إلى البرازيل لديهم بكل وضوح روح المغامرة، ولكنهم اتخذوا قرارهم أيضاً بناء على اعتبارات براجماتية: ذلك أن البرازيل تمثل قوة اقتصادية صاعدة ينمو اقتصادها 4?4 في المئة منذ 2004. كما أنها تلقت حوالي 200 مليار دولار من الاستثمارات المباشرة الأجنبية خلال السنوات الست الماضية. ورغم الإجراءات البيروقراطية المعقدة بالنسبة للعاملين الأجانب، فإن هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 194 مليون نسمة يتميز باقتصاد متنوع بشكل متزايد ينطوي على فرص بالنسبة للعاملين في القطاعين المالي والهندسي وتصميم الإنترنت والهندسة البترولية وغيرها من المهن التقنية. ويقول "روزنتال"، 31 عاماً، الذي يدير "نيوفاوندلاند كابيتال مانجمانت" مع شريك برازيلي: "عند الحديث عن العمالة الماهرة، هناك نقص كبير في العرض، وبالتالي فإذا كانت لديك الشجاعة لتأتي إلى البرازيل، أو لديك المهارة اللغوية، فإن القدوم إلى هنا لا يتطلب تفكيراً طويلاً". في نيويورك، كان لدى "روزنتال" مشوار مهني ذهبي. ففي سن الثانية والعشرين، انضم إلى مؤسسة "مورجان ستانلي"، ثم عمل لاحقاً لدى واحد من صناديق "تايجر كَب" التابعة لجوليان روبرتسون. ولكن ثقافة العالم المالي لنيويورك يمكن أن تكون قاسية ومغلقة، يقول "روزنتال" الذي انجذب إلى الإمكانيات الاستثمارية المتاحة في البرازيل والبلدان المجاورة. فهنا، يقول إنه يلتقي بمديري الشركات الكبرى في النادي الرياضي، كما أنه لا يبعد سوى مسافة قصيرة يمكن قطعها بواسطة سيارة الأجرة عن 80 في المئة من الشركات المدرجة في بورصة ساوباولو. ويقول: "هذه الحوارات مفيدة جداً ولا تقدر بثمن... وهو أمر لا يتاح لك في نيويورك". ثم هناك الموسيقى، ومطبخ شمال شرق البرازيل الذي يتميز باستعماله للبهارات، ومستوى كرة القدم المذهل للفريق المجاور في سانتوس". والواقع أن البرازيل تجذب الأجانب دائماً من خلال شواطئها، ورقصات السامبا المثيرة، ومساحاتها الهائلة. وعلى مدى عقود، كان المهاجرون الفقراء من إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وألمانيا يهاجرون إليها بواسطة السفن. وفي الخمسينيات، كان بريق وجمال شاطئ كوباكابانا المدهش في ريوديجانيرو يجذب نجوم هوليود والموسيقيين. وفي العقود اللاحقة، تحولت البرازيل إلى وجهة للعمالة غير الماهرة من البلدان المجاورة الفقيرة. غير أنه في السنوات الأخيرة، جذبت البرازيل أيضاً أشخاصاً مثل ستيفان روجو، 36 عاماً، وهو باريسي كان يبيع البرامج الحاسوبية في صناعة الدفاع ووجد أن أفضل خطوة يمكن أن يقوم بها من أجل تطوير مشواره المهني تتمثل في القدوم إلى البرازيل والحصول على ماجستير في إدارة الأعمال "إم بي إيه". "لقد كنتُ أتابع الأخبار"، يقول "روجو" بينما يدخل وصديقته البرازيلية شقتهما الجديدة، مضيفاً "أخبار من قبيل: هذه الشركة ستطرد 2000 شخص، وتلك الشركة ستغلق. فقلتُ في نفسي: إنه ليس أفضل وقت للبحث عن وظيفة". مواطنه الفرنسي، فرانك توركيه، 28 عاماً، يتذكر كيف أنه في أوروبا "كان كل شيء حول الأزمة: الأزمة الاجتماعية، الأزمة الاقتصادية، أزمة الهوية". واليوم، يعيش توركيه بالقرب من شاطئ ريوديجانيرو وقد قام مؤخراً بخطب امرأة برازيلية. ويضيف قائلاً: "حياتي هناك جميلة حقا!". ولكن ليس كل شيء جميل، بالطبع. فقد عرف الاقتصاد تراجعاً خلال الأشهر الأخيرة نتيجةً لأزمة الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أن يبلغ النمو 3?5 في المئة فقط هذا العام، حسب "إيتو"، وهو أكبر بنك في البرازيل. كما أن أداء سوق الأسهم كان سيئاً مؤخراً، وجهود الرئيسة "ديلما روسف" الرامية للدفع بالإصلاحات الاقتصادية مشلولة إلى حد كبير. ومع ذلك، فإن الإنتاج الاقتصادي يمثل تحسناً مقارنة مع أوروبا والولايات المتحدة، كما أن البطالة انخفضت إلى حوالي خمسة في المئة. والقطاعات مثل النفط والبناء من المتوقع أن تظل مزدهرة. وعلاوة على ذلك، فإن الإمكانيات في الوظائف العليا -التي تهم الأجانب الذين لديهم مؤهلات عالية- تظل واعدة. وبالفعل، فالرواتب في الوظائف العليا يمكن في أحيان كثيراً أن تفوق نظيرتها في نيويورك أو باريس، كما يقول "إدمار بيرفيتو"، وهو شريك في شركات التدقيق الدولية "بي. دبليو. سي"، مضيفاً أن 80 في المئة من الشركات متعددة الجنسيات لديها عمليات في البرازيل. وعلى سبيل المثال، قامت شركة "جنرال إلكتريك"، التي لديها عمليات في 100 بلد، بنقل مقرها لأميركا اللاتينية من المكسيك إلى ساوباولو، وانتقلت من 7 آلاف إلى 8 آلاف عامل في البرازيل خلال العام الماضي، كما تعتزم فتح مركز إقليمي للتدريب في ريوديجانيرو. ويقول بول فاما، وهو أميركي يشغل منصب مدير الموارد البشرية في شركة "جنرال إلكتريك" هنا وقدم مؤخراً إلى البرازيل، إن الشركة لديها مديرين من عدد من بلدان أميركا اللاتينية، مضيفاً أن "هذا النوع من التنوع يخلق الأفكار". في "بيلو هوريزنتي"، التي تقع على بعد حوالي 360 ميلاًً إلى الشمال الشرقي من "ساوباولو"، تسعى "جوجل" جاهدة إلى توظيف مهندسين في وحدة بحث تابعة لها. فمن أصل 100 مهندس، الذين يشرف عليهم كبير المهندسين المدير "بيرثيي ريبيرو نيتو"، يعد حوالي 10 في المئة منهم أجانب - من هولندا وفرنسا وألمانيا والهند وبلدان أميركية لاتينية أخرى. ويقول ريبيرو نيتو: "إن الاقتصاد ينمو بوتيرة أسرع من كليات الهندسة في الجامعات بهذا البلد!". إحدى الوظائف الهامة شغلها أوليفيي تيبول، 28 عاماً، وهو فرنسي وصل إلى البرازيل قبل بضعة أشهر. فقد أكمل شهادة دكتوراه في الرياضيات التطبيقية في باريس، وفي لحظة اندفاع، تقدم بطلب وظيفة في "جوجل" في البرازيل. وعن تجربته، يقول تيبول: "أن تكون في بلد ينمو ويقدم مناصب جذابة جداً. لم أضطر للتفكير طويلاً في الأمر". وفي هذه الأثناء، أخذ أجانب آخرون هنا، مثل ديفيد بيلي، وهو بريطاني يعيش في "ريوديجانيرو" برفقة ثلاثة أوروبيين آخرين، ينضمون إلى العالم المتنامي لشركات الإنترنت الصغيرة. فهو ينوي إطلاق موقع إنترنت يدعى "الشوكة الطائرة" يسمح للزبائن بتقديم طلبيات الطعام على الإنترنت. ذلك أن عدد المطاعم في البرازيل، التي تقوم بتوصيل الطعام إلى المنازل والمكاتب تضاعف إلى 50 ألف منذ 2005، كما يقول "بيلي"، وهو مؤشر واضح على أن مدينة "ريو باتت" مستعدة لمبادرته. ويرى "بيلي"، الذي يبلغ عمره 28 عاماً ويهوى الموسيقى، أن البرازيل تقدم ثقافة غنية وفرصاً تجارية إذ يقول:"إنه حقاً مكان رائع للعيش، فهو مشمس، ومكان توجد فيه ثقافة قوية للموسيقى، والذهاب إلى الشاطئ، والمرح والاستمتاع"، مضيفاً "ومن جهة أخرى، فإنه مكان - واحد من الأماكن القليلة في الواقع- حيث يعرف الاقتصاد نمواً وتوجد فرص مهمة". خوان فوريرو - ساو باولو ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©