الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إجلاء حمص القديمة بين الترحيب والحذر

إجلاء حمص القديمة بين الترحيب والحذر
13 فبراير 2014 00:44
رغم إشادة المجتمع الدولي بالاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة لفك الحصار على مدينة حمص القديمة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وإجلاء الأهالي المحاصرين منذ شهور طويلة، ما زالت خطة الإغاثة الإنسانية تلك بعيدة عن توافق جميع الأطراف السورية، بل تعرضت لانتقادات لاذعة من قبل الموالين للنظام الذين اعتبروها مكافئة غير مستحقة للمعارضة. فجهود الإغاثة التي كللت بإجلاء السكان وإدخال الغذاء والدواء أججت مشاعر الاستياء والغضب لدى مؤيدي النظام الذين تعاملوا مع الأمر وكأنه خيانة وتنازلاً لا يجوز لقوات المعارضة، أو «الإرهابيين» كما تطلق عليهم الحكومة بعدما ظلوا مختبئين في ما تبقى من المدينة القديمة لفترة طويلة. هذا الغضب عبرت عنه رحاب إسماعيل، التي تعيش في حي الزهراء القريب من مركز المدينة القديمة المدمر، قائلة: «يشبه الأمر تقديم الأكل والدواء للإرهابيين والإفراج عليهم بكل بساطة، والحقيقة أننا نحتاج المساعدة أكثر في هذا الحي، فلماذا الاهتمام والتركيز فقط على الذين حولوا حياتنا إلى جحيم؟»؛ وبموجب الاتفاق الذي وافق عليه النظام بضغط من روسيا، الحليف الرئيس لنظام بشار الأسد وبإشراف مباشر من فريق أممي في الميدان، تم إجلاء أكثر من 600 شخص كانوا محاصرين في المباني الواقعة وسط مدينة حمص القديمة خلال الأسبوع الماضي، وهي عملية ضمت 130 من الرجال في سن القتال، مصحوبين بعائلاتهم، وإنْ كان الاتفاق المبدئي حصر المسموح لهم بالمغادرة فقط في كبار السن والأطفال والنساء، فيما أصر النظام على مثول الرجال بين 16 و54 سنة أمام القضاء. ولم يخفِ بعض الجنود في قوات النظام خيبة أملهم عندما رأوا رجالاً من المحتمل أنهم رفعوا السلاح ضدهم يخرجون من المدينة القديمة تحت حماية أممية، والحقيقة أن احتمال تواجد عناصر من المعارضة بين الأشخاص المغادرين لحمص قد يعقد عملية الإغاثة ويعوق وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة والأهالي المتضررين، كما أن الأمر قد يؤجج مزيداً من الغضب والحساسية في صفوف الشرائح المؤيدة للنظام التي اعتبرت الاتفاق بمثابة خيانة. وليس هناك من مكان تتبدى فيه مشاعر الغضب والحنق أكثر من حي الزهراء، حيث تقطن غالبية علوية التي ينتمي إليها الرئيس الأسد وأركان حكمه، فهذه الطائفة التي تعد إحدى مكونات المجتمع السوري ظلت موالية بشدة للنظام، وهو ما يفسر الانتشار الكثيف لصور الأسد والأعلام السورية في كل مكان بالحي. وفيما اكتست الحرب في سوريا طابعاً طائفياً بعد دخول جماعات متشددة على الخط وانتشار تنظيم «القاعدة» في مناطق بشمال سوريا، بات العلويون ينظرون إلى الحرب، وكأنها صراع على الوجود، ولعل ما زاد من تفاقم المشاعر الغاضبة في حي الزهراء تعرض بعض أبنائه إلى الاختطاف، وأحياناً القتل، على يد الجماعات المتشددة المرتبطة بالقاعدة، وهي الاتهامات نفسها التي توجهها المعارضة للنظام وبعض التشكيلات شبه العسكرية التابعة له، حيث تحملها مسؤولية ارتكاب تجاوزات ومجازر ذات طابع مذهبي في بعض المناطق السورية واستهداف السنة على وجه خاص. ويتذكر أهالي الزهراء في الأيام والأسابيع التي تلت اندلاع الثورة تعرض الحي لقصف بقذائف الهاون من المدينة القديمة، وكيف أنهم اضطروا لالتزام بيوتهم خوفاً من القناصة الذين اعتلوا الأسطح وصاروا يستهدفون المارة، لكن المعارضة تقول إنهم كانوا يدافعون عن أنفسهم بعد تسلل عناصر مسلحة تابعة للنظام من الحي إلى مناطق المعارضة وارتكابها لمجازر. وفي جميع الأحوال انعكس الوضع العام في سوريا وما تميز بها مؤخراً من تقدم حققته قوات النظام في مناطق مختلفة من سوريا على مدينة حمص القديمة، فبعدما كانت الغلبة في البداية لعناصر المعارضة التي أخرجت الأمن والسلطة من المدينة القديمة، تمكنت قوات النظام في الشهور الأخيرة من دفع المعارضة إلى داخل حمص القديمة والتحصن في مبانيها، وقد تحولت أحياؤها العريقة التي حاصرها النظام إلى إحدى آخر المعاقل المتبقية في أيدي المعارضة. ولتشديد الخناق على المحاصرين منعت الحكومة دخول المواد الغذائية والدواء لأكثر من عشرين شهراً ليتسبب ذلك في أزمة إنسانية خانقة نبهت إليها المنظمات الدولية التي ارتفع صوتها مندداً بالحصار ومطالباً الحكومة برفعه لمرور المساعدات. ولم تخلُ عملية الإجلاء في حمص القديمة من مشاكل حتى بإشراف الأمم المتحدة، فقد أكد يعقوب الهيلو، منسق المساعدات الإنسانية التابع للأمم المتحدة بسوريا، مقتل ستة أشخاص كان يفترض إجلاؤهم من المدينة القديمة بسبب قذائف الهاون التي أطلقت من خارج المدينة القديمة، هذا الانتهاك المتكرر لاتفاق وقف إطلاق النار الذي وافق عليه الطرفان في سوريا واستمرار إطلاق قذائف الهاون على امتداد الأيام الثلاثة لإدخال المساعدات الإنسانية إلى دفع المسؤولين الأمميين إلى التفكير في تمديد فترة الإغاثة والجهود الإنسانية. وكانت المعارك الضارية التي شهدتها مدينة حمص قد أحالت وسطها القديم إلى ركام وأرض يباب، ومعها أحياء مجاورة لم تنجُ من الدمار مثل حي الخالدية الذي تحول إلى مدينة أشباح بعدما نزح عنه سكانه وتحول إلى خراب بعدما استبيحت المنازل ونهبت محتوياتها، وما إن تحل الساعة الثامنة مساء حتى يغشى حمص، التي تعد ثالث أكبر المدن السورية وإحدى القلاع الأساسية التي انطلقت منها الثورة السورية، هدوء قلق، حيث يمتنع سكانها عن الخروج بسبب انتشار القناصة وإطلاق الرصاص، ودخول جماعات مسلحة سواء من المحسوبة على النظام، أو المعارضة في معارك شرسة. ‎باتريك ماكدونيل حمص ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©