الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحراقة ... جزائريون بين قوارب الموت ونعيم أوروبا

الحراقة ... جزائريون بين قوارب الموت ونعيم أوروبا
25 أغسطس 2007 01:32
ظاهرة جديدة لم يستوعبها القاموس اللغوي المحلي في الجزائر، فأبدع أصحابها باختيارهم هذا الاسم الذي نعتوا به أنفسهم، وأدخلوا هذا اللفظ في تصريحات الرسميين ووسائل الإعلام حتى أصبح يترجم مدلوله، إنها ''الحراقة''، وهي تسمية تطلق على شباب جزائري اختار حرق وخرق القانون والتشريعات، وأصبح مسافراً بلا تذكرة سفر، وبلا حقيبة سفر· التذكرة الوحيدة التي يدفعون ثمنها هي تذكرة النجاة أو الموت الحتمي· ''الحراقة ''هم المهاجرون غير الشرعيين الذين يركبون الليل والبحر وزوارق الموت بحثاً عن وطن جديد وهوية جديدة، ولا يتورعون عن حرق هوياتهم فقط لتبقى مجهولة لدى السلطات الإسبانية· خلال السنتين الأخيرتين، تحولت الهجرة السرية في الجزائر إلى الشغل الشاغل للشباب على اختلاف مستوياته، ومن مختلف المدن، وأصبحت المناطق الساحلية بالغرب الجزائري قِبلة توصلهم إلى أرض الأحلام التي تبدأ بإسبانيا، انطلاقاً من الشواطئ الغربية لولاية الشلف، ومستغانم، ووهران، إضافة إلى عين تموشنت وتلمسان المدينتين اللتين تعتبران المعبر الرئيس للمهاجرين غير الشرعيين· أصبح بعض البحارة في المناطق المذكورة، ''مهرّبين للبشر''، فهم يحملون فوق بواخر الصيد التي يشتغلون عليها المهاجرين السريين مع الزورق الذي يكونون قد اشتروه، ويخرجونهم من المياه الإقليمية الجزائرية ويقطعون بهم المياه الدولية، موهمين حراس السواحل بأن الأشخاص الذين يوجدون على متن الباخرة صيادون، وعند الاقتراب من المياه الإقليمية الإسبانية، يتوقفون وينزلون الزورق المهيأ، الذي يمتطيه ''الحراقة'' ويغامرون على مسافة قصيرة، تنتهي في الغالب بالنجاح· ويسمي المشتغلون في هذا النوع الجديد من التهريب، هذه الطريقة بـ''شراء البحر''، مثلما يسمي مهربو المواد الاستهلاكية والمخدرات تأمين مسالك عبور سياراتهم وشاحناتهم من الحدود الغربية بـ''شراء الطريق''· وتعتبر هذه الطريقة في الوصول إلى الشواطئ الإسبانية ''الأضمن'' لأن الزورق لا يُتعب كثيراً، ولا يحتاج إلى كميات كبيرة من الوقود، وهناك طريقة أخرى للهجرة السرية تتمثل في استعمال الزوارق نصف الصلبة، وهي زوارق مطاطية منفوخة، تملك أرضية من مادة صلبة ويمكن تركيب محركات قوية عليها، وتحملُ إلى غاية عشرة ''حرافة''، وتتميز عن غيرها من الزوارق الصغيرة بكونها إذا انقلبت بفعل الأمواج لا تغرق، على خلاف الزوارق البلاستيكية أو الخشبية التي إذا امتلأت بالماء تغرق ويغرق معها ممتطوها· ويستخدم مستعملو الزوارق نصف الصلبة معدات السباحة مثل الصدريات الواقية من الغرق، التي تسمح لهم في حال تدهور الأحوال الجوية أو انقلاب الزورق بالسباحة وإعادة الزورق إلى وضعيته وامتطائه من جديد لمواصلة الرحلة· ولكن بعض شبكات الهجرة السرية، صارت تدفع الشباب نحو الموت، من خلال بيعهم محركات غير صالحة للإبحار، فبعد اشتغالها لمدة لا تزيد عن أربع ساعات تتعطل، ويبقى ممتطو الزورق رهائن وسط البحر دون مخرج· ويمارس ''تجار الموت'' هذه الطريقة مع الشباب القادم من مناطق بعيدة إلى الشواطئ التي تحولت إلى نقاط الانطلاق نحو إسبانيا، والذين لا يعرفون البحر من سكان المناطق الداخلية· وتعتبر البطالة العامل الرئيسي وراء إصرار آلاف الشباب الجزائري على الهجرة السرية، والأفارقة هم من فتح أعين الجزائريين على الهجرة السرية، لكونهم أول المهاجرين السريين الذين جعلوا من الجزائر نقطة نزوح لأوروبا بطرق غير شرعية· وتشير إحصائيات شرطة الحدود الجزائرية، إلى توقيف ما لا يقل عن 8000 مهاجر سري في السنة يحاولون دخول الأراضي الجزائرية برّاً من حوالي 30 دولة أفريقية، هدفهم الوصول إلى المعابر البحرية الغربية، كنقطة للاتجاه نحو الدول الأوروبية القريبة، والهجرة ليست مقتصرة فقط على الشباب الأُمِّيِّ بل حتى الجامعيين الذين لم يجدوا عملاً يناسب مؤهلاتهم العلمية، فالكثير من الشباب وبعد سهر طويل لتحصيل الشهادة يتساوى مع الأُمِّيِّ، ومتوسط التعليم في العمل في مقهى أو ''حمال'' في مشاريع البناء· ولعبت الهوائيات المقعرة، التي تبث الفضائيات خصوصاً الفرنسية، منها الدور الكبير في شد نظر الشباب الجزائري اتجاه كبريات عواصم حوض المتوسط أهمها فرنسا وإسبانيا وإيطاليا، هذه الفضائيات ساهمت في تكريس صورة الجنة الضائعة والنعيم الأبدي الذي يصل إليه على يدي زوجة أجنبية، تهبه الجنسية والبيت والسيارة ويهبها شبابه· هذه الهجرة أصبحت طيلة أيام الفصول الأربعة، دون الاكتراث بخصوصيات فصل الشتاء، ولقد أسفر تحول الهجرة من موسمية إلى مفتوحة على كل أيام السنة، عن وفاة أكثر من 70 شاباً في مقتبل العمر انتشلهم حراس السواحل خلال العام 2006 وحده، بعد تعرض زوارقهم الهشة وهي ''تنشد'' سواحل ''أليكنت'' الإسبانية إلى غضب البحر وثورة أمواجه· وعادة ما يفقد الشباب أرواحهم، ويفقد آخرون أموالهم، عندما تعترضهم دوريات حراس الشواطئ ليلاً أو فجراً، فتعيدهم إلى نقطة الصفر، إلى الجزائر، فلا هُمْ بلغوا مبتغاهم، ولا هم استفادوا من الأموال التي اقترضوها من الأهل والأقارب، ليشتروا في كثير من الأحيان تذكرة الموت، هذا علماً بأن ثمن الظفر بمكان صغير في قارب من قوارب الموت يتراوح ما بين 350 إلى 500 يورو يرفض عادة بارونات الاتجار بالبشر تعويضها للشباب في حال فشلت ''خطة السفر الحلم''، وهم شباب كشفت تقارير أمنية حديثة أن 70 % منهم ''حيطيست'' وهذه العبارة تعني عاطلاً يسند الحائط طول النهار، ومن عائلات فقيرة أو متوسطة الحال· وتحاول الجهات الرسمية عبثاً تقديم بعض الإحصائيات عن المهاجرين السريين، وذكرت أن هناك 80 عملية إبحار و68 شخصاً حاولوا الهجرة عبر ميناء ''أرزيو'' بوهران بالغرب الجزائري، و184 شخصاً هاجروا عبر سواحل ''عين تيموشنت''، بالغرب الجزائري أيضاً، بين 2005 و·2006 غير أن الواقع يكذّب هذه الأرقام بالنظر إلى عشرات المهاجرين السريين الذين ينطلقون يومياً عبر شواطئ معزولة ببني صاف وما جاورها من شواطئ ''عين تيموشنت'' و''عين فرانين'' بوهران ومعروف وسيدي يوشع بتلمسان، وحتى شواطئ ولاية مستغانم منها عشعاشة، ستيدية وغيرها· وحسب مصادر إعلامية فقد تم في شهر أكتوبر الماضي توقيف ما يزيد على 400 مهاجر سري بإسبانيا أغلبهم من الجزائريين· كما أحصت المفوضية السامية للاجئين نحو 150 ألف مهاجر سري، سنوياً، بأوروبا معظمهم قادم من النيجر ومالي وموريتانيا والجزائر والمغرب· ويتوقع المختصون أن تعرف ظاهرة الهجرة السرية انتشاراً واسعاً خلال السنوات المقبلة، بسبب تصاعد نسبة البطالة نتيجة لتراجع النمو الاقتصادي وقلة فرص العمل· وأفاد أحد الذين هاجروا سراً وعادوا بعد توقف محركهم، أن هناك من كانوا في مثل حالهم ولم ينجدهم أحد، تقاتلوا فيما بينهم، أو رمى بعضهم بعضاً في البحر حتى تقوى المركبة على حملهم· هذا إضافة إلى الذين ابتلعتهم الأمواج ولفظهم البحر جثثاً هامدة· ورغم ما يحدث لـ''الحراقة'' أثناء هجرتهم السرية، فإنهم لم يلبثوا أن يفكروا في العودة إلى المحاولة، لأن الجميع يحفظ عبارة ''يأكلني الحوت ولا يأكلني الدود'' أو ''إنني ميت في كل الأحوال'' و''ماذا أفعل في الجزائر'' وعبارات أخرى يقنعون بها أنفسهم ولا يقتنعون بغيرها حتى ولو كانت من أُمٍّ تربي لتهب الحوت رجلاً احتملت من أجله الفقر وقهر الزوج· شهد النصف الأول من سنة 2006 ارتفاعاً كبيراً في عدد المهاجرين السريين، فلا يمر يوم إلا وتطالعنا الصحف الجزائرية بأخبار عن تدخلات حراس السواحل لإنقاذ حياة المهاجرين وانتشال جثث من ماتوا غرقاً في عرض البحر وهم يسعون للوصول إلى أرض الأحلام بالقارة الحلم· استطاع حراس السواحل إنقاذ العديد من المهاجرين السريين الذين كادت أمواج البحر العاتية تبتلعهم، وأحبطت العديد من محاولات الهجرة، كما انتشلت جثثاً على طول السواحل الجزائرية التي يبلغ طولها 1200 كلم، لاسيما السواحل الغربية للبلاد· وفي آخر تطورات ملف الهجرة السرية وانعكاساته على العلاقات الجزائرية- الإسبانية، ذكرت مصادر إعلامية إسبانية أن السلطات الإسبانية تنوي إقامة مراكز خاصة لحجز المهاجرين السريين القادمين من الجزائر، وذلك في ميناء ''ألميريا'' جنوب شرق إسبانيا، بعد أن عرفت الشواطئ الإسبانية ارتفاع عدد المهاجرين السريين المقبوض عليهم وهم يحاولون التسلل إلى بلاد الأندلس، آخرهم 11 مهاجراً وصلوا يوم الأحد الماضي إلى شاطئ ''ألميريا''· وكل مهاجر سري يتم القبض عليه سيحجز في المركز المذكور، وسيتم ترحيله على الفور عبر رحلات جوية من ''ألميريا'' نحو الجزائر· وذهب المراقبون إلى أن ظاهرة الهجرة السرية باتت تطرح إشكالاً حقيقياً للسلطات الإسبانية· ففي الوقت الذي يجري فيه ترحيل المهاجرين المغاربة في نفس اليوم الذي اعتقلوا فيه، أو في أجل أقصاه 48 ساعة، في حين أن الجزائريين يتقدمون بطلبات اللجوء السياسي ربحاً للوقت وكنوع من المراوغة· هكذا هو الشباب الجزائري الذي يشكل نسبة 75 % من إجمالي السكان يجري وراء الرغيف في وقت امتلأت خزائن الدولة بعائدات البترول، وفي بلد بلا ديون تقريباً ومساحته أضعاف فرنسا·
المصدر: الجزائر
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©