الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

يشهد الغرب انهياراً للبنيات المؤسسية الكبرى

يشهد الغرب انهياراً للبنيات المؤسسية الكبرى
26 أغسطس 2007 03:44
أصدر المعهد الجامعي للبحث العلمي في المغرب، ضمن سلسلة''الترجمات'': الترجمة العربية الأولى لكتاب من أهم كتب المفكر وعالم الاجتماع الفرنسي ميشيل مافيزولي، صاحب مؤلفات جادة تقف إلى جانب أعمال كبار مفكري وفلاسفة فرنسا أمثال فوكو وديريدا ورجيس دوبري وسارتر وكامو وغير هؤلاء· وقد عرف ميشيل مافيزولي بأعماله الرائدة وأهمها: منطق السيطرة، العنف الكلياني، فتوحات الحاضر: سوسيولوجيا الحياة اليومية، ظل ديونيزوس: مساهمة في سوسيولوجيا المجون، أبحاث في العنف المبتذل والمؤسس، المعرفة العادية: المجمل في السوسيولوجيا الإدراكية، زمن القبائل، اندحار الفردانية في المجتمع الجماهيري، حصة الشيطان· أما الكتاب الذي نتناوله هنا والموسوم بـ ''تأمُّل العالم''، والذي صدر في طبعته الأولى سنة 3991 عن ''دار غراسي'' الفرنسية العريقة، والذي قام بترجمته فريد الزاهي الذي سبق له أن نقل إلى العربية أعمالا معروفة لجوليا كريستيفا، وجاك ديريدا، ورجيس دوبري، وعبد الكبير الخطيبي، وغيرهم· جاء هذا الكتاب في ثلاثة أقسام، حمل قسمه الأول عنوان: رسالة في الأسلوب، وحمل القسم الثاني عنوان: العالم التخيلي، أما القسم الثالث فقد جاء بعنوان: المثال الجمعاني· وهو يشكل بمعنى ما، ومن منظور الصورة والجسد الاجتماعي، مدخلاً فعلياً لمؤلفات مافيزولي ولأطروحاته· وهو يثير الانتباه إلى قضايا ظلَّت غير مفكَّر فيها، أو على الأقل مهمشة في محيطنا الثقافي العربي، الذي لا يزال تفكيره يركز على اللغوي، والبنيوي والمؤسساتي، راميا بالجزئي والمتخيل والجسدي في خارج مطلق كما أنه من ناحية أخرى يفكك، على طريقة هوسرل وهايدغر وإن في مجال اجتماعي محسوس، مفهومي العقل والعقلانية في طابعهما الهيمني وفي ما يكبتانه في الجسد الاجتماعي· ويقوم مافيزولي، براديكالية مواقفه، من إثارة النقاش في قضايا لا تزال تعتبر من اليقينيات لدينا بل في المجمعات الغربية أيضا· إن درس مافيزولي يتلخص في ما يلي: يحق للرمزي والمتخيل والعادي واليومي والجسدي، أي كل ما نفته السوسيولوجيا التقليدية والوضعية في مملكتها العاجية، أن يكون موضوعاً للفكر والتحليل والمقاربة في المجتمع، لا فقط في الأدب والشعر، وعلى النص السوسيولوجي أن يمتح مصادره الأساس أيضاً من الأدب والشعر والتصوُّف كما من الأنثروبولوجيا الثقافية والفلسفة، أي من كل ظل يعتبر نصا''غير علمي'' وموضوعا أثيرا لمباحث أخرى· يقول الزاهي: ان القارىء العربي يجد نفسه في هذا الكتاب أمام نصوص أقرب إليه من نصوص أوغست كونت السوسيولوجية التقليدية· نصوص تعلي من شأن ما يشكل لحمة المجتمعات العربية والتقليدية من أواصر وعلاقات جمعية· والحقيقة أن ما قد يبدو نقطة ضعف في كتابات آخرين غيره، هو أنهم لا يدخلون دراسة المجتمعات العربية والشرقية عموماً في تحاليلهم· وهو الأمر الذي انتبه إليه مافيزولي في السنوات الأخيرة فانكب، كما صرَّح بذلك لجريدة ''لوموند'' الفرنسية على دراسة الأديان الشرقية، مما قد يشكل منفتحاً جديداً لرؤيته الشاملة لمآل التشكلات الاجتماعية الجديدة· ولا يخفى أن الترجمة العربية، بما هي مصير جديد للكتاب ولمدى مقروئية مؤلفه، من شأنها أن تفتح نظر الكاتب والمفكِّر على عوالم جديدة قد لا تكون كتاباته قد ارتادتها من قبل، وباتجاه قراء جدد لهم وضعيات خصوصية تتطلب تأويل نظرية وفكرية جديدة· إن كتابات مافيزولي ـ يقول الزاهي ـ تفند سيطرة الاقتصادي، وتمنح للصورة موقعاً جديداً في اللحمة الاجتماعية، وتعلي من قيمة الشكل والمظهر والجمالي، وهنا تكمن جاذبيتها وقوتها· يعتبر مافيزولي أن الغرب يشهد منذ ثمانينيات القرن الماضي انهيارا متواترا للبنيات المؤسسية الكبرى التي كانت تمنح معنى للمجتمع· فقد انتهى الغرب إلى ضرب من الإشباع في مجال الظواهر التجريدية والقيم الكبرى والآليات الاقتصادية والإيديولوجية· بالمقابل ثمة انبثاق للكيفي واللهوي، وتجذُّر الصورة، وثورة في مجال التواصل· وبدأت الجماهير تركز وتتمركز حول اليومي والحاضر والأنشطة التي لا غائية لها· ثمة إذن نزعة حيوية بدأت تغزو المجتمعات الغربية وتستعيد من خلالها شعائر جمعانية تعلن عن منعطف جديد· هذا ما يسميه المؤلف مجازا بـ ''القبلية''، التي تعتمد على تناظمات جديدة أساسها العواطف والإحساسات، وهمها بلوغ مثال جديد لا ينبني على المنفعة الاقتصادية وإنما على المتعة الجماعية· كما أن الرابطة الاجتماعية تنهض فيها على اندحار الفردانية التي سادت مرحلة الحداثة لتؤسس مفهوماً جديداً للعيش الجماعي· يمكننا من وجهة نظر فلسفية محضه، أن نرجع بمفاهيم مافيزولي إلى الظاهراتية (الفينومينولوجيا)، سواء لدى هوسرل أو هيدغر، وإلى فلسفة الذاتية والمتخيَّل التي تطوَّرت في هوامشها لدى ''مين دو بيران'' ومن تلوه، غير أن هذه المرجعيات تندرج في إطار إبستمولوجي عام يمكن أن نجد علله في تحلل البنيات الحداثية في المجتمعات الغربية وخاصة بعد ماي 8691 في فرنسا وما تلا ذلك من هزات فكرية أنجبت توجهات جديدة لم تكن في غالبا ذات أسس نظرية وفكرية وجيهة
المصدر: المغرب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©