السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلاقات الأميركية الباكستانية... مد وجزر وكيل بمكيالين!

العلاقات الأميركية الباكستانية... مد وجزر وكيل بمكيالين!
22 أغسطس 2007 00:05
إلى أي مدى تستطيع واشنطن المحافظة على استخدام سياسة المد والجذر مع باكستان؟ تساؤل بات يشغل بال المراقبين للوضع الباكستاني في الوقت الحالي· فمنذ أن تولت إدارة الرئيس جورج بوش الابن زمام الأمور في البيت الأبيض، ومنذ دخولها فيما يسمى الحرب ضد الإرهاب، واختيار إسلام أباد والرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف ضمن حلفائها الأساسيين في هذه الحرب، حرصت هذه الإدارة على استخدام ما يصفه المراقبون بسياسة المد والجذر في التعامل مع باكستان· فتارة تلوح بالجزرة وتشيد بالدور الباكستاني في هذا التحالف وتثني على ما قدمته إسلام أباد من تضحيات في مطاردة عناصر تنظيم ''القاعدة'' وحركة ''طالبان'' في حزامها القبلي حيث فقد الجيش الباكستاني أكثر من سبعمائة جندي -بحسب الإحصائيات الرسمية الباكستانية- وتارة أخرى، تلوح بالعصا، وذلك عبر تسريب تقارير استخباراتية للإعلام الأميركي تتهم فيها باكستان ونظام الرئيس الباكستاني الجنرال مشرف بالتقاعس عن الدور الذي يفترض لإسلام أباد القيام به في هذه الحرب، وأنها تستخدم سياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع التحالف الدولي، فبعض التقارير الإعلامية الأميركية تشير بين الحين والآخر إلى أن جهاز الاستخبارات العسكرية الباكستانية يقوم سراً بدعم عناصر حركة ''طالبان'' في حزام باكستان القبلي، ناهيك عن حجم الامتعاض والرفض الأميركي للخطوة التي أقدم عليها الرئيس الباكستاني في شهر سبتمبر الماضي ليبرم اتفاق سلام مع قبائل البشتون في تلك المنطقة، الخطوة التي أثارت حفيظة ساسة البيت الأبيض الذين انتقدوا هذه الاتفاقية· في الواقع أن باكستان، وعلى مر تاريخ علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة، عانت بشكل كبير من ازدواجية المعايير والكيل بالمكيالين التي تتبعها واشنطن ليس فقط مع باكستان، بل مع دول عديدة في المنطقة إلا أن باكستان كان لها نصيب الأسد من هذه السياسة، فعلى سبيل المثال تخلت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون في أوائل السبعينات عن باكستان أثناء حربها مع الهند، والتي تسبب في انفصام الهوية الباكستانية إلى شرقية (بنجلاديش) وغربية (باكستان)، وها هي حقبة الجهاد الأفغاني في حقبة الثمانينات تشهد نفس الأسلوب الذي اتبعته الإدارة الأميركية للرئيس الأسبق رونالد ريجان مع نظام الجنرال الراحل ضياء الحق، فبعدما حققت واشنطن أهدافها من حرب الجهاد الأفغاني وكسرت شوكة الدب الروسي في أفغانستان لتتربع على عرش القوة الأحادية في العالم تركت الوحل الأفغاني بما يحتويه من مشاكل اجتماعية وسياسية بل وأمنية لتغرق باكستان في دوامة جديدة وتدخل مرحلة انتكاسات ما بعد هذه الحرب· وعندما استيقظ العالم على كارثة الحادي عشر من سبتمبر والهجوم غير المتوقع على برجي مركز التجارة العالمي ومبنى البنتاجون في نيويورك وواشنطن، أدركت الإدارة الأميركية أنها لا تقع بمنأى بعيد عما يدور في أفغانستان ومخلفات هذه الحرب، وبدأت في الالتفات مرة أخرى إلى إسلام أباد، إلا أن هذه المرة لم تكن باكستان في موقع الحصول على المصالح المتبادلة، كما كان الحال في حقبة الحرب الأفغانية، بل كانت موضوعة في موقع المُسيّر وليس المُخيّر، ليجد الرئيس الباكستاني نفسه أمام خيار واحد وهو وضع يده في أيدي ساسة البيت الأبيض، لشن ما يسمى بالحرب على الإرهاب· وهاهي مرة أخرى تستخدم الولايات المتحدة نفس السياسة، ولكن بطريقة تبدوا أكثر دبلوماسية، إلا أنه وبرأي كثير من المراقبين في المنطقة فإن الجنرال الباكستاني المحنك سياسياً وذا خبرة عسكرية واستراتيجية واسعة يدرك تماماً كيفية التعامل مع سياسات واشنطن، التي انكشف ساترها، لاسيما بعدما أزاحت الإدارة الأميركية الحالية أي نقاب يجملها· ولكن السؤال الذي يطرح نفسه على هذه المعطيات هو: لماذا ضاعفت واشنطن -سواء كان على الصعيد الإعلامي أو الدبلوماسي- هجومها على باكستان؟ فإنه وعلى الرغم من قيام الجيش الباكستاني باقتحام المسجد الأحمر في العاصمة إسلام أباد لدحر العناصر المتشددة، والتي يطلق عليها اسم ''طالبان باكستان''، والتي أحرجت الحكومة الباكستانية على الصعيد الشعبي، كان مشرف يتوقع أن تربت اليد الأميركية على كتفيه وتهنئه، إلا أنه وعلى العكس فوجئ بتصعيد المسؤولين الأميركيين تصريحاتهم ضد باكستان، بل وطالبوا هذه المرة بضرورة مهاجمة الأراضي الباكستانية، ولم يكتفوا بذلك بل إن الكونجرس الأميركي مرر مشروع القرار الخاص برهن المساعدات الأميركية إلى باكستان بما قد تحرزه الأخيرة من تقدم في تعاونها مع الولايات المتحدة في مكافحة العناصر الإرهابية في المنطقة· فهل هذا يعقل؟ أي استراتيجية هذه؟ كثيرون في إسلام أباد يرون أن واشنطن سئمت مما تتعرض إليه من فشل يومي في العمق الأفغاني، فحركة ''طالبان'' تصعد من هجماتها المتنوعة استراتيجياً وميدانياً على القوات الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، بل إنها بدأت وبهذه الاستراتيجية تصل إلى العصب العسكري لهذه القوات في العاصمة كابول، بل ومهاجمة القواعد العسكرية في الولايات الأخرى، كالهجوم المكثف الذي نفذه عناصر الحركة ضد قاعدة (أناكوندا) العسكرية الواقعة في ولاية أورزوغان بوسط أفغانستان ولثلاث مرات خلال أسبوع واحد، ولم تلق واشنطن أي ذريعة تبرر بها فشلها سوى إلقاء اللوم على الشماعة الباكستانية، وتحمل باكستان المسؤولية عن عدم نجاحها في كبح جماح العناصر ''الطالبانية'' المتسللة من الحزام القبلي الباكستاني إلى داخل العمق الأفغاني، رغم قيام الأخيرة بنشر أكثر من تسعين ألف جندي· وعادةً ما تقوم الإدارة الأميركية بعد إثارة مثل هذه الاتهامات والتقارير الإعلامية بإرسال مسؤول دبلوماسي لها لزيارة إسلام أباد، ومن ثم يقوم بتمجيد الدور الباكستاني في الحرب على الإرهاب· ولكن يرى بعض المراقبين أن الزيارات التي يقوم بها المسؤولون الأميركيون إلى باكستان حالياً كالزيارة التي قام بها ''باوتشر'' مؤخراً والزيارة المرتقبة لـ''جون نيجربونتي'' نائب وزيرة الخارجية الأميركية الشهر المقبل لها طابع خاص يختلف عن بقية الزيارات السابقة لهؤلاء المسؤولين، فالحرب الكلامية الدائرة بين البلدين، حيث يحاول كل طرف من الأطراف إخفاءها تحت تصريحات دبلوماسية مُجملة تحمل في طياتها حالة من الاحتقان الشديد في علاقات البلدين، وتعني هذه الزيارات وضع مزيد من الضغوطات على نظام الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف أولاً لإنجاز اتفاق سياسي مع بنازير بوتو، هذا إضافة إلى الرسالة القوية التي يحملها هؤلاء المسؤولون معهم في زيارتهم لإغلاق أي أبواب قد يفتحها الرئيس الباكستاني لفرض حالة الطوارئ في باكستان حتى ولو كانت لفترة وجيزة· ومن الملاحظ أنه في الوقت الذي ترددت فيه تقارير عن احتمالية فرض حالة الطوارئ سارعت الأجهزة الاستخباراتية العسكرية الأميركية بتسريب تقارير إلى الإعلام الأميركي أبدى فيها الجهاز مخاوفه تجاه أمن وسلامة المنشآت النووية الباكستانية، والخطر من وقوع هذه المنشآت في أيدي عناصر متطرفة أو متشددة، وبالطبع في إشارة إلى بعض العناصر الأصولية المتواجدة في الجيش الباكستاني· هذا إضافة إلى ذكر هذه التقارير لمعرفة أجهزة الاستخبارات العسكرية الأميركية لأماكن هذه المنشآت· فتسريب مثل هذه التقارير متزامن مع تقارير فرض حالة الطوارئ تدعو إلى القول: إنها كانت بمثابة رسائل تبادلتها كل من إسلام أباد وواشنطن· خلاصة القول: إن العلاقات الأميركية- الباكستانية تمر بمرحلة انتقالية حرجة جداً، ربما قد تنذر بانتهاء شهر العسل في هذه العلاقات وبدء شهور من الاحتقان بين العاصمتين الحليفتين فيما يسمى بالحرب الدولية ضد الإرهاب· ليبقى مصير هذه العلاقات مشوباً بالمخاطر والتهديدات السياسية التي تحددها السيناريوهات الإقليمية، وكذلك السيناريوهات على الصعيد الأمني في باكستان وأفغانستان·
المصدر: إسلام آباد
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©