الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الدور الحكومي... درس من ألمانيا

4 يناير 2011 20:09
حظي الإصلاح الأخير الذي أدخلته ألمانيا على نظام التأمين الصحي باهتمام واسع النطاق، لأنه أثار الكثير من الجدل وتضمن إدخال تغييرات جوهرية على الطريقة التي يقوم بها الألمان بدفع تكاليف والاستفادة من خدمات الرعاية الصحية. والشيء الذي حظي بأكبر قدر من الاهتمام، هو الطريقة التي بها تمرير ذلك القانون.كانت تلك الطريقة سريعة، وهادئة، وتحمل تلك اللمسة الرصينة للمؤسسة السياسية المحترفة. بمعنى آخر كانت الطريقة التي تم بها تمرير ذلك القانون في المانيا، بعيدة تماماً عن ذلك النوع من المبالغات الذي يرافق عادة عملية مناقشة القوانين وتمريرها في الولايات المتحدة. وهذا لا يرجع إلى أن ألمانيا دولة ديمقراطية مثالية، ولا لأن حكومة الائتلاف التي تحكمها فوق الانتقاد، ولا لأن ساستها مبرأون من عدم الكفاءة، والطمع، والفساد، وإنما يرجع إلى شيء آخر مختلف جد الاختلاف، ألا وهو ذلك القبول شبه الشامل لدور حكومي محدد سواء في المجتمع أو في الاقتصاد. وهو شيء لا يمكن قوله عن الولايات المتحدة. العديد من الأميركيين يرتكبون خطأين عند النظر عبر الأطلسي. الأول، أن مواطني الدول الأوروبية يميلون إلى الحكومات الكبيرة التي تتدخل في شؤون المجتمع. هذا وهم زائف بالطبع. فالدخول في مناقشة عادية مع أي شخص ألماني عادي، تكشف لأي أميركي على الفور، نوعا من النفور من البيروقراطية، والضرائب قد يعادل نفس النفور الموجود لدى أي عضو متحمس من أعضاء حركة" حفل الشاي" في الولايات المتحدة في الوقت الراهن. الفرق الذي يمكن ملاحظته في هذا السياق، أن الفرد الألماني قد يكون أكثر معرفة بطبيعة الحكومة والحاجة إليها: فالألمان بشكل عام يعرفون الطريقة التي تقوم بها الحكومة بإدماج نفسها في النسيج السوسيو - اقتصادي للبلاد، والحكومة من جانبها تعرف أنه يجب عليها أن تفعل هذا الشيء لضمان توافر الحد الأدنى من المساواة بين مواطنيها. يتناقض هذا تماما مع الأميركيين، الذين يدعون الحكومة للخروج، حتى من البرامج الحكومية الصرفة مثل برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" مثالاً لا حصراً. وذلك لا يمثل حنينا للحكومة التي تحافظ" على ما هو اشتراكي" في الاشتراكية الديمقراطية، وإنما هو تعبير عن الحاجة التي لا يمكن إنكارها لهذه الحكومة. الأميركيون - كما يقال - يعتبرون الحرية هي القيمة الأسمى بالنسبة لهم، بيد أن رأيي أنه ليس هناك سوى قدر ضئيل من الحرية التي يمكن التمتع بها، عندما يكون 10 في المئة من الأميركيين يعانون البطالة، وملايين غيرهم يئنون تحت وطأة أقساط المدارس والكليات، وديون الرهن العقاري، والذين لا يجدون أمامهم من وسيلة سوى القبول بأي عمل بصرف النظر عن مهاراتهم وقدراتهم التي يتوافرون عليها، لأنه ليس هناك من عازل بينهم وبين الأسواق التي لا تشعر بمعاناتهم. وكثيراً ما أشاهد كيف تتدخل الحكومة الألمانية في أحيان كثيرة كي تساعد الأفراد على أن يساعدوا أنفسهم. فهناك العديد من برامج تعليم اللغة الإنجليزية الممولة من قبل الحكومة الألمانية، تُقَدم لهؤلاء الذين يريدون إتقان هذه اللغة. وفيما يتعلق بالأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت العالم خلال الآونة الأخيرة، قدمت الحكومة الألمانية دعماً حكومياً، وإعانات للشركات التي لم تلجأ إلى التخلص من العمالة الزائدة لديها، بل استثمرت أموالها في هذه العمالة من خلال برامج التدريب والتطوير الوظيفي. هذه البرامج والإجراءات وكثير غيرها، تساعد الحكومة الألمانية على تجنب، أو على الأقل التخفيف من أثر الأزمات بطرق يمكن التبنؤ بها مقدماً، وهو ما يؤدي لتأمين المواطنين، وتقديم المزيد من الاستقرار المطلوب بصورة ماسة للأسواق. وإذا ما قارنا ذلك بما يحدث في الولايات المتحدة، سنجد أن حكومتها تسعى جاهدة المرة تلو المرة للتفاعل مع الأحداث والأزمات وقت حدوثها، وهو ما يشكل بالطبع صعوبة هائلة بالنسبة لها، خصوصاً أن كثيرا من الأزمات التي تصيبها من النوع الذي يصعب التنبؤ به مستقبلاً. والنتيجة هي ما نراه من برامج إنقاذ للمؤسسات والشركات، وحزم إنقاذ عشوائية لا يأبه بها أحد، وتُترك الأسواق نهبا للتخمين. هنا نأتي إلى الخطأ الثاني الشائع لدى الأميركيين؛ وهو أنهم ينظرون إلى أوروبا على أنها قارة واحدة ذات شعب واحد، وليس على أنها قارة تضم عدداً من الشعوب التي قد تتشابه في بعض الأمور وتختلف في العديد من الأمور الأخرى. فبريطانيا مثلاً تختلف عن الدنمارك، والدنمارك تختلف عن فرنسا، وفرنسا تختلف عن ألمانيا. كما أن شعوب شرق أوروبا وجنوبها، على الرغم من أن عدد المنضمين منها للوحدة النقدية الأوروبية آخذ في التزايد، تختلف في العديد من النواحي عن شعوب شمال أوروبا وغربها. الفكرة الرئيسية السائدة لدى الألمان بشأن الحكومة هي أنها موجودة كي تضطلع بمسؤوليات معينة. هكذا تعمل الحكومة الألمانية الفيدرالية، وهكذا تعمل حكومة الولايات المختلفة التابعة للاتحاد الألماني. والسؤال الذي يطرحه الألمان بشأن الأداء الحكومي هو: ما هي الطريقة التي تعمل بها الحكومة وليس ما إذا كانت الحكومة تعمل أم لا. وغياب تفويض مماثل في الولايات المتحدة، شيء بات ملحوظاً بشكل كبير خصوصاً وأن الحكومات الأميركية السابقة والحالية قد شغلت نفسها كثيرا ببناء الأمم في حين أنها في مسيس الحاجة إلى تحقيق التوازن في الداخل في المقام الأول. في أميركا هناك حاجة لوجود نوع من الإجماع الجوهري بأن الحكومة لها دور محدد يتعين عليها أن تلعبه. وأميركا في هذا محتاجة إلى إطار، يمكن من خلاله أن تمارس وظيفتها بصفتها ممثلاً وحامياً للفرد، ضد تمدد السوق والقوى العولمية. وإلى أن تحقق أميركا ذلك سوف يظل الالتباس هو سيد الموقف، والعقبة الأساسية التي تحول دون العثور على الحلول المناسبة لمشكلاتها الآخذة في التفاقم. بيل جلوكروفت - برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©