الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا: تحديات الإرهاب ومعاداة الأجانب

7 فبراير 2011 20:50
إذا استمرت الاتجاهات الديموغرافية الحالية على حالها فإن المسلمين سيشكلون في غضون فترة نصف القرن المقبلة جزءاً كبيراً، بل ربما أغلبية، من سكان روسيا. وفي الوقت الحالي، لدى موسكو سكان مسلمون أكثر من أي مدينة أوروبية أخرى. وخلافاً لأولئك الذين يعيشون في أمستردام أو باريس، فإن معظم مسلمي موسكو هم مواطنون، وليسوا مهاجرين -نتيجة توسع الإمبراطورية الروسية جنوباً في القرن التاسع عشر. ومن المتوقع أن يواصل المسلمون خلال العقود المقبلة من منطقتي شمال القوقاز والفولجا الروسيتين، إلى جانب مهاجرين من آسيا الوسطى وأذربيجان المجاورة، الحلول محل الجوهر السلافي لروسيا، على نحو يعيد تشكيل الطريقة التي كان البلد يعرف بها نفسه. غير أن هذه التغيرات تطرح تحديات جديدة أمام استقرار روسيا. ففي ديسمبر الماضي، وعقب مقتل روسي سلافي في موسكو من قبل رجل من شمال القوقاز على ما يفترض، خرجت مجموعات من الشبان الغاضبين إلى الشوارع، رافعين أذرعهم على الطريقة النازية، وحاملين شعارات من قبيل "موسكو لأهل موسكو" ، هذا بينما أظهرت صور ومقاطع فيديو شباناً آخرين -شعورهم سوداء وعليهم آثار الضرب والنزيف- محتمين وراء كتيبة صغيرة من ضباط الشرطة. ومما لا شك فيه أن روسيا تواجه مشكلة إرهاب لا يمكن إنكارها بعضها مصدره منطقة شمال القوقاز، وهي منطقة تتميز بحياة سياسية سلطوية وحركة تمرد إسلامي متنامية. ولكن روسيا تواجه أيضاً مشكلة معاداة الأجانب؛ ذلك أن هجمات المجموعات المعادية للأجانب ضد الأقليات المسلمة في العاصمة وغيرها من المدن الكبيرة يمكن أن تجعل الهجمات الإرهابية مناسبات لإراقة مزيد من الدماء؛ حيث تهدد الأعمال الانتقامية الدموية، ولاسيما في سياق الأزمة الاقتصادية، بتأجيج النزاع الإثني والديني، مما يقوي القوى القومية المتشددة التي باتت حاضرة على نحو متزايد في روسيا اليوم. والحال أن الأشخاص المستهدَفين في الحلقات العنيفة التي شهدتها روسيا (مثل مظاهرات ديسمبر في موسكو) كانوا في الغالب من شمال القوقاز، وهي منطقة جبلية تمتد على طول الحدود الجنوبية لروسيا مع جورجيا وأذربيجان. وعقب حربين في الشيشان، حققت حركة التمرد تمدداً عبر المنطقة. وقد أدى هذا الأمر، إلى جانب الفقر والبطالة وحملات توقيف الشبان المشتبه فيهم بدون تمييز من قبل أجهزة الأمن، إلى موجة هجرة من المنطقة منذ التسعينيات. ولكن كلما ازداد شمال القوقاز فوضى واضطراباً، كلما كان نزوح الناس أكبر إلى موسكو وسان بطرسبرج ومدن أخرى، وكلما ازداد بالتالي احتمال اندلاع أعمال عنف بين مثيري الشغب اليمينيين المتطرفين والمسلمين الروس. والواقع أن الزعماء الروس واعون لمثل هذه المخاطر المحدقة؛ حيث وصف الرئيس ميدفيديف شمال القوقاز بأنه أكبر مشكلة داخلية في بلاده. كما ندد، بعد أعمال الشغب التي اندلعت في ديسمبر الماضي، بالمتعصبين واتهمهم بزرع بذور الفوضى والاضطراب. ومن جانبه، حذر رئيس الوزراء بوتين مراراً وتكراراً من التطرف بكافة أشكاله وأنواعه. وقد سعت موسكو أيضاً إلى إرساء الاستقرار في شمال القوقاز؛ حيث زادت الاستثمارات في الشيشان، وسعت إلى إعادة بناء تلك الجمهورية بعد إضعاف حركة التمرد هناك. غير أن جمهوريات شمال القوقاز الأخرى مازالت غارقة في الفقر والبطالة. كما سعى الكريملن إلى شراء النافذين في المنطقة على أمل الاعتماد على الرجال الأقوياء في القوقاز لحفظ النظام وقمع المتمردين المشتبه فيهم. غير أن هذا ليس هو الإصلاح الشامل المطلوب؛ ذلك أن استهداف الرجال المسلمين من قبل أجهزة الأمن في المنطقة دفع مزيداً من الشبان إلى المغادرة أو الانضمام إلى صفوف حركة التمرد. وفي غضون ذلك، بادر المتعصبون المعادون للمهاجرين في المدن الكبرى إلى الشمال من البلاد بجعل الحياة أكثر بؤساً بالنسبة للفارين من شمال القوقاز. ومن جانبهم، ساهم بعض السياسيين في إلهاب الوضع حين صوروا كل المهاجرين المسلمين على أنهم مجرمون وأجانب. أما وسائل الإعلام الروسية، فتميل عموماً إلى التنديد بالفوضى، ولكنها قد تتجاهل الضحايا خاصة إذا كانوا من غير الروس السلافيين. وقد سبق لروسيا أن شهدت كل هذه الأمور من قبل؛ حيث عرفت اندلاع أعمال عنف ضد جيران كان يُنظر إليهم أيضاً على أنهم أجانب غدارون مطلع القرن العشرين، حين استهدفت مذابح ضد اليهود في مدن روسية وقتئذ، مثل كيشينيف وأوديسا، إحدى أكثر جاليات الإمبراطورية الروسية حضوراً ونشاطاً. ولكنها أضرت بروسيا أيضاً من خلال تنامي الهجرة، وتشويه سمعة البلاد في الخارج في ذلك العهد. وبالأمس، وكما هو الحال اليوم، شكل المجرمون جزءاً صغيراً جدّاً من السكان. فلا القوميون المتطرفون اليوم، ولا المتطرفون من المسلمين، يمثلون الجاليات التي يدعون أنهم يتحدثون باسمها -وهذه نقطة يسعى ميدفيديف، الذي أشاد بالإسلام باعتباره جزءاً أساسيّاً من التاريخ الروسي، إلى تأكيدها وتوضيحها اليوم. إذن ثمة خط رفيع على الحكومة أن تمشي عليه. فمن أجل الرد على الإرهاب، يجب على الحكومة أن تكون حذرة وتحرص على فصل الإرهابيين عن بقية المجموعة الإسلامية الكبيرة في روسيا؛ ولعل استعمال ميدفيديف لكلمة "مذبحة" لوصف أعمال الشغب التي اندلعت في ديسمبر الماضي كان خطوة في الاتجاه الصحيح؛ لأنه بدون مثل هذه المؤشرات الواضحة من موسكو، فإن المسلمين في منطقة شمال القوقاز والمنحدرين منها -الذين يشكلون في النهاية الضحايا الرئيسيين للإرهاب الإسلامي منذ سنوات- سيتساءلون عما إن كان البلد الذي يعتبرونه بلدهم واسعاً ورحباً بما يكفي لاحتضانهم. تشارلز كينج - أستاذ بجامعة جورج تاون الأميركية راجان مينون - أستاذ بجامعة «سيتي يونيفرسيتي» في نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©