الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا الساركوزية ... مرتاحة ومتصالحة مع العالم !

فرنسا الساركوزية ... مرتاحة ومتصالحة مع العالم !
26 أغسطس 2007 03:58
يشبِّه البعض الرئيسَ الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي الذي لا يستطيع أن يظل بدون حركة، بنابوليون بونابرت· وإذا تحاشينا تخيل مشهد غزو ساركوزي لمصر وتراجعه من موسكو، فسنقف على جوهر الحقيقة في هذه المقارنة: رغبته في القضاء على النظام القديم· فقد كانت الجمهورية الخامسة في فرنسا، والتي أسسها شارل ديغول عام ،1958 تعتبر دائماً من أكثر الديمقراطيات ملكية؛ حيث كان الهدف منها هو السماح لبطل قومي بتخليص فرنسا من مشكلتها في الجزائر· وكانت متشبعة بشيء من رأي لويس الرابع عشر الذي كان يقول: ''أنا الدولة''· بيد أن ساركوزي كثيراً ما كان يشير صراحة أو ضمناً إلى أنه ضاق ذرعاً بهذه الرئاسة الملكية، بل ذهب إلى حد تشبيه سلفه، جاك شيراك، ذات مرة بملك فرنسي منعزل عشية الثورة· ومنذ وصوله قصر الإليزيه في مايو الماضي، لم يتوان ساركوزي عن تجاهل التقاليد، والعدول عن انزواء مؤسسة الرئاسة، والتطرق للتابوهات· والواقع أنه سرعان ما أتى هذا الأداء الذي يذكِّر بتوني بلير النشط والحيوي أثناء ولايته الأولى، بالنتائج المطلوبة؛ وضِمنَها أشكال جديدة من المراقبة البرلمانية للرئاسة، واتفاق طرفي الطيف السياسي على إدخال بعض الاشتراكيين، مثل وزير الخارجية برنارد كوشنر، في الحكومة· وعلاوة على ذلك، فقد أعاد ساركوزي رسم ملامح الأسلوب الرئاسي حين أقدم على أمر لم يكن من الممكن التفكير فيه من قبل؛ أي قضاء الإجازة في ''وولفبورو'' بولاية نيوهامبشر الأميركية إلى جانب المليونيرات والأثرياء· وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المال ليس من الأمور التي يستحب إظهارها في فرنسا؛ فذاك أسلوب الأميركيين السوقيين! وتقريباً للصورة من الأذهان وفهم هول الأمر، لنتخيل الرئيس بوش يغادر تكساس ثلاثة أسابيع ليقيم في شبه جزيرة ''سانت جون كاب فيرات'' على الساحل المتوسطي لفرنسا! ظهر بوش في منزل العائلة في كينيبانكبورت بولاية مين الأميركية للقاء ساركوزي· غير أن الصورة لم تكن مكتملة نظراً لغياب السيدة الفرنسية الأولى ذات المزاج المتقلب سيسيليا (قيل إن المانع هو المرض، غير أن كثيرين يرون أن خلافاً هو السبب)· ومع ذلك، فإن حضور والد بوش أشَّر إلى رغبة في دفن الخلاف بشأن حرب العراق والعودة إلى العصر الذهبي لـ''أوروبا واحدة وحرة'' التي كان يرددها الرئيس الأسبق· الواقع أن العلاقة بين فرنسا والولايات المتحدة كانت دائماً علاقة معقدة؛ واللافت أنه نادراً مَّا كان بلدان عنيدان يعارض أحدهما الآخر حليفين في الوقت نفسه· ذلك أن الطموحات الكونية للدولتين -وكذلك تعطشهما إلى تجسيد ونشر القيم النبيلة للبشرية- تؤدي إلى توتير العلاقة بينهما في أفضل الأحوال· وعندما تتدهور الأمور بينهما، مثلما حدث بخصوص العراق، فإن النتيجة تكون ''بطاطس الحرية المقلية''، بدلاً من ''البطاطس الفرنسية المقلية''، وأشكالاً أخرى أقل تفاهة من عبارات التشنيع والذم· وعلى كل حال، فإن عودة الدفء إلى علاقات البلدين، تمثل أخباراً سارة لمن يعتقد مثلي أنه عندما تسوء العلاقات بين ضفتي الأطلسي، فإن استقرار العالم يصبح أكثر هشاشة وضعفاً· غير أنه لابد من وقفة عند بعض الأمور المثيرة للسخرية أثناء النزهة الودية بولاية مين؛ فمن جهة، لدينا رئيس فرنسي يبدو مصمماً وعاقداً العزم على جعل مكتبه خاضعاً لمحاسبة أكبر، وأكثر انفتاحاً، ومعجباً بالأسلوب الأميركي للفصل بين السلطات وتوازنها من أجل تحقيق ذلك· ومن جهة أخرى، لدينا رئيس أميركي مصمم، رفقة نائبه ديك تشيني، وباسم الحرب على الإرهاب، على وضع سلطة البيت الأبيض بعيداً قدر الإمكان عن رقابة الجهازين التشريعي والقضائي· واللافت أنه إذا كان المؤرخ الراحل آرثر شليزينجر جونيور قد وجد في كتابه الصادر عام 1973 تحت عنوان ''الرئاسة الامبريالية''، أن الرئيس نيكسون هو الرجل الشرير، فإنه رأى أن بوش ذهب أبعد من نيكسون سعياً وراء ''ديمقراطية قيصرية''· وكان شليزينجر ينتقد إشارات نيكسون المتكررة إلى ''الأمن القومي'' خدمة لجميع الأغراض، وتشديده على سرية الجهاز التنفيذي، وسعيه لإخفاء المعلومات عن الكونجرس، ومحاولة تهديد الصحافة· ألا يبدو ذلك مألوفاً الآن؟ الواقع أن فترة بوش الرئاسية أبدت استخفافاً بالطرق القانونية، ووضعت ''المحاربين الأعداء غير القانونيين'' في معتقل غير مقبول، وأقالت مدعين عامين فدراليين مختلفين معها سياسياً، واخـــــترعت تعريفاً غريباً خالــــياً من المراقبة لمنصب نـــائب الرئــــيس، ولجأت إلى التنـــــصت بدون إذن قضــــائي، وتعامــلت بــازدراء مع الـــــدور الــــذي يكفله الدستور للكونجرس· سيقول بوش إن ذلك هو ثمن الحفاظ على أمن وسلامة الولايات المتحدة؛ غير أن الثمن الحقيقي كان هو الإساءة لصورة البلد، وما نتج عن ذلك من تراجع لقدرته على إقناع بلدان أخرى بآرائه وأهدافه· إن عزلة الولايات المتحدة في العراق كانت كارثية· وهو ما يجرنا للحديث مرة أخرى عن الطموحات الكونية· ففرنسا في عهدها الحالي تبدو مرتاحة أكثر مع العالم، منسجمة مع العولمة، وجذابة لأنها أقرب من العالم· وبالمقابل، فقد تراجعت جاذبية الولايات المتحدة في عهد بوش في وقت كان فيه قائدها الأعلى منكباً على بناء قلعة لسلطاته التنفيذية· وعلى الرئيس الأميركي المقبل ستقع المهمة الجسيمة المتمثلة في إصلاح مكانة الولايات المتحدة في العالم· كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''نيويورك تايمز''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©