الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أداة مسننة للاحتجاج على العالم

أداة مسننة للاحتجاج على العالم
6 فبراير 2013 21:21
محمد نجيم يعمد الدكتور حميد لحمداني في مؤلفه الجديد «نحو نظرية منفتحة للقصة القصيرة جداً: قضايا ونماذج تحليلية»، إلى تسليط الضوء على القصة القصيرة جداً بهدف محاولة رصد وتشييد معالم «نظرية منفتحة» خاصة بفن القصة القصيرة جداً، هذا الفن المعاصر بامتياز والذي استطاع في ظرف وجيز أن يفرض نفسه في عالم السرد ويتجاوز فن القصة القصيرة على الخصوص ويضاهيها أحياناً ويتمّيز عنها. ولا تروم الدراسة فصل القصة القصيرة جداً عن حضنها الجنيني السردي الممتدة جذوره في الرواية والقصة ثم القصة القصيرة، والأقصوصة، ولكنها حسب الأستاذ لحمداني: «تركز على الخصوصيّات التي استطاع من خلالها هذا الفن المعاصر أن يفرض نفسه في عالم السرد وخصوصياته وأبعاده الدلالية في سياق نشأته الحديثة، وارتباطه بالتراث وبلورته لتقنيات متميزة ووظائف جديدة ملائمة لشروط العصر الحاضر». رصد العلامات يتحدث المؤلف عن بعض الجهود العربية المشرقية السباّقة إلى معالجة نظرية القصة القصيرة جداً، والمساهمة في تعريفها وغيرها من الدراسات التي واصلت إلقاء الضوء عليها، في ظل تطور نماذجها الإبداعية، ورصد أيضا بعض الدراسات النقدية المغربية التي باشرت بشكل لافت، على مستوى العالم العربي، مناقشة طبيعتها ونشأتها ووظائفها والوسائل التقنية التي ابتكرتها من أجل توليد دلالات ومواقف معاصرة، تتجاوز أحياناً ما كانت القصة القصيرة مثلا تعبر عنه بوسائلها السردية الأكثر رحابة. وذالك من خلال مناقشته لهذه الجهود التنظيرية والنقدية السابقة وتحت عنوان: «نحو تشييد نظرية منفتحة للقصة القصيرة جداً»، يؤكد أن الغاية من تأليف هذا الكتاب هي: «صياغة نظرية للقصة القصيرة جداً لن تكون أبداً توصيفاً نهائياً وثابتاً لهذا الفن، وإنما هي رصد لأكثر العلامات المميزة له والمستخلصة في الدراسات التنظيرية والنقدية أو تلك التي التقطناها بدورنا من النماذج القصصية التي بدت لنا عاكسة بامتياز لواقع هذا الفن الحالي في العالم العربي. علماً بأننا حاولنا في مواقع كثيرة من هذا الكتاب أن نقدم نماذج تحليلية نرصد من خلالها أهم مميزات القصة القصيرة جدا، كالاختزال والتكثيف والمفارقة والإدهاش والمفاجأة وعرض الحالات والمواقف، وغيرها من الخصائص والعلاقات مع الفنون السردية والشعرية والتمثيلية والحكائية التقليدية. لذا لم تكن غايتنا هي تحويل كتابنا هذا إلى دراسة نقدية شاملة لفن القصة القصيرة جداً في العالم العربي أو في المغرب، وإنما هي بلورة التصور النظري في المقام الأول». والنظرية التي يتحدث عنها الباحث في هذا الكتاب هي صياغة مفتوحة على حاضر ومستقبل القصة القصيرة جداً جدا، ولذلك فهي مبنية على هذا الأساس ومنفتحة على كل تجدد محتمل يطرأ على هذا الفن، سواء على مستوى التقنيات السردية أم على مستويات الأبعاد الدلالية. مشيراً إلى أن دراسته تهدف إلى إعادة النظر في التعريف الذي كنا وضعناه منذ سنة 2005 لهذا الفن، في ظل ما طرأ من تطور وتنوع في نماذج القصة القصيرة جداً نفسها، وفي ظل الجهود النظرية الحثيثة التي قام بها بعض النقاد الشباب في المشرق والمغرب، كل ذلك من أجل تسهيل تمثُّل طبيعة هذا الفن ووظائفه الإبداعية والدلالية في زمننا المعاصر المتميز بالسرعة والتوتر، والبحث المحموم عن وسائل تعبيرية تضاهي الثورة الإعلامية الحديثة، معتبرا أنه لا يفصل بين محاولة تعريف القصة القصيرة جداً وبين صياغة نظرية منفتحة لها، فكلتاهما تحاولان القبض على مميزات هذا الفن وفهم طبيعته ووظيفته، وإدراك الفرق القائم بينه وبين الأشكال السردية الأخرى ورصد علاقته أيضا بأنماط الإبداع والتشكيل، علما بأن المحاولة التنظيرية تتوسع كثيراً في الكلام عن الخصوصيات والطبيعة المميزة والوظيفة التي يقوم بها فن القصة القصيرة جداً في الواقع المعيش . زمن النص الشبكي يقول المؤلف إنه «يصوغ تصوراً للقصة القصيرة جداً لا ينفصل عن سياق العصر الحالي بما يتميز به من توتر وقسوة وتزعزع القيم وتسارع الزمن والتحول المذهل في وسائط التواصل، وانتقال الإنسان من عصر التفكير الطبيعي إلى عصر اندماج الآلي والرقمي بالوظائف الذهنية الطبيعية. هذا العالم الجديد جعل القصة القصيرة جداً مؤهلة بقصرها الشديد ومرونة تشكلها الفني وإشارتها الفكرية والحديثة والوصفية الخاطفة للقيام بأدوارها الوظيفية والدلالية، محاولة بذلك مضاهاة سلطة الصورة والرسائل الإلكترونية القصيرة ودردشات الشاشة العنكبوتية، فضلا عن أنها استطاعت أن تعالج القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية ووقفت أحيانا كثيرة ضد غياب القيم وانتهاك حرية الإنسان وكرامته. والتقطت بمهارة الخبير الصور الدالة وكل اللحظات والمظاهر المحملة بالإشارات والمواقف الساخرة والأحلام والكوابيس والمآسي والتحذيرات المنقذة أحيانا من الضياع. مضيفا في فصل بعنوان «القصة القصيرة جداً في زمن النص الشبكي Cybertexte» أن دواعي إبداع القصة القصيرة جداً في الظروف الحالية التي يمرّ بها العالم العربي، وما يؤطرها من أزمات عالمية في المجالات السياسية والمعيشية والأمنية، تبدو محركا لتجسيد معالم المعاناة الفردية والجماعية بآليات فنية جديدة وأساليب من الكتابة المتمردة تدعونا للنظر إلى هذا الجنس القصصي، باعتباره رائداً بين الفنون السردية في مجال تأمل الواقع وإعادة تشكيله والاحتجاج عليه واجتراح مدلولات وتقنيات تعبيرية عالية الابتكار تتجاوز أنماط الكتابة السردية الواقعية التقليدية بأساليبها ومضامينها المطمئنة. فالقصة القصيرة جداً ليست وسيلة تسجيلية لواقع حياة هادئة، إنها أداة مسننة ومؤلمة للاحتجاج على أحوال العالم وتفكيكه وإعادة بنائه، كما أنها علامة على تمرد فردي لا يحتضن الواقع ولا يفرح به بل يتحداه ويحذر من كوارثه النازلة. القصة القصيرة جداً علامة على ضمير إنساني مكلوم ومتمرغ في آلامه في وحدة قاتلة، لأن الشهود الحاضرين والمتخاذلين عاجزون عن أداء واجب الشهادة. القصة القصيرة جداً برأي الدكتور لحمداني «مرتبطة من جهة أخرى بعصر النص الترابطي hypertexte والنص الشبكي cybertexte)، وهي لذلك تحاول بجميع الوسائل الفنية الممكنة أن تتكيف مع خصائص هذا العصر الجديدة، تلك التي تجعل من سهولة تداول مضامين الثقافة وسرعة الوصول إلى المعلومات غاية أساسية، دون إغفال الترابط بين النصوص والمعارف المختلفة، بحيث يكون القارئ ملماً بأكثر من خبرة في آن واحد، مؤكداً أن النتاج الأدبي في عصر الويب مثله مثل جميع التمظهرات الأخرى الموجودة فيه، يتجلى من خلال الربط بين الكلمات والصور والفقرات والموضوعات وبين هذه مجتمعة في لحظة واحدة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©