الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بداية الفراق بين بوش والمالكي

بداية الفراق بين بوش والمالكي
23 أغسطس 2007 06:01
حين وقف كل من الرئيس بوش ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي جنباً إلى جنب في الأردن في شهر نوفمبر من العام الماضي، وصف بوش المالكي بأنه الرجل المناسب للعراق· غير أن ذلك الوصف تبخر تماماً من لغة جورج بوش بحلول يوم الثلاثاء الماضي، ففي هذا اليوم، اعترف الرئيس الأميركي بدرجة معينة من درجات ما أسماه بالشعور بالإحباط إزاء عجز الحكومة العراقية عن توحيد الفصائل الطائفية المتناحرة في البلاد· وقد جاءت تعليقاته هذه، التي أدلى بها أثناء لقاء له مع قادة أميركا الشمالية في كندا، بعد ساعات فحسب من وصف السفير الأميركي في بغداد، ''رايان سي· كروكر''، لتقدم العملية السياسية هناك بأنها ''مثيرة للإحباط'' إلى حد بعيد، وتحذيره في ذات الوقت للسلطات العراقية من أن الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لحكومة المالكي، لم يأت مصحوباً بـ''شيك على بياض'' على حد تعبيره· هذا ولم يكن اقتراح التصويت بسحب الثقة الذي تقدم به السيناتور ''كارل ليفين''، وهو ''ديمقراطي'' من ولاية ميتشجن، ورئيس لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، هو ما أسهم في بدء تغيير الإدارة الحالية لمواقفها إزاء حكومة المالكي، بقدر ما أسهمت في ذلك، رغبة البيت الأبيض الواضحة في حفظ مسافة بينه وحكومة المالكي قبل حلول شهر سبتمبر المقبل، مع العلم أنه الموعد الذي ستواجه فيه استراتيجية زيادة عدد القوات التي تبناها الرئيس بوش وجرى تطبيقها فعلياً في العراق، مراجعة شاملة وربما انتقادات حادة توجه إليها· ولم يكن هذا التوقيت محض مصادفة· والسبب أن الرئيس بات في مواجهة شكوك عميقة إزاء استراتيجيته هذه داخل صفوف حزبه، بينما يتوقع أن تتكرر مساعي خصومه ''الديمقراطيين'' التي لا تكف عن تحقيق هدفها الرامي إلى اتخاذ قرار إلزامي بوقف الحرب· وعليه فإن ما يبدو أن بوش قد بدأ بتمهيد الأرض والأجواء من أجل إرسال رسالة جديدة تؤكد معنى: ''ها نحن نقوم بعملنا في العراق كما ينبغي·· وليس لأحد أن يلومنا فيما لو أخفق العراقيون عن القيام بعملهم''· لكن ومع ذلك، فإن من الصعب جداً تخيل أن يتخلى بوش عما بدأه في العراق· وكما رأينا بالأمس، فقد شن الرئيس هجوماً عنيفاً على دعاة وضع حد لاستراتيجية زيادة عدد القوات التي طبقها مؤخراً في العراق، وذلك أثناء حديثه أمام حشد من قدامى المحاربين، بمدينة أركانساس· وجاء في الخطاب نفسه التحذير التالي: فجنودنا يرون ما أحرزوه من تقدم ميداني على الأرض· وبينما بدأوا عملياً في التقاط زمام المبادرة الهجومية من العدو، فهل يصح أن يسحب قادتهم السياسيون في واشنطن البساط من تحت أقدامهم، خاصة في اللحظة التي شرعوا فيها بتغيير ديناميات المسرح العسكري في العراق بالذات؟! هذا ومن رأي الخبراء أنه ليس مرجحاً أن يسعى بوش لإرغام المالكي على مغادرة منصبه الحالي في رئاسة الوزراء· ولعل السبب هو عدم توفر بديل عملي له حتى هذه اللحظة· بل المرجح أن تكون تعليقاته الواردة أعلاه، قد قصد منها مخاطبة الجمهور الأميركي· ولنذكر هنا أنه كان قد روج لاستراتيجيته الخاصة بزيادة عدد القوات هذه بالقول إن من شأنها أن تخمد نيران العنف وأن تتيح مساحة للتنفس السياسي، وهو ما يسمح للمسلمين السنة والشيعة والأكراد بتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة· غير أنه اضطر الآن للاعتراف العلني بما يراه كل مراقب لتطورات الأوضاع والأحداث في العراق يومياً··· وهو أن الاستراتيجية هذه لم تؤد الأهداف التي رسمت من أجلها بعد· تعليقاً على هذا قال ''جون أولترمان''، مدير برنامج الدراسات الشرق أوسطية، بمركز ''الدراسات الاستراتيجية والدولية'' بواشنطن: ''ما يحيرني في حديث الرئيس بوش الأخير هذا، هو أنه يبدو أقرب إلى من يعبر عن حنقه وغضبه من حكومة المالكي، أكثر من نفض يديه عن مشكلاتها· ولا أظن أن القرار الذي اتخذه بوش في دخيلة نفسه إزاء هذا الوضع هو البحث الجدي في كيفية تجاوز حكومة المالكي، وهو ما يلزم بوش بإعادة نفسه مجدداً إلى مركز الحوار القومي الدائر حول العراق حالياً· وبسبب موجة التوتر التي أثارتها تعليقات بوش الأخيرة هذه، فقد بادر مسؤولو البيت الأبيض إلى تأكيد القول على أن بوش لا يزال على دعمه المستمر لنوري المالكي· ولعل هذا ما يفسر من ناحية ما، عدم تعرض بوش في حديثه الذي أدلى به الأمس، إلى نوري المالكي بالاسم، بقدر ما خصصه لتناول الحرب بوجه عام، في إطار حديثه عن الجهود الحربية الطويلة المدى التي خاضتها الولايات المتحدة الأميركية في القارة الآسيوية· وضمن ذلك فقد جاءت المقارنة في حديثه بين الحرب العراقية الحالية، والالتزام طويل الأمد لواشنطن في كل من اليابان وكوريا الجنوبية، مع العلم أن هاتين الدولتين قد أسفرتا عن بروز حليفين ناهضين لأميركا في القارة· كما لم يكن مستغرباً أن بوش أشار في حديثه إلى عواقب انسحاب القوات الأميركية من فيتنام، وما صاحبها من نهوض حركة الخمير الحمر الدموية في الجارة كمبوديا· وقال بوش في ذلك السياق إن الانسحاب الأميركي من فيتنام قد سبب الآلام والمعاناة لملايين البشر في تلك المنطقة· وكما جاء على حد تعبيره: ''فأياً كان موقفك من الحوار الذي دار عن حرب فيتنام، فإن من غير المشكوك فيه مطلقاً، أن ثمن انسحابنا من هناك، قد دفعه الملايين من المواطنين الأبرياء الذين أضافت معاناتهم التي لا تصدق، مفردات جديدة إلى قاموسنا المعاصر مثل ''سكان القوارب'' و''معسكرات إعادة التعليم'' و''حقول الموت'' وما إليها· بيد أن هناك من سارع إلى التصدي لكل هذه المزاعم على الفور من خصوم الرئيس بوش ومعارضيه في أوساط ''الديمقراطيين''· ومن بين هؤلاء ''هاري ريد''، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، والمؤرخ البارز، ''روبرت داليك''، الذي سجل سيرة حياة ثلاثة رؤساء أميركيين سابقين هم: كنيدي وجونسون ونيكسون· ومن رأي هذين المعارضين لتصريحات بوش هذه، أنه تعمد تجاهل الفوارق الجوهرية بين النزاعين العراقي والفيتنامي· أما قوله بنهوض حركة الخمير الحمر، كنتيجة لانسحاب قواتنا من فيتنام، فهو في رأي المؤرخ ''داليك''، قول مفارق للصواب، لكون المذابح التي شهدتها كمبوديا على يد هذه الحركة الدموية، لم تكن لتفسر بانسحاب قواتنا من الجارة فيتنام، بقدر ما تفسر بتدخلنا في شؤون كمبوديا وزعزعتنا لاستقرارها وأمنها· جاء ذلك خلال لقاء صحفي أجري مع ''داليك'' مؤخراً· وفي الاتجاه نفسه انتقد آخرون بشدة تكرار الرئيس بوش لحديثه عن أن شعب العراق وديمقراطيته يستحقان المزيد من الصبر· والحقيقة أنه لا وجود حتى لمؤشرات على تقدم نحو الأمن والمصالحة السياسية، ناهيك عن التقدم نحو الديمقراطية· محررا الشؤون الخارجية بصحيفة نيويورك تايمز ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©