الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مهى العتوم تخلق وطنها الشعري المختلف

مهى العتوم تخلق وطنها الشعري المختلف
30 أغسطس 2007 00:16
يُعتَبَر ديوان الشّاعرة ( مهى العتوم ) الجديد ( نصفها ليلك ) الصّادر مؤخّراً عن منشورات وزارة الثّقافة الأردنيّة الدّيوان الأكثر تطوّراً سواء على صعيد تجربة الشّاعرة الشّخصيّة، أو على صعيد التّجربة الشّعرية للمرأة الأردنيّة بشكل عام· فهي بهذه المجموعة، وبعد مجموعتها الأولى ( دوائر الطّين ) استطاعت أن تُراكم خبرتها المعرفية والفنّية، وأن تلج مناطق أخرى جديدة في الكتابة الشعرية، مناطق لم يكن شعر المرأة ليطولها من قبل، وكان يتمّ التّعامل معها باستمرار من باب ( المسكوت عنه )· سادن الغواية ( نصفها ليلك )، عنوان الدّيوان ربّما يقدّم لنا بعض المفاتيح لتأمّل تجربة مهى العتوم الجديدة· الضّمير المتّصل هنا إمّا يعود إلى الشاعرة أو يعود إلى القصيدة· وهو في الحالتين يصل بنا إلى النتيجة نفسها، حيث الشاعرة ينبوع لقصيدتها، والقصيدة صورة للشاعرة التي تكتبها· الليلك سادن الغواية يمتاز عادةً بكلّ معاني الفتنة والجمال، ولكنّه بالمقابل زهر غامض ومخبوء لا يقدّم نفسه إلاّ من باب التّورية· إنّه زهر جسور يباهي بطلّته السّاحرة أجمل الورد، ولكنّه في الوقت نفسه زهر حزين له عزلاته وشروده وألمه الكاسح· من هنا يمكن لنا أن نتتبّع خيط الجمال الرّهيف المحتَجَب الذي يلظم القصائد ويشدّها إلى خزانة أسراره بكلّ ما فيها من آلام وأحلام ونيران هائجة، تقول الشاعرة في قصيدة لها بعنوان ( اعترافات بينلوب ): ''النّساء يُخدّرن أجسادهنّ بوهم البطولة،/ والليل يفضح أحزانهنّ ···/ هنالك حزن يخصّ النّساءَ،/ إذا جرُؤت أن تقول به واحدة/ صُلِبت قبل عيسى على المائدة ···''· موقف الشاعرة لم يكن من قبيل المصادفة أن تجيء هذه القصيدة ( اعترافات بينلوب ) كفاتحة لقصائد الدّيوان، ذلك لأنّها تُعبّر عن موقف الشاعرة الذي سيتجلّى في جميع القصائد التّالية تقريباً! فالقصائد بصورة من الصّور هي بمثابة اعترافات صادرة عن تلك الرّوح القلقة الحائرة: ''ثلاثون ركضاً، ومسرح قلبي الصّغير يوازن بين الذين مضوا والذين يجيئون، يمنح دَور البطولة للحُبّ·'' إذن ثمّة مسرح مُعَدّ، وممثّلون يؤدّون أدواراً خاصّة بهم! أمّا المكان فهو هناك في قلب المرأة! أيّة سخرية سوداء تلك! أيّة خطيئة يرتكبها مجتمع بأكمله بحقّ ذلك الكيان الوديع الحالم! الشاعرة في هذه القصيدة ( وصب الخطى ) لا تكتفي بطرح حالة الحبّ المدّعاة التي تعيشها المرأة، ولكنّها تذهب بعيداً في اعترافاتها لتفضح حياة قائمة على الألاعيب والمؤامرات والتّنكيل: ''وطني ·· البرد، منذ ثلاثين ركضاً يلاحقني في زقاق الطّفولة· يسرق حلواي في العيد·'' إنّ هذا الوطن ( الشّعري ) هنا هو وطن حلميّ تستطيع الشاعرة عن طريقه أن تحصل على أسلابها المفقودة، وعلى رأس تلك الأسلاب حرّيّتها المشتهاة، ولكنّه وطن مؤقّت سرعان ما يتبخّر بتبخّر الحلم· عند ذلك يبرز الواقع القاسي بكلّ ما فيه من عنف· الصّوت الشّجيّ في قصيدتها ( هديل منفرد ) تصل الشاعرة ذروة وعيها، وذلك حين تعلن من خلالها الثّورة على العالم، ليس على الرّجل فحسب، وإنّما على ذاتها أيضاً· العنوان هنا يحيل القارئ إلى ذلك الصّوت الشّجيّ الذي تئنّ به الحمامة لحظة وحدتها، غير أنّ الشاعرة لا تكتفي بالقيام بدور الحمامة التي تتوحّد معها بعنصر الحزن، بل تتقدّم لتقلب الطاولة كما يقال: ''أودّع دور الضّحيّة في المسرحيّة، ثمّة دوران لا غير، امرأةٌ صنعَتْ عاشقاً قاتلاً ويصفّقُ كلّ الرّجال لها، وهنالك دور يمثّله رجلٌ يستفزّ الحضور لتمجيده''· تنتهي القصيدة بالتماعة قلّما نعثر عليها في الشعر الذي تكتبه المرأة العربية، ولا أقول في الشعر النّسوي، وهو المصطلح الذي يربط الشعر بجنس صاحبه، إذ إنّ مهى العتوم لا تنطلق في كتابتها من وجهة نظر جنسوية في الأصل: ''أنا خارج المشهد العبثيّ تماماً، وبين الجماهير قد أتسلّى بنزع قناعي''· بهذه الرّؤى الحادّة ينفتح الليلك على الجانب المتمرّد فيه، ويرقص برماحه الطّريّة رقصته الغامضة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©