الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الباصات المدرسية.. قطعة من العذاب اليومي

الباصات المدرسية.. قطعة من العذاب اليومي
26 أغسطس 2007 01:44
الذهاب إلى المدرسة في الباص، رحلة ممتعة مفعمة بالفرح والذكريات الجميلة مع الأصدقاء والزملاء إلى ''بيتنا الثاني''، هكذا يفترض أن تكون، لكن هذا يحدث في الخيال وفي المدارس الأوفر حظا أو ''قسطاً'' فقط، أما الواقع اليومي الذي تشهده أغلبية مدارس الدولة فيشير إلى أن هذه الرحلة لم تعد كذلك، بل لقد أصبحت، رحلة شاقة مليئة بالمتاعب والمخاطر في كثير من الأحيان، سواء بسبب الحر الشديد وعدم وجود التكييف في باصات ''عفا عليها الزمن'' وانتهت مدة صلاحيتها، أو بسبب إهمال بعض المدارس والإدارات أو عدم الالتزام بالشروط والقوانين الموضوعة لحفظ سلامة الطلاب وأمنهم والتي حددتها وزارة التربية والتعليم مسبقا· في باص المدرسة الحكومية يمكن أن يحدث أي شيء، فجوّ الباص'' نار الله الموقدة''، والنوافذ يجب أن تبقى مشرعة علها تأتي بنسمة هواء تنعش الأجواء وترطب جلد الطلبة الغارقين في بحر عرقهم، ومن هنا فلا عجب إذا رأيت رأس أحدهم يطل من النافذة، أو أولاداً يتعاركون داخل الباص!· مشاكل بالجملة المواطن خالد صالح لديه ثلاثة أبناء يدرسون في المدارس الحكومية ويذهبون إليها بالباص المدرسي، وحسب تجربته وتجربة أبنائه مع هذا الباص يرى أن المشكلة الرئيسة التي يعاني منها أطفاله هي عدم وجود التكييف في هذه الباصات، فالأولاد يصلون البيت منهكين متعبين جراء اللّف في شوارع المدينة في جو حارّ لا يحتمله الكبار فما بالك بالأطفال، كما أن عدم وجود مشرف في الباص لمراقبة سلوك الطلاب وضبطهم يؤدي إلى حدوث الكثير من المشاكل ويجعل الرحلة المدرسية غير آمنة في كثير من الأحيان· وهذا ما تؤكده أم محمد، التي تروي معاناة أبنائها في باص المدرسة الحكومي بقولها: ''6 سنوات مضت، وفي كل عام يستحلفني أولادي بأن أجد لهم وسيلة أخرى للذهاب إلى المدرسة غير الباص الذي يفتقد الكثير من وسائل الأمن والراحة بالنسبة للأولاد، ففي هذا الباص الذي يخلو من مراقب أو مشرف يتعرض كثير من الأولاد لاسيما الأصغر سناً، ومن بينهم ابني، للضرب على أيدي الكبار، كما أن عدم وجود مكيفات في الباص تجعل الأولاد يصلون منازلهم ورؤوسهم تغلي من الحرّ مما يجعلهم لا يرغبون في شيء سوى الاستحمام ثم النوم والراحة''· وتقول سحر سيد، طالبة في الثانوية بإحدى المدارس الحكومية، إنها تفضل الذهاب مع والدها بالسيارة ولكن هذا صعب بسبب اختلاف مواعيد عمله، وهكذا فهي مضطرة للذهاب بالباص المدرسي الذي يفتقد التكييف، بالإضافة إلى أنه قديم جدا ومعظم مقاعده مكسورة، وبسبب توصيله للطلاب كلّ في منطقته فهي تصل إلي بيتها مرهقة ومنهكة· أما حسين السريحي، 12 عاما، وهو طالب في مدرسة حكومية، فيسرد قصة معاناته في الباص المدرسي التي تتكرر كل عام، بأنها ''نفس الرحلة·· باص قديم، مقاعده ممزقة، يخلو من التكييف في أحرّ الأجواء، بالإضافة إلى مشاكل الأولاد والتي تشمل الضرب والتراشق بالماء أو المشروبات الغازية والعصير، كما يمكن أن تتطور لقذف أحد الزملاء من نافذة الباص، كل هذا يحدث بدون وجود مرافق أو مراقب، في حين أن السائق لا يستطيع أن يسيطر على الأمور''· مشاكل الخاصة وإذا كانت أوضاع الباصات في المدارس الحكومية تبدو متوافقة مع أقساطها المتواضعة، كما يبرر البعض، إلا أنها ليست كذلك في كثير من المدارس الخاصة ذات الأقساط المرتفعة، فحتى هنا لا تبدو خدمة توصيل الطلاب منسجمة مع المبالغ الباهظة التي يدفعها الآباء لقاء توصيل أبنائهم من وإلى المنزل بأمان! تقول المواطنة أم علي، لديها ثلاثة أولاد في المدارس الخاصة، إنها كانت ترسل أبناءها بالباص في الأعوام السابقة، ولكن الأبناء صاروا يشتكون من التأخير أثناء العودة لأن الباص يلفّ بهم في أرجاء المدينة حوالي ساعة كاملة أثناء توصيل بقية الطلاب، وهكذا فهم يصلون إلى المنزل منهكين متعبين· وبحسبة بسيطة، وجدت أم علي أن السائق الخاص يكلفها أقل من باص المدرسة، ''فتكلفة الباص على الطالب تبلغ 3 آلاف درهم أي 9 آلاف درهم في السنة للثلاثة، ولذلك فضلنا أن نعين سائقا خاصا لتوصيل الأولاد، وهكذا ارتاح الأبناء من رحلة المعاناة ووفرنا على أنفسنا تكاليف الباص في نفس الوقت''· وترى هدى علي، معلمة في إحدى المدارس الخاصة، إن أهم الشروط التي يجب أن تتوفر في الباص المدرسي هي النظام والالتزام بالموعد وبتعليمات المرور والسرعة المحددة· من جهة أخرى يجب التقيّد بتعليمات الأمان من حيث إقفال النوافذ وعدم فتحها من قبل الطلاب، وكذلك بالنسبة للباب، وكلّ هذا لا يتحقق إلا بوجود مراقب أو مشرف في الباص يتم تعيينه من قبل الإدارة خصيصا لمرافقة الطلاب خلال الرحلة وتوصيلهم لذويهم بسلام· لكن الشروط التي تتحدث عنها المعلّمة ليست متوفرة في غالبية المدارس الخاصة، كما تبين من لقاءاتنا العشوائية مع الناس، حيث تقول أم أحمد: ''لقد وضعت ابنتي في إحدى أفضل المدارس الخاصة ولكنها كانت تأتي إلى البيت بباص قديم لا يوجد به تكييف، والأسوأ من ذلك أنه كان يتعطل كل يومين على الطريق ويجلس الأولاد بداخله في انتظار باص آخر يقلهم إلى بيوتهم''· ضرب وشغب تقول الطفلة سلمى سيّد، 12 عاما، وتدرس في إحدى المدارس الخاصة، إنها تكره الذهاب في الباص المدرسي، بسبب كثرة الأولاد والزحمة الموجودة فيه، فضلاً عن أن الأولاد كثيراً ما يتعاركون، نظرا لعدم وجود مشرف أو مرافق، وأحيانا يدخنون في الباص دون علم السائق! وتروي لنا فاطمة محمد ما حدث مع ابنتها في إحدى المدارس الخاصة العام الماضي، حيث كان الباص يخلو من وجود مشرف على الطلاب، وفي أحد الأيام فتحت طالبة النافذة وأطلت برأسها فعاكسها أحد المارة ولما شتمته قام بإلقاء سيجارة مشتعلة داخل الباص، وكادت تحدث كارثة لولا تدخل السائق، وبعد أن تقدم أهالي الطلاب بالشكوى وفتح تحقيق بالحادث اضطرت الإدارة لوضع مشرف دائم في الباص للحفاظ على سلامة الطلاب· لكن ما حدث مع ربى فراس في الباص كان على مرأى المشرفة التي لم تستطع فعل شيء، تقول ربى، 8 سنوات، إنها تكره الباص المدرسي، الذي تكثر فيه حوادث الضرب، ففي العام الماضي ظلت تتعرض للضرب من أحد الاولاد لمدة فصل كامل، وعندما اشتكى الأهل توقف الولد عن ضربها، ولكنها بعد فترة بسيطة تعرضت لحادث فظيع حيث قامت إحدى الفتيات بدفعها من الباص أثناء مسيره، فسقطت في الشارع مما أدى إلى إصابتها بجروح ورضوض، كل هذا حدث أمام مرأى المشرفة التي لم تستطع أن تفعل شيئا· شروط غائبة وحول الشروط التي يجب أن تتوافر في الباص المدرسي يقول إسماعيل محمد، مدير المدارس العربية والأجنبية في وزارة التربية والتعليم: ''من أهم الشروط أن يوجد مشرف يضبط ويراقب عملية صعود الأطفال ونزولهم من وإلى الباص، وتسليم الطلاب إلى ذويهم· وإذا لم يتم توفير هذا الشرط فإنه يتم مساءلة المدرسة وتوجيه إنذارات لها، كذلك يجب أن تكون الحافلة مكيّفة، ونحن كوزارة نحث المدارس على توفير هذه الشروط من خلال المنطقة التعليمية وإذا استلمنا شكاوى بهذا الصدد نقوم بحلّها من خلال المناطق التعليمية، ولكن عموما نجد أن الشكاوى حول الباصات في نقصان مستمر لأن المدارس أصبح لديها وعي وإدراك وكذلك بسبب المنافسة بين المدارس التي تضطر لتعديل أوضاعها وتلبية احتياجات الطلاب بشكل كامل· من جانبه يقول خالد فضل، مدير العلاقات العامة في ''مواصلات الإمارات'': ''إن السبب في وجود باصات قديمة في مدارس الحكومة هو أن العقد بين وزارة التربية والتعليم ومواصلات الإمارات أبرم منذ عام ،1986 ومنذ ذلك الحين لم يتغير ولم تتغير الميزانية، رغم زيادة عدد المدارس الحكومية وزيادة عدد الطلاب وزيادة عدد الحافلات، مع ذلك، بدأت مواصلات الإمارات في إستبدال الحافلات القديمة بأخرى جديدة مكيّفة ولكن بصورة تدريجية، حيث تم تغيير باصات المراحل الابتدائية والإعدادية وحاليا يجري العمل على تغيير باصات المرحلة الثانوية والتي ستنتهي مع نهاية العام الحالي· أما بالنسبة لما يحصل داخل الحافلة المدرسية من شغب أو مشاكل فنحن لسنا مسؤولين عنه، ونرحب بوجود مشرفين أو مراقبين داخل الباص المدرسي لضبط الأمور وتحقيق الأمن في الحافلة، وقد أثيرت هذه المسألة مع الوزارة من قبل وتم تشكيل فريق عمل لدراسة الممارسات التي تحدث داخل الباص المدرسي ولكن لم يتم حسمها لأنها تحتاج إلى ميزانية خاصة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©