السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مسيحيو العراق.. وخذلان "التحالف"

مسيحيو العراق.. وخذلان "التحالف"
28 أغسطس 2007 05:11
كادت التفجيرات الأخيرة التي وقعت في المنطقة الكردية من العراق، تبيد قرى الإيزيديين من على وجه الأرض، بسبب إزهاقها لأرواح المئات من هذه المجموعة الهندية-الأوروبية الصغيرة المسالمة والعريقة· وإلى جانب كونها أكبر الهجمات العراقية المنفردة سفكاً لدماء المدنيين، فهي آخر التأكيدات أيضاً على تعرض الأقليات العراقية لخطر الانقراض الجدي· وفيما نذكر فقد اضطرت الجالية العراقية المزدهرة وقتئذ، إذ كان يبلغ تعدادها حوالي ثلث سكان العاصمة بغداد، إلى الهجرة في أعقاب حملة من التفجيرات وأعمال العنف التي استهدفت حياة أفرادها· وبالنتيجة فلم يبق من هذه الجالية سوى قلة من اليهود· وما لم تتحرك واشنطن بأسرع ما يمكن لحماية الأقليات هذه، فإن المصير نفسه يتهدد الآن حياة حوالي مليون من المسيحيين وغيرهم من الأقليات الأخرى· ومنشأ الخطر أنهم لا يقعون ضحية لتبادل النيران المستعر بين سُنة العراق وشيعته، وإنما يستهدفون مباشرة وتنظم ضدهم حملات تطهير عرقي منظمة من قبل كل من السُّنة والشيعة والأكراد على حد سواء· يذكر أن هذه الجريمة البشعة ضد الإنسانية قد مرت دون أن تلفت أنظار إدارة بوش ولا الكونجرس الأميركي· ولكون هذه الأقليات العراقية التي تضم فئات الآشوريين والأرمن والإيزيديين والكاثوليك الكلدانيين والمسيحيين البروتستانت والمانديين لا علاقة لها بدعم الإرهاب ولا تتمتع بأي سلطة سياسية في البلاد، إلى جانب افتقارها لأي من الحلفاء الإقليميين فقد أهملت وتم تجاهلها بكل بساطة· وفي المقابل فإنه ليست للولايات المتحدة أي سياسة لحمايتها أو إنقاذها في حال تعرضها للخطر· بل الأسوأ من ذلك أنها تبنت سياسات هناك لم تضع اعتباراً للفئات الأضعف والأكثر عرضة للخطر· وعندما شرعت ''الوكالة الأميركية للتنمية الدولية'' في التصدي لمشروعات إعادة الإعمار في العراق، فقد فعلت ذلك أن تضع حساباً لما إذا كانت السلطات الإقليمية المشاركة في هذه المشروعات قد حرمت الأقليات هذه من الفوائد التي ينبغي أن تعود بها هذه المشروعات لصالحها· وفي الوقت ذاته كانت السفارة الأميركية قد سعت إلى توظيف المترجمين الأكفاء والعمال المهرة، بتركيز أكبر في الاستقطاب على أفراد الأقليات العراقية هذه، دون أن تفكر في منحهم حق اللجوء السياسي في حال تعرض حياتهم للخطر· وفي سبيل كسب تأييد الشيعة لمطالب المسلمين السُّنة والأكراد المتعاظمة، اضطر المستشارون الدستوريون الأميركيون إلى القبول بسن قانون إسلامي أضعف كثيراً حقوق الأقليات العراقية غير المسلمة· وكان القس الإنجيلي ''كانون أندرو''، من كنيسة بغداد، قد اضطر إلى مغادرة العراق إثر تلقيه تهديدات بالقتل، على الرغم من مشاركته ودوره الكبير في تنسيق جهود المصالحة الدينية في العراق برعاية البنتاجون· وفي شهادة أدلى بها في جلسة استماع عقدتها ''اللجنة الأميركية للحريات الدينية العالمية'' في شهر يوليو المنصرم، حول التهديدات التي تتعرض لها المجموعات الاجتماعية العراقية القديمة، قال القس ''كانون أندرو'' إن السياسات التي اتبعها التحالف الدولي أدت إلى خذلان المسيحيين وغير المسلمين بصفة خاصة· وعلى الرغم من أن كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية قد دفعت بحجة أن خفض معدلات العنف سوف يكون عوناً لكافة المواطنين العراقيين، فإن الخوف أن يكون قد تم تطهير العراق من المجموعات الأقلية غير المسلمة، حين يكون غبار المعارك قد انجلى في نهاية الأمر· وربما كان الوقت قد تأخر كثيراً لإنقاذ من يمكن إنقاذهم من المانديين العراقيين، من أتباع يوحنا المعمدان وتعود جذورهم التاريخية إلى حضارة بابل القديمة· ذلك هو ما أدلى به متحدث باسم هذه الجماعة في جلسة الاستماع المشار إليها، محدثاً الحضور عن أن المتبقي من أفراد هذه الجماعة لا يزيد عددهم على 5 آلاف فحسب· وفي إطار حملة العنف الشعواء هذه التي تستهدف الأقليات، تعرض القساوسة لجز الرؤوس، بينما تم تفجير الكنائس، وتعرضت النساء غير المحجبات للحرق بالأحماض والمواد الكيماوية الحارقة، بينما لقي الرجال مصرعهم لا لذنب جنوه سوى إدارتهم للمسارح والملاهي ومحال الحلاقة· ولم تستثن حملات الإبادة الجماعية هذه حتى الأطفال والشباب الذين لقوا مصرعهم لمجرد ارتدائهم بناطيل الجينز أو لاختلاطهم بالفتيات، أو لمجرد تبديهم في عيون المتطرفين كما لو كانوا تجسيداً لثقافة الكفار الغربيين· والمحزن أن هؤلاء القتلة المتطرفين كثيراً ما وجدوا في أفراد الأقليات العرقية الدينية هذه، فرائس سهلة لهم يمكن اقتناصها· وفيما يذكر هنا أنه وفي أثناء تنفيذ الولايات المتحدة لاستراتيجياتها الأخيرة الخاصة بزيادة عدد قواتها في العراق، كان مسجد سُني في منطقة ''دورا'' قد أصدر فتوى إسلامية دعت المسيحيين المحليين إما لاعتناق الإسلام أو دفع الجزية· أما ردة الفعل فكانت فرار آلاف المسيحيين من المنطقة المذكورة· والحقيقة أن الكثير من المسيحيين اضطروا للفرار من العراق منذ عام ·2003 وحسب التقارير الصادرة عن المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن نسبة المسيحيين العراقيين لا تزيد على 4 في المئة فحسب من إجمالي الكثافة السكانية، إلا أنهم يمثلون الآن نسبة 40 في المئة من إجمالي لاجئيه! وفي الاتجاه نفسه تزايدت هجرات آلاف من المسيحيين والإيزيديين وغيرهم شمالاً باتجاه سهول محافظة نينوى التي يجدون فيها أمناً أكبر لحياتهم· والمعروف عن نينوى أنها الموطن التقليدي للمسيحيين الآشوريين، بينما تعود معتقداتهم الدينية إلى يوحنا وتلميذه توماس، وكلاهما قد باشر الدعوة الدينية المسيحية هناك· وبما أن مجرد وجود هذه الأقليات المسيحية وغيرها في العراق، بمثابة تجسيد لقيم الحريات والحقوق والتعددية الإثنية والدينية والوسطية والاعتدال، مما يجعل منها جسراً بين الشرق والغرب كما قال الباحث اللبناني الماروني حبيب مالك، فإنه لَمِن مصلحة الولايات المتحدة الأميركية، أن تحمي هذه الأقليات وأن تيسر لها سبل اللجوء السياسي متى ما تعرضت حياتها لخطر الإبادة الجماعية· مديرة معهد هودسون للحريات الدينية، وعضو اللجنة الأميركية للحريات الدينية العالمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©