الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لماذا أخفق العرب في تحديث وعيهم الفكري؟

لماذا أخفق العرب في تحديث وعيهم الفكري؟
22 مارس 2008 02:25
ما زال الإخفاق يلاحق العرب في أكثر من مكان، وفي غير جهة، وفي هذا الخضم يجتهد المفكرون العرب في التوصّل إلى مقاربات من شأنها تقديم حلول ما لكنها تبقى حلولاً غير نافعة· وفي هذا السياق يرى المفكِّر الأردني هشام غصيب أن مقاربات العرب الفكرية والفلسفية أخفقت في أن تتحوَّل إلى حركات سياسية، وهذا أحد الأعطال التي يعاني منها الحراك الفكري العربي في القرن العشرين، ويرجعها غصيب إلى هزائم القوميين واليساريين العرب، بل يعتقد أن العرب أخفقوا في مجابهة التحديات الحضارية والفكرية، ومن جهة ينظر في ثقافتنا الراهنة فيصفها بأنها ثقافة الكذب والإذلال· وبمناسبة صدور الأعمال الكاملة للدكتور هشام أجرينا معه هذا الحوار في دارته بالعاصمة الأردنية عمّان· ؟ شهد الربع الأخير في القرن العشرين صعود مقاربات فلسفية عربية حاولت البحث في الصيغ الممكنة لإنتاج فكر عربيّ، فهل تمكنت هذه المقاربات من تحقيق طموحها؟· ؟؟ لابدَّ من التذكير أنّ هذه المقاربات قد جاءت على خلفية أزمة الحركات السياسية والاجتماعية العربية التي سادت نصف القرن العشرين الثاني، خصوصا القومية واليسارية، ولذلك اتسمت هذه المقاربات بمحاولاتها نقد الذات ومراجعة مسيرة الفكر العربي من جهة، ومحاولة التصالح مع التراث العربي الإسلاميّ؛ حيث أدرك أصحاب هذه المقاربات أنّ إغفال هذا التراث واستبعاده له أثر سلبيٌّ كبير على الفكر العربيّ· لكنها أخفقت في أنْ تتحول إلى حركات سياسية فاعلة في الشارع العربي لأسباب تتعدّاها، ورأينا الهوّة بين شريحة المثقفين والشارع العربي تزداد اتساعا، الأمر الذي مكَّن القوى التقليدية من السيطرة كليَّا على هذا الشارع· أما الأسباب الموضوعية لهذا الإخفاق فهي الأسباب الرئيسية المتعلقة بسلسلة الهزائم التي مُنيت بها الحركات القومية واليسارية ليس فقط في العالم العربي ولكن في العالم برمَّته، الأمر الذي خلق فراغا كبيرا ملأته القوى التقليدية وبخاصة في العالم العربيّ· ؟ ما الأسباب التي أدّت إلى صعود القوى التقليدية ونجاحها في ملء الفراغ الذي خلَّفه رحيل القوى التقدمية؟· ؟؟ هناك سبب جوهري يرتبط بقضية أساسية هي أنّ العالم العربي لم يحسم مشكله الثقافيّ بعكس ما حصل في الصين والهند وأميركا اللاتينية، وبقاء هذا المشكل يُعطِّل حركة التقدم العربية، في حين أن الصين والهند خطتا مراحل كبيرة في سبيل حلّه· أما أميركا اللاتينية التي تصطبغ ثقافتها بالصبغة الأوربية فقد وجدت لمشكلها الثقافي حلا في أوروبا نفسها، أما نحن فلم نبذل جهدا كافيا لحلِّ مشكلنا الثقافي· ؟ ماذا تعني بالمشكل الثقافيّ؟· ؟؟ لدينا في الوطن العربي ثقافة عريقة تمتدّ آلاف السنين في الماضي، وقد ظلت هذه الثقافة مهيمنة عالميّا حتى القرن السادس عشر الميلادي، ثم تكلَّست وتصلبت واختزلت إلى مجرد قيود على العقل والفعل، وهو ما أسماه محمد أركون بـ ''السياج الدوغمائي المغلق''· وفي تلك الأثناء انتقلت شعلة الثقافة العالمية من منطقتنا إلى الشمال والغرب، وتطورت الثقافة العالمية هناك بسرعة غير مسبوقة، وبقينا نحن أسرى الانحطاط الحضاريّ الذي مُنينا به· وقد أصابت هذه الآفة أمما أخرى لكنّ تلك الأمم استطاعت بعد معاناة أنْ تجابه هذه الحضارة الجديدة لا نهائية الطابع بكل جرأة وصدق، الأمر الذي مكّنها من تحديث وعيها والدخول بزخم في التاريخ الحديث، أما نحن فقد عجزنا عن المجابهة مع هذا التحدي الحضاري الكبير وظللنا نحوم حوله كما كان يفعل الهنود الحمر مع الرجل الأبيض· والأنكى من ذلك أننا ابتكرنا أحبولات متنوعة لحجب نار هذا التحدي عن بصيرتنا· وكانت النتيجة أننا أخفقنا في تحديث وعينا الاجتماعيّ، الأمر الذي مكَّن أعداءنا من هزيمتنا مرارا وتكرارا· هذا ما أعنيه بالمشكل الثقافي، وعلينا ألا ننسى أنّ عظمة تراثنا الممتد آلاف السنين أصبحت عائقًا بدلا من أنْ يكون التراث رافدا في عملية التطور الحضاري· ؟ الناظر في أسئلة الفكر العربي الراهن في مطلع القرن الحادي والعشرين يرى أنّ هناك ترقّبًا معرفيًّا· بماذا يفسِّر الأمر؟· ؟؟ هناك صمت فكري وثقافي في مطلع القرن، وكما قلت هو نوع من الترقّب· وهذا الصمت يعبر عن شعور بأنّ القوى التقليدية التي سيطرت وصلت إلى طريق مسدودة، وما عادت تقدم شيئا· ومع ذلك لم يتبلور بديل تحرري ولم تفلح القوى السياسية والتحررية العربية في تجديد تراث التنوير والتحرر العربيين، وأعتقد أنّ الخروج من هذا المأزق والصمت يستلزم جهدا حقيقيا وجديا في الاستيعاب النقدي لمسيرة الفكر الغربي وفي تجديد تراث التنوير العربي· ؟ لماذا مسيرة الفكر الغربيّ، وهل تعتقد أنّ الغربَ نجح في صناعة منظومة فكرية ظافرة يمكن الاقتداء بها وتمثّلها؟· ؟؟ ينبغي الإقرار بأنّ الغرب الحديث هو الذي صنع العصر والحقبة الحديثة برمتها على جميع الصُّعد بما في ذلك الثقافة والفكر، وهو الذي هيمن عالميا في القرون الثلاثة الأخيرة على الأقل ولم تكن هيمنته صدفة تاريخية، إذ مثَّل صعود الغرب الحديث تجربة تاريخية جديدة من نوعها تتسم بالتزاوج العضوي بين الفكر والعلم والإنتاج· ؟ بعد تراجع المشروع القومي العربي وسقوط الدولة القطرية وصعود الأصوليات التي باتت تشكل تهديدا شاملا للمجتمعات من حيث طرحها الشموليّ· كيف ينظر هشام غصيب لتناحر المرجعيات؟ وما الحل؟· ؟؟ هناك هالة مريعة في الوطن العربي، حيث نشهد اليوم أزمة أخلاقية عميقة في جميع الصُّعد تتمثل في سلوك الأنظمة والأحزاب والأفراد السياسي· إنّ الثقافة الرائجة هي ثقافة الكذب والإذلال، والمواطن العربي يقبع بين سندان الأنظمة البوليسية اللاعقلانية المغلقة ومطرقة الأصوليات التي لا تحمل شرعية ولا مشروعا· فلا عجب أنْ لاذ المثقف العربي بالمؤسسات الأكاديمية والتربوية واستقال من دوره السياسي والاجتماعي· ؟ كلامك يستبطن نقدا للأحزاب العربية ومثقفيها؟ ؟؟ مشكلة أحزابنا أنها لا تنطلق من أرضية نظرية صلبة ولا تأخذ المسائل على محمل الجد بل تحركها اعتبارات براغماتية وغرائز سياسية وليس الأفكار· كما أنها تشكو من نزعة انتهازية وعصبوية ضيقة، دليل ذلك أن الأحزاب عجزت عن خلق مثقفيها العضويين؛ لأنها تخلو من الروح النقدية والديمقراطية، لا بل إنها تمنع بروز الروح النقدية والديمقراطية لدى كوادرها لذلك فإنها تلحق بسهولة بالنظام السائد· ؟ يبدو أنّ المجتمعات العربية لم تحسم موضوع هويتها الحضارية، وهو مأزق تاريخي، لهذا تبدو عاجزة عن التفاعل مع الآخر· برأيك ما الحلول الممكنة في معالجة هذه القضية؟ ؟؟ إنني لا أنطلق من مشكلة الهوية في الوطن العربي، وإنما من واقع الشعب العربي التاريخي، إنّ الوطن العربي يعاني تبعية بنيوية للمراكز الرأسمالية الكبرى، ومن تجزئة لا عقلانية، ومن تخلف كثير من أُطره العامة، ومن تبعات ذلك كله من تفشي الأمية والبطالة والفساد وسوء الخدمات والضياع الثقافي وتدني مستوى المعيشة· هذا هو واقعنا وأي نظرة سريعة لإحصائيات هيئة الأمم العالمية يشير بجلاء إلى أننا نحتلّ قاع السُّلم على كل صعيد· هذا واقع مرير علينا ألا نقبل به، وإنْ نسعى إلى تغييره صوب الوحدة والتحرر والرفاه الاجتماعي والاقتصادي· وهنا تبرز مسألة الهوية؛ إننا نعيش ''فوضى هوية''، ولكن علينا أنْ نسأل أنفسنا ما الهوية التي نحتاجها في عملية تحررنا؟ وأعتقد أنّ الهوية التنموية التحررية التي نحتاجها هي الهوية العربية الجامعة التي تتخطّى الأشكال التاريخية ما قبل الحديثة؛ كالطائفة، والقبيلة، والعصابة، والجهوية، والإثنية الضيقة· ؟ النظام الرسميّ العربي يُصر على الإبقاء على ثقافة الهزيمة منذ سنة ،1967 ويرفض الإقرار بثقافة المقاومة التي لا يتورع عن ملاحقتها وخنقها ووأدها وإدانتها· السؤال هنا: ما العنوان الذي يمكن أن يعيد للإنسان العربي يقينه وثقته بنفسه؟· ؟؟ إنّ المسألة طبقية في جوهرها؛ فالطُّغم الطبقية المسيطرة من مصلحتها ترويج ثقافة الهزيمة وغرسها في المجتمع العربي من أجل إدامة وجودها وسيطرتها رغم لا عقلانية وجودها، إنّ هذه العملية هي جزء من من العنف البوليسي الذي تمارسه هذه الأنظمة ضد المواطن العربي، وهي تلجأ إلى الأساليب الممنهجة من أجل تسفيه ثقافة المقاومة وبيان استحالتها ولا جدواها· وقد رأينا ذلك يمارس بجلاء في مطلع تسعينيات القرن الماضي من جانب فرسان التسوية مع العدو الصهيونيّ ونراه اليوم يُمارس من جانب الموالاة في لبنان رغم الانتصار الساحق الذي أحرزته المقاومة ضد العدو الصهيوني في حرب تموز ·2006 وبالمقابل فإنّ من مصلحة الجماهير الشعبية العربية أنْ تجابه هذه الثقافة الاستسلامية وأن تبني ثقافة المقاومة· لكنّ ذلك لا يأتي تلقائيا وإنما يحتاج إلى صراع طبقي ثقافي تقوده طلائع حركة التحرر القومي العربية· ؟ ما الإحساس الذي ينتابك بعد صدور أعمالك الكاملة؟ ؟؟ عندما بدأت مسيرتي الفكرية كان طموحي أكبر بكثير مما حققته؛ لقد كان طموحا لا نهائيا أردت منه تحقيق إنجازات كبرى في حقول الفيزياء والفلسفة والأدب· لقد سعى هذا الطموح إلى أن يكون لي دور أكبر في خدمة العالم· ومن ثمّ فإنني لا أشعر بالرضا عن مسيرتي، بل أشعر بالضيق، إلا أنني لم أحقق الكثير مما كنت أتمنى أنْ أحققه·
المصدر: عمّان
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©