الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إفريقيا: الأراضي الخصبة في المزاد العالمي!

إفريقيا: الأراضي الخصبة في المزاد العالمي!
7 فبراير 2011 20:46
في مارس 2009، تدفقت جموع غفيرة من المتظاهرين المحليين، على رأسهم مقدم أسطوانات موسيقية مسجلة "دي. جيه" طفولي الوجه، عبر شوارع هذه العاصمة الجبلية، منادية بالإطاحة برئيس مدغشقر، في ذلك الوقت "مارك رافالو مانانا"، بسبب تفريطه في الأراضي الزراعية لبلاده التي يضربها الفقر. وكانت هناك أنباء متداولة في ذلك الوقت، عن تأجير الرئيس لمساحة 3.2 مليون فدان -نصف مساحة الأراضي الصالحة للزراعة في الجزيرة تقريباً- لمجموعة شركات كورية جنوبية عملاقة لمدة 99 عاماً. ومن الناحية النظرية، كان من المفترض أن تكون الصفقة رابحة من جميع الأوجه، حيث كانت تنص على دفع الشركات الكورية الجنوبية 6 مليارات دولار لمدغشقر، مقابل زراعة القمح ونخيل الزيت في الأراضي الزراعية المستأجرة، لمساعدتها على تحقيق أمنها الغذائي، وتوفير احتياجاتها من الوقود الحيوي، في الوقت نفسه الذي ستستفيد فيه مدغشقر من خلال تزويدها بالنقد الأجنبي الذي تحتاج إليه بصورة ماسة، هذا زيادة على توفير الوظائف لأبنائها الذين يعانون من البطالة المستشرية. ولكن التظاهرات الصاخبة، التي وقف لجيش إلى جانبها في نهاية المطاف، أظهرت أن الشعب الملغاشي 70 في المئة منه تعيش في مناطق زراعية، ويعاني 50 في المئة من أبنائه من سوء تغذية مزمن- نظر إلى تلك الصفقة على أنها عملية استيلاء على الأراضي، وتهديد لبقاء البلاد ذاتها. وبعد عدة أيام من التظاهرات، فر الرئيس "رافالو مانانا" من البلاد، وتولى الحكم مجلس عسكري بقيادة مقدم الأسطوانات الموسيقية الشاب "أندريه راجوايلينا"، وكان في مقدمة الإجراءات التي اتخذها المجلس الجديد إلغاء الصفقة الموقعة مع مجموعة الشركات الكورية الجنوبية. ولم تكن حالة مدغشقر هي الحالة الوحيدة، لأن آخر مصادر إفريقيا الطبيعية، وهي الأراضي الخصبة، تجتذب في الوقت الراهن عشرات الشركات الأجنبية الكبيرة، بل والحكومات القادرة ماديّاً أيضاً، إلى القارة بغرض استئجار مساحات واسعة من الأراضي، لزراعتها من أجل توفير المحاصيل الغذائية الرئيسية، والمحاصيل التي تستخرج منها أنواع الوقود الحيوي مثل "الإيثانول" . والشيء اللافت للنظر في هذا الخصوص هو أن القارة لا تجتذب فقط الشركات والحكومات التي تعاني بلادها من شح الأراضي الزراعية، وإنما تجتذب أيضاً دولاً مكتفية ذاتيّاً في مجال الغذاء مثل البرازيل والهند على سبيل المثال لا الحصر. والانقلاب في مدغشقر، ومظاهرات الخبز التي وقعت في موزامبيق في أغسطس الماضي، عقب انتشار أنباء عن عقد حكومة البلاد صفقات لزراعة محاصيل غذائية، ومحاصيل لإنتاج الوقود الحيوي مع البرازيل ودول أوروبية غنية، تمثل علامات دالة تكشف عن مدى تأرجح الميزان العالمي بين الثراء والفقر، بين المستثمرين الأجانب من ناحية وقادة الحكومات الإفريقية من ناحية أخرى. وكان من المفترض -لو سار كل شيء على النحو الصحيح- أن تكون إفريقيا هي سلة غذاء العالم: فأرضها الخصبة، وأنهارها الطويلة ، وعمالتها الزراعية الرخيصة الأجر، كانت تضمن لها ذلك، وتساعدها على اجتذاب المستثمرين من كل مكان. ولكن الحقيقة المؤسفة هي أن القارة ما تزال تستورد الجزء الأكبر من احتياجاتها من المحاصيل الغذائية بما في ذلك القمح والذرة والأرز. وكان من المفترض أيضاً أن تؤدي الاستثمارات الغربية في الزراعة الإفريقية إلى تصحيح هذا الخلل في الموازين، وإلى تمكين القارة من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، ولكن الأمور سارت في الاتجاه العكسي كما رأينا في حالتي مدغشقر وموزمبيق. غير أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وزيادة الطلب على الوقود الحيوي، وثبات مساحة الأراضي الزراعية في القارة الإفريقية، بل وتدهورها في بعض الأحيان، كل ذلك دفع دولاً إفريقية أخرى -ولها العذر حقيقةً في ذلك بسبب ما يعانيه معظمها من فقر وفاقة إلى درجة أن قسماً كبيراً من شعوبها وخصوصاً في المناطق الزراعية يعيش على أقل من دولار واحد في اليوم- للاستفادة من تلك الزيادة العالمية في الطلب، من خلال عقد صفقات سخية بمليارات الدولارات مع العديد من الدول الراغبة في استغلال الأراضي الزراعية في القارة لزراعة المحاصيل الغذائية، أو المحاصيل التي يستخرج منها الوقود الحيوي. ولذلك فإن ما يترامى من أنباء من هنا وهناك، عن سخط بعض شعوب القارة من تلك الصفقات الشبيهة بصفقة مدغشقر، يصيب المراقبين الغربيين وغيرهم بالحيرة لأن أي استثمار جديد في دولة فقيرة يفترض أن يؤدي كما هو معروف لتوفير العملات الصعبة، التي تحتاجها مثل تلك الدول، كما يساعد على توفير فرص العمل للكثير من أبنائها، ويتيح لها الحصول على موارد أخرى من الجمارك والضرائب، بالإضافة إلى نقطة مهمة أيضاً هي أن استخدام الشركات والحكومات الأجنبية للتقنيات المتقدمة في مشروعاتها الزراعية بتلك الدول، يساعد على رفع مستوى مهارة مزارعيها واكتسابهم لخبرات جديدة ومفيدة. ويرى الخبراء أن التظاهرات والاحتجاجات التي تحدث في بعض الدول الإفريقية كرد فعل على عقد صفقات لتأجير مساحات من أراضيها لشركات وحكومات أجنبية، ترجع في المقام الأول إلى أن وسائل الإعلام والصحف في تلك الدول، هي التي تصور لأسباب مختلفة، هذه الصفقات على أنها عمليات نهب للأراضي، ونوع من الاستعمار الجديد، بل وحتى على أنها تمثل تقويضاً لقدرة البلاد على إطعام نفسها. وهكذا فعلى رغم حقيقة أن إفريقيا ما زالت غير قادرة على إطعام نفسها حتى وقتنا هذا، فإن الاستثمارات الأجنبية ما تزال تتلمس طريقها بقدر كبير من الحذر في القارة، خوفاً من أن تؤدي محاولاتها لاستئجار مساحات من الأراضي في دول القارة إلى تأجيج نيران تظاهرات، واضطرابات بل وثورات. قد لا يحدث هذا على أرض الواقع: فعلى رغم أن مدغشقر قد أغلقت الباب أمام الاستثمارات الأجنبية ومن غير المتوقع بالتالي -على الأقل لفترة طويلة من الوقت- أن تقدم شركات كبرى أو حكومات دول على الاستثمار فيها مرة أخرى، بعد الثورة التي وقعت هناك ضد "رافالو مانانا"، فإنه من غير المتوقع أن يحدث شيء شبيه بذلك في أماكن أخرى من القارة. ومما يعزز هذا التوقع أن معظم القادة الأفارقة، سواء كانوا مدفوعين إلى ذلك بالأنانية أو بالرغبة في الإثراء، ينظرون إلى الزراعة في الوقت الراهن على أنها تمثل قاطرة النمو، ووصفة الرخاء للقارة السمراء بأسرها. سكوت بالدوف أنتاناناريفو - مدغشقر ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©