الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حي الأعظمية ··· ورفع عدد القوات الأميركية

حي الأعظمية ··· ورفع عدد القوات الأميركية
22 مارس 2008 03:13
منذ أن وصلت إلى بغداد في شهر أغسطس الماضي، أدهشتني أربعة أمور: الالتزام المالي تجاه جهود إعادة الإعمار، والانخفاض الملحوظ في أعمال العنف، وإرهاصات انبثاق حكومة تمثيلية، والتقدم الملموس -وإن كان مازال متواضعاً- في العلاقات بين الجيش العراقي ذي الغالبية الشيعية وبين السكان السنة في المنطقة التي كنا فيها· ومع أن المراقب لا يقرأ إلا الأحداث المأساوية والفوضى المنتشرة في العراق، فإن وسائل الإعلام كذلك، تفشل أحياناً في التقاط ونقل النجاح الذي تحقق للرأي العام· كان مقرنا يقع على ضفة نهر دجلة في المنطقة المعروفة باسم ''الأعظمية''، يلفها جدار يفصلها عن المنطقة الشرقية من المدينة التي تقطنها غالبية شيعية، وهو جدار شبيه بذلك الذي يفصل بين البروتستانت والكاثوليك في العاصمة الأيرلندية ''بلفاست''؛ ومع أن بعض الشيعة مازالوا يعيشون في ''الأعظمية''، إلا أن أغلبهم انتقل إلى الأحياء الأخرى، فتحولت إلى جيب سني تطوقه أحياء شيعية· وإذا كان دافعو الضرائب من الأميركيين على علم بالأموال الطائلة التي أُهدرت على مشاريع لم تخضع للرقابة الدقيقة -بحثاً عن حلول سريعة دون الاحتراز من الثقافة الاتكالية التي ترسخها مثل هذه الممارسات- فإن هذه الطريقة تغيرت بشكل كبير· وبرغم النقص الواضح في خلـق وظائف جديدة وتقصير المسؤولين الأميركيين في إنعــــاش الاقتصاد العراقي، بحيث مازالت نسبة كبيرة من سكان ''الأعظمية'' تعاني من البطالة، إلا أنه في الآونة الأخيرة بدأ معدل التوظيف يرتفع بشكل ملحوظ في المنطقة؛ وتنصرف الجهود الأميركية والعراقية في هذه المرحلة إلى توفير الخدمات الأساسية للعراقيين وتحفيز التنمية الاقتصادية، فضلاً عن تشجيع الكتل السياسية المختلفة في العراق على التوافق ومد يد المصالحة إلى بعضها البعض؛ واليوم تتصدر أجندة الإصلاحات أمور كثيرة مثل استعادة الخدمات كالكهرباء وإقامة نظام للصرف الصحي، وجمع النفايات، وإتاحة الوقود والمياه العذبة للعراقيين· لا بد من الإشارة هنا إلى أن جهود الحكومة العراقية في تأمين هذه الخدمات، أو على الأقـــل توفيرها بمستوى معقـــول، قد حققت نجاحـــاً واضحاً، ناهيك عن انتعاش الاقتصاد بسبب الهدوء الأمني والتراجع النسبي للعنف في العراق؛ كما أن الأسواق التي تحولـــت في وقت من الأوقـــات إلى أماكن مقفرة عادت لتفتح أبوابهــــا مجــدداً أمام الزوار وأصبحــت تعج بالمرتادين؛ وتشكل المبادرات التي أطلقتها قوات التحالف القائمة على تطوير مجالس الأسواق المحلية، ومنح قروض صغيرة للتجار المبتدئين فرصة لتحريك الاقتصاد في مختلف أحياء بغداد واستعادة بعض ألقها السابق الذي اختفى طيلة سنوات الحرب· وقد جاءت خطة رفع عدد القوات الأميركية في العراق لتركز على منطقة الأعظمية بالخصوص، وتحولها إلى مكان آمن خـــالٍ من العنـــف والفوضى، لكــــن الأهـــم من ذلك هو بنـــاء السور المحيط بالحي الذي أسهــــم في تقليص العنـــف، فضلاً عن التغير الكبير الذي طرأ على مواقف السكان تجاه قوات التحالف، ولا ننسى طبعاً قدرة السريَّة التي أنتمي إليها على الاستفـــادة من هذه التطورات وتحويلهـــا إلى إنجاز؛ وبرغم البــطء الذي يرافق عمليـــة بنــــاء قـــوة محلية للشرطـــة، إلا أن تغير مواقـــف الأهالــــي أدى إلى تعـــاون أعداد كبيرة منهم مــــع قوات التحالف من خلال نقل المعلومــات المهمـــة عن المشتبــه بهم، أو الإسهام في كشف مخابئ السلاح والمتفجرات· وقد كانت دهشتي كبيرة في السنة الماضية لدى انعقاد المجلس الاستشاري لحي ''الأعظمية'' تنوع النقاش بين الأطراف المختلفة ملامســـاً مواضيـــع ذات أهمية كبيرة للسكان، كانقطاع الكهرباء ومشاكل نظام الصرف الصحي والتنمية الاقتصادية وغيرها؛ ولعل ما لفت انتباهي هو تقدم مجموعة من العمال السنــــة الذين يعملون في محطة لتوزيع الكهرباء في بغداد، بشكوى من المعاملة السيئة لبعض أفراد الجيش العراقي من الشيعة، بعد أن اتهموا بسوء توزيع الكهرباء، وهو الأمر الذي لا يستطيعون التحكم فيه كعمال· وقد تعهد العمال بتنظيم إضراب عام حتى يُعاملوا بطريقة أفضل، وطالبوا رئيس مجلس الحي السني بالتدخـــل لحل مشكلتهم؛ ومع أن الوضع مازال صعباً فيما يتعلق بالعلاقات السنية الشيعية في ظل العداوة الراسخة بين الطرفين، إلا أن مجرد تقدم العمال بمظالمهم وجهرهم بمشاكلهم، وهو أمر بديهي بالنسبــــة لنـــا كأميركيين وفي غاية الأهمية، يمثل بوادر انبثاق حكومة تمثيلية يُسمح فيها للمواطنين بالمطالبــــة بالتغيير؛ ولم يقتصر التحسن على المواطنين من سكان ''الأعظمية'' الذين أصبحوا أكثر قدرة على التحاور مع ممثليهم، بل امتد التحسن إلى أداء الجيش العراقي؛ ففيما كان الجيش في السابق يتهـــم باعتقال الأبرياء وابتزاز ذويهم للحصول على المال، أصبح اليوم أحد أركان استتباب الأمن والمحافظة على الاستقرار؛ بالطبع مازال أمامنا الكثير قبل إعلان النجاح الكامل، لكن الأكيد وأنا أشهد التحولات الجارية في ''الأعظمية'' -التي كانت من أخطر الأحياء في بغداد- أن خطة رفع عدد القوات الأميركية في العراق قد نجحت بالفعل· أنتوني دياز باحث استراتيجي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©