الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسرح .. صوت الذات وصداها

المسرح .. صوت الذات وصداها
12 فبراير 2013 16:27
تختلف كل ورشة من الورشات التي تنظمها إدارة المسرح بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة عن الورشات السابقة لها سواء في موضوعها أو في الأسلوب التدريبي لمشرفها؛ فلكل مشرف طريقته الخاصة في التعليم كما أن له حساسيته الشخصية في ما يتعلق بالمعارف المسرحية؛ ولكن دائما ثمة المجموعة ذاتها من المتدربين. فنظام الورشات الذي اعتمدته إدارة المسرح أخيرا، يشترط على المتدرب أن يشارك في نسبة أكبر من برامجها التدريبية حتى يستحق «شهادة المشاركة» التي سُتوزع على المشاركين في نهاية الموسم التدريبي، خلال شهر يوليو المقبل. أتاح هذا النظام لمجموعة المتدربين أن تنسجم أكثر في الشهور المنقضية كما أن الإيقاع المتواتر لمواقيت الورش أسهم كثيراً في ترسيخ هذا الانسجام بين أفرادها وزاد من معرفة كل واحد منهم بالآخر فنياً واجتماعياً بخاصة مع تقارب أعمارهم ومرجعياتهم وطموحاتهم. حين انطلقت ورشة «ممثل، خشبة، ومخرج» في السادس والعشرين من الشهر الماضي تحت إشراف المصري خالد جلال كانت مجموعة المتدربين قد شاركت في نحو ست ورشات في اختصاصات المسرح المختلفة وقد جاءت في مواعيد متقاربة مجتمعة. من هنا، بدت الأمور وسط المشاركين أسهل كثيرا مع الورشة الجديدة سواء في طريقة تلقي الاقتراحات من المشرف أو طرائق تنفيذها؛ ولقد بدا واضحاً أيضا أثر الورشات الماضية في أداء عدد من المشاركين وتحديدا حين طلب منهم المشرف «خالد جلال» ارتجال بعض المشاهد المسرحية، استناداً إلى خلفيتهم المسرحية؛ فلقد أظهروا خبرة واضحة سواء في الخروج أو الدخول أم في التعبيرات الإيمائية والإشارية وغيرها من أشكال الأداء المسرحي.. على أن ما بدا معقداً بالنسبة لأغلبهم هو أن يتخلصوا من الصور المسرحية النمطيّة التي رسخت في أذهانهم كنماذج مثالية للمحاكاة؛ فـ «البخيل» يتحرك بطريقة معينة ويلبس زيّاً محدداً و»المجنون» يُعرف بما يصدره من حركات و»الانطوائي» يسلك طريقة خاصة فيحسب عند الناس بصفته تلك ..إلخ. لا بد من القطع مع هذه «القوالب الجاهزة»؛ هذا هو التدريب الأول الذي شغل الورشة التي سُيقدم نتاجها على هامش الدورة المقبلة من مهرجان أيام الشارقة المسرحية؛ كما سيكون متاحاً للمشاركين فيها، وفي الورش التدريبية التي سبقتها، أن يقدموا خبراتهم فوق خشبة مهرجان المسرحيات القصيرة الذي تنظمه الدائرة في مدينة كلباء خلال النصف الثاني من السنة الجارية. شذرات .. وعواطف في اليومين الأوليين للورشة بدأ المشرف في دعوة المشاركين إلى اقتراح ما يرونه مناسباً من موضوعات للعرض المزمع تقديمه؛ وحضّ كل واحد منهم على تقديم ما لديه في هذا الجانب من دون أي شعور بالخجل؛ وقد بدا متسقاً لمعظم المشاركين أن يقوم العرض على فكرة «الوحدة العربية»؛ فالورشة تضم متدربين من جنسيات عربية عدة (الإمارات، فلسطين، سلطنة عمان، الأردن، تونس، مصر، سورية..إلخ) لكن في اليوم التالي أبدل المشرف الفكرة بعد أن جاءت شعاراتية وهتافية؛ ودعا متدربيه إلى التفكير في عرض مسرحي يضم مجموعة من المسافرين في محطة انتظار، وجلس يتابع تداعيات المشاركين في هذا الموضوع ويسجلها ويعلق عليها؛ وفي اليوم الثالث تغيرت فكرة «محطة الانتظار» وقدم المشاركون تداعياتهم حول فكرة أخرى. وللحظة، بدا الأمر كأن لا نهاية له!. مَن مِن المشاركين يريد للتجربة أن تنتهي؟ لا أحد. هكذا ردت إحدى المشاركات في الورشة فهي ترى أن قيمة الورشة تتجدد في كل يوم ولو لم تكن محكومة بوقت محدد لكان ذلك أكثر فائدة للمتدربين بخاصة لأولئك الذين تخففهم حصص التدريب من أعباء الحياة اليومية، من مشاغلها ومشاكلها، الكبيرة أو الصغيرة، السطحية أو العميقة، ومن ثم تشعرهم بأنهم أفضل حالاً الآن أكثر من أي وقت مضى، وهم كثر. وفي سائر الورشات السابقة التي تابعناها؛ فلكل واحد من المشاركين هدفه الخاص من المشاركة هنا، فبعضهم يحلم بالفعل في أن يصعد خشبة المسرح وخصوصا في مهرجان أيام الشارقة المسرحية، وثمة من يحضر إلى الورشات فراراً من عزلته ولكي يكون مع «الناس»، ومنهم من تسليه الأفكار والقصص الدرامية التي يجري الكلام حولها أثناء التدريب؛ ومنهم أيضا من يبحث عن شخص ينصت له أو ينظر إليه فيما هو «يمثّل» أو «يشخص» حالة شعورية ما!. إنها أحوال شديدة التباين ولكنها واقعية وحية دائما؛ ويبدو المسرح وورشه أو دوراته التدريبية أكثر رحابة في استقبال مثل هذه الحالات الإنسانية الدقيقة؛ وقد توّضح ذلك بصورة جلية في ورشة «ممثل، خشبة، ومخرج» بخاصة في تلك التمارين النفسية التي لجأ إليها المشرف حتى يحرر المشاركين من مشاعر الخوف والخجل والتردد وليحثهم على الانتباه لما يعتمل في دواخلهم؛ باعتبارها المصدر الدائم لطاقة الممثل الذهنية والجسدية والنفسية. برغم أن الأمر كان صعباً في البداية (إذ أننا نكون أكثر هشاشة حين يتعلق الأمر بذواتنا) إلا انه بات ممكناً، مع مرور الوقت، وبعد أن فهم المتدربون أن عليهم فهم ما هم عليه قبل أن يحاولوا فهم أحوال من هم سواهم!. وبدأ المشرف الذي يتوسط دائما بكاميرا فيديو لتسجيل اللحظات التعبيرية القوية التي تمرّ في كلام كل احد المشاركين بخاصة أثناء تقديمه لإفادته مجيباً على سؤال مثل: ما هي مخاوفك؟ يتكلم المتدرب تحت إضاءة خافتة وعلى خلفية موسيقية مؤثرة موجهاً كلامه إلى المشرف دائما وقد توزعت في العتمة من حوله دائرة واسعة من مجموعة المشاركين في الورشة. الذكريات يحاول جلال أن يحفزهم على التخلص من أشباحهم وذكرياتهم الحزينة أو المرعبة، يدعوهم إلى المزيد من الكلام فيستجيب البعض ويتردد البعض الآخر لحين؛ وتختلف نسبة المنفعلين والمترددين في التمرين التالي حين يطلب المشرف من كل واحد منهم أن يحكي سر سعادته الشخصية! لا يتعلق الأمر هنا، بدفع المتدرب إلى اكتشاف ذاته أو مواجهة مشاكله الداخلية بعرضها أو سردها، ولكن أيضا بترقية طريقته في التعبير سواء عن ذاته أو عما يحيط به، إذ سيكون عليه، أثناء الكلام أو الإجابة على السؤال، أن يختار البداية الصحيحة لقصته، وأن ينتقي من تفاصيلها اكثرها أهمية، وأن يقابل كل كلمة حركتها، وكل إشارة مداها، وأن يتنفس ولا يقطع جمله ويتقدم في حكايته إلى النهاية من دون أن تستحوذ عليه الحالة الشعورية وينهار باكياً . كلمات هاربة كما أن هذه التمرينات تهدف إلى أن تمر بالمتدرب عبر أحوال عاطفية شتى «الخوف، الحب، السرور، والخجل..»، في حضور مجموعة من الناس، إرهافا لحسه الإنساني وإثراءً لحساسيته الفنية؛ فلئن ملكت القدرة على الكلام مع نفسك فان ذلك لا يعني أنك تقدر على الحديث وسط دائرة واسعة ومتنوعة من البشر، ثمة شعور مختلف، يحسه المتكلم، حين يمر بالحالتين. من هنا، لا يصح دائما أن نفسر إجهاش أحدهم بالبكاء، لحظة حديثه عن ذكريات شخصية، بأنه نتج عن قوة الصور أو القصص التي استعادها تكلماً، فمن الممكن أن يستصعب مواصلة حديثه لأنه يعاني إشكاليات ما من الناحية التعبيرية أو لأنه يحس بأن الكلمات تهرب منه من دون أن تمكنه من التعبير عما يريده! الفرق دقيق بين الحالتين، ولكنه يبين في مثل هذه التمرينات التي اقترحتها ورشة «ممثل، خشبة، ومخرج». خلفيات جاء المشاركون من خلفيات مهنية متباينة أيضا فمنهم المعلمة والشرطي والطالب والممثلة.. إلخ، كما أن أوضاعهم الاجتماعية مختلفة بين الزواج والطلاق والعزوبية؛ وما مروا به من ظروف حياتية فيه الغريب والعجيب والمدهش والمثير، وقد أضفى كل هذا التعدد، تنوعاً ثرياً على حكاياتهم وعلى طرائقهم في القص وفي استجاباتهم. « لا بد أن نعرف من نحن ونشخص معرفتنا بذواتنا أولاً حتى نقدر على معرفة من هم غيرنا ونشخص أحوالهم»، هكذا كان يردد مشرف الورشة وسط المشاركين ويذكرهم بأن المسرح هو من أكثر الفنون التصاقاً بالروح والمشاعر النبيلة وهو الأرقى والأكثر فعالية في التأثير على الناس ولذلك علينا أن نخلص له ونتعاطى بصدقية وجدية مع كل تفصيلة من تفصيلاته، ومن ثم يحثهم على تقديم الاقتراحات ملحاً على فكرة انه يتعلم منهم كما يعلمهم ويسترشد بكل ما يصدر عنهم من أفكار وملاحظات ويتطور مثلما يحاول تطويرهم. يشرف المخرج الحائز جائزة الدولة للتفوق في الفنون، على مركز مسرحي للهواة وقد خبر من عمله اليومي هناك خلال العشر سنوات الأخيرة، العديد من الوسائل التعليمية المؤثرة والتي تجعل من تجربة أية ورشة مسرحية يشرف عليها.. تجربة لا يمكن نسيانها بالنسبة للمتدربين. لكن، ما هو العنوان المناسب للعرض الذي ستخرج به الورشة ؟ ينطرح السؤال منذ اليوم الأول ولكنه لا يجد الإجابة المناسبة بخاصة مع مرور الوقت فالأمور تبدأ في أخذ شكل آخر غير الذي كانت عليه بالأمس، دائما، وهذا يشد تجربة الورشة أكثر ويجددها مرة أخرى. يبدو العنوان، هنا، كنهاية للعمل؛ ففي الوقت الذي تصل فيه المجموعة إلى عنوان محدد فان ذلك يعني أن الورشة تبلورت واكتملت في صورتها الأخيرة، وذلك هو المنتظر على كل حال؛ فثمة عرض لابد من إنجازه في اسرع وقت وبالكفاية الفنية التي يستحق معها أن يقدم على هامش مناسبة مسرحية في أهمية «مهرجان أيام الشارقة المسرحية»؛ ويعرف الجميع ذلك بالطبع ولكن العمل في إطار الورشة هو الجزء الممتع في التجربة أما عرض نتاج التدريبات في مهرجان ما فهو في المعنى القوي لكلمة: «الاختبار»!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©