الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السودان وفن صناعة الأزمات!

30 أغسطس 2007 00:05
فشل وزير الخارجية الكندي في إثناء نظيره السوداني بالتراجع عن قرار حكومته بإبعاد القائمة بالأعمال الكندية عن الخرطوم، وحسب تصريحات الوزير الكندي أن الوزير السوداني أعلمه خلال اتصال مباشر بينهما بأن هذا القرار حاسم ولا تراجع عنه، برغم محاولات إقناعه بأن الدبلوماسية الكندية لم ترتكب خطأ ما· إنها في الخرطوم تقوم بمهامها الدبلوماسية حسب توجيهات وسياسة حكومتها تجاه السودان، التي ظلت كندا تحرص على حسن مسارها وعلى بذل المساعدات الإنسانية والفنية للسودان لمواجهة أزماته· الصحافة الكندية استثارتها العملية السودانية المفاجئة التي لم يسبقها تمهيد دبلوماسي، كما تجري العادة في العلاقات الدولية· وقد حفلت افتتاحيات الصحف القومية الكبرى بمقالات تطالب الحكومة الكندية باتخاذ إجراءات ''حاسمة'' تجاه حكومة السودان، وتحثها على مطالبة الأمم المتحدة بتشديد العقوبات وتطبيقها على السلطة السودانية· وقد تذكَّر دبلوماسي كندي كبير، كان مسؤولاً عن الملف السوداني، أن حكومة السودان دأبت على ممارسة هذا النوع من ''الابتزاز الدبلوماسي''، وأنها على الدوام تريد أن تقول للمجتمع الدولي إنه لا يهمها في شيء رأيه في سلوكها وتصرفاتها غير المقبولة، من وجهة نظره· وإن إبعاد الدبلوماسية الكندية عن الخرطوم بدعوى تدخلها في الشؤون السودانية ربما كان رسالة موجهة للجميع· وإنه قد آن الأوان ليتخذ المجتمع الدولي موقفاً يرد الحكومة السودانية إلى صوابها! وهكذا نجحت الحكومة السودانية في خلق أزمة جديدة ليس مع الحكومة الكندية، بل مع رأي عام كندي كان وما زال شديد التعاطف الإنساني مع مآسي السودان الإنسانية والسياسية· وقد ظلت كندا على اختلاف حكوماتها المتعاقبة في العقد الأخير أكثر الدول عطاءً وعوناً إنسانياً وفنياً للسودان خلال وبعد ''اتفاقية نيفاشا'' وأيضاً أثناء أزمة دارفور، وبلغت، حسب بيان وزارة الخارجية، جملة مساعداتها الإنسانية والفنية للسودان ولقوات الاتحاد الإفريقي أربعمائة مليون· والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما الذي تريده الحكومة السودانية من خلق هذه الأزمة؟ وماذا تجنيه من هذا التوتر غير المبرر مع كندا، في وقت السودان أحوج ما يكون فيه إلى تحسين علاقاته مع دول العالم، وتبييض صفحته القاتمة في نظر المجتمع الدولي؟ فالقول إن الدبلوماسية الكندية كانت كثيرة ''التدخل'' في شؤون السودان، وواسعة الاتصال بالجماعات السياسية والمنظمات المدنية المعنية بحقوق الإنسان، ''تهمة'' لا ترقى إلى المستوى العادي، وإلى حقائق الأمور في العلاقات الدولية في عالم اليوم· وتلك حقيقة يبدو أن المسؤولين السودانيين يجدون صعوبة شديدة في تقبلها علماً بأنهم ''رواد الدعوة'' للتدخل الأجنبي في شؤون السودان، والذي أفضى بالسودان إلى أن يصبح ''محمية دولية'' كما يعلمون· والقول إن الدبلوماسية الكندية كانت ''تحرِّض'' على انفصال الجنوب قول لا يقبله عقل مبتدئ في علم السياسة الدولية· فكندا كانت على الدوام لديها حساسيتها الخاصة تجاه دعاوى الانفصال ويرجع ذلك إلى مشكلتها في مقاطعة ''كوبيك''، مما خلق لدى الكنديين حساسية عظيمة ضد دعاوى الانفصال· بل إن كندا ومنذ أن توجهت أنظارها إلى المسألة السودانية، التي تُعرف بمشكلة الجنوب، ظلت تعلن وتؤكد لكل السودانيين مسؤولين ومعارضين، أنها تؤيد وتدعم وحدة السودان الفيدرالية، وتضع كل خبراتها وتجربتها في هذا المجال في خدمة السودان، وشاركت بسخاء في الدفع باتجاه ''نيفاشا''، ولعبت دوراً حميداً في مفاوضات دارفور، وفي دعم قوات الاتحاد الإفريقي، ومدها بوسائل الاتصال والمواصلات الفنية· لذلك يبقى السؤال: ما الذي ستجنيه الحكومة السودانية من خلق هذه الأزمة في هذا الوقت بالذات؟ ربما كانت الإجابة الأقرب إلى الصواب ما قاله أحد المهتمين والمتابعين للشأن السوداني من أن الحكومة السودانية اعتادت على سياسة تصنيع الأزمات المفاجئة لصرف أنظار الناس عن أزمتها اليومية المستمرة في مواجهة القضايا الحياتية التي يعاني منها عامة الناس في السودان· فهذه الحكومة لم تبرع في شيء مثل براعتها في صناعة الأزمات لنفسها وللسودان·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©