الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أسرار جديدة للخبراء العسكريين الروس في مصر

6 فبراير 2013 21:23
حلمي النمنم يفتح هذا الكتاب ملفاً لا يجوز أن يظل مغلقاً أو مسكوتاً عنه أكثر من ذلك، وهو ملف الخبراء والمستشارين العسكريين السوفييت في مصر، أثناء حرب الاستنزاف، والذين جاؤوا إلى مصر بناء على طلب مباشر من الرئيس جمال عبدالناصر أثناء زيارته السرية إلى موسكو في يناير 1970. الكتاب هو «ذات يوم في مصر» ويضم مذكرات عدد من هؤلاء القادة عن فترة عملهم في مصر، ونكتشف أن بعضهم جاء منذ سنة 1969 حتى اتخذ الرئيس السادات قراره في صيف 1972 بإنهاء عملهم، لكن ظل بعضهم في مصر يكمل مهامه حتى يناير 1973. أعد الكتاب سنة 1996 تمهيدا للاحتفال بمرور 30 عاما على هذه التجربة في سنة 1999 وجاءت المبادرة من هؤلاء العسكريين أنفسهم، كان الاتحاد السوفييتي قد انهار، لكن بقي هؤلاء جميعا يعتزون بتلك التجربة، رغم أن كلا منهم صار في دولة مغايرة بعد تفكيك الاتحاد السوفييتي، وكان دافعهم إلى ذلك أن المهمة كانت سرية في موسكو، وذهب احدهم بعد خروجه إلى المعاش يستخرج شهادة بخصوص هذه المهمة، فوجد أنه بسبب السرية لم يسجل عنها شيء في ملفه. واجب أممي الطريف أنهم يبدون اعتزازا بمهمتهم تلك وحبا لمصر، وأنهم قاموا بالمهمة باقتناع كامل فلم ترغم قيادة الجيش أو الأسلحة السوفييتية أي ضابط على السفر وكل منهم يشعر بأنه كأن يؤدي «واجبا أمميا» وأنه يساند شعبا صديقا هو الشعب المصري والعربي ضد العدوان الإسرائيلي. أهم ما في هذه المذكرات أنها كتبت بصراحة، حتى لو كان فيها شيء يمكن أن يكون مخجلا لصاحبه، وهم يتحدثون عن الأزمات التي واجهتهم في مصر، بدءا من الجو الحار، وأن المصريين لم يكونوا يسمحون لهم بشرب الخمور بينما هم اعتادوا ذلك، وأنهم كانوا يتعاملون مع جنود وضباط مصر ومعظمهم مسلم متدين، بينما هم كانوا على الأغلب ملحدين. تكشف الشهادات أو المذكرات عن معلومات كثيرة لا نعرفها نحن، منها أن إسرائيل والولايات المتحدة كشفتا العملية. وعرفتا أن هناك خبراء عسكريين من روسيا في مصر. حدث ذلك حين تبين للطيران الإسرائيلي أن سماء مصر لم تعد مفتوحة أمامه، وكان الطيران الإسرائيلي تمكن قبل ذلك من الوصول إلى نجع حمادي، وكان يخترق حاجز الصوت في القاهرة. وحدث أن التقط الرادار أهدافاً إسرائيلية تتحرك في سيناء وتعبر القناة، كانت أربع طائرات فانتوم، وما أن عبرت سيناء حتى واجهتها طائرتان مصريتان، كان يقودهما خبراء روس، وأسقطتا إحدى طائرات الفانتوم، فعادت الطائرات الباقية. تكرر المشهد، وقررت إسرائيل أن تعمل على خطف أي خبير أو مستشار عسكري سوفييتي، وأن يتم نقله إلى إسرائيل ومن هناك يتم الإعلان عن دليل عملي لوجود الروس في مصر، لكن الأمن المصري بالتنسيق مع القادة السوفييت والـ (كي. جي. بي) قرروا تحديد تحركات الخبراء السوفييت وأن لا ينزل أي واحد منهم بمفرده، وأن يخرجوا في أوقات وأماكن محددة. كان الخبراء في سلاح الجو والدفاع الجوي وفي القوات البحرية وفي المشاة، يرصدون طريقة تعامل الضباط المصريين مع جنودهم، وكانوا غير راضين عن تلك الطريقة لكن لم يكن من حقهم أن يتدخلوا في أمور ليست من اختصاصهم. وقد طلب الرئيس عبدالناصر أن يكون الخبراء غير مسيسين ولا منخرطين في العمل الحزبي، أي الحزب الشيوعي، حتى لا يؤثروا بأفكارهم على الضباط المصريين، وقد وعدت قيادة الاتحاد السوفييتي عبدالناصر بذلك، لكن لم يلتزموا بالوعد لأن الضابط في الجيش كان لابد أن يكون عضواً بالحزب الشيوعي ومنخرطاً في أحد أقسامه، ولما جاؤوا إلى مصر أنكروا ذلك تماماً احتراماً لرغبة الرئيس عبدالناصر. ويعترف احد هؤلاء بأن بعض الخبراء كان مهتما بجمع المال وكان هناك أمران: الأول أن بعضهم تمكن من تهريب صناديق من الفودكا الروسية، وكانت رخيصة الثمن في موسكو لبيعها في بعض محلات شارع الهرم. كان سعر الزجاجة وقتها ثلاثة جنيهات مصرية وهو مبلغ ليس قليلاً، وكان البعض الآخر يشتري بعض الحلي الذهبية من مصر، حيث كان الذهب رخيصاً في القاهرة لبيعها في موسكو حيث كان السعر مرتفعاً، وهذه كانت حالات فردية وليست ظاهرة عامة كما تحدث عنها الرئيس السادات فيما بعد. سحب الخبراء عاش الخبراء الروس في مصر الجديدة وفي مدينة نصر، وانتقل بعضهم إلى العمل في محافظة قنا وصعيد مصر، وزاروا بعض المناطق الشعبية في القاهرة، ويرصدون أنه رغم الحرب فقد كانت حياة المصريين ومعيشتهم افضل من نظرائهم في الاتحاد السوفييتي، حيث إن السلع كلها متوافرة وبأسعار رخيصة، لاحظوا أيضاً الفوارق الطبقية الحادة بين الأغنياء والفقراء في مصر بصورة لم تكن موجودة لديهم، مستوى الفيلات والشقق الخاصة للطبقة العليا في مصر، كان ينم عن ثراء حقيقي ورقي في الذوق العام. السفير السوفييتي في مصر وقتها فينو جرادوف كتب مقدمة لهذا الكتاب ذكر فيها أنه بعد 15 مايو 1971 لاحظ أن التعامل معهم لم يعد كـما كان زمن الرئيس عبدالناصر، لذا اقترح في عام 1972 على قيادة الحزب الشيوعي القيام بسحب الخبراء من مصر، وكان يتوقع أن السادات سوف يطلب سحبهم بعد رصد اتصالاته بالولايات المتحدة. لكن بريجنيف لم يتحمس خوفاً على الصداقة مع مصر، ويذكر أن السـفير البريطانـي في القاهرة قابله وقتها وقال له: كنا مستعدين أن ندفع أي شيء، لإخراج الخبراء الروس من مصر، ولكن بعد خروجهم لم يعد هناك حماس ولا هدف لبذل أي جهد في الصراع العربي - الإسرائيلي. الكتاب به الكثير من التفاصيل السياسية والعسكرية التي لم نسمعها من قبل، وبه أيضاً الكثير من التفاصيل الإنسانية للمقاتلين المصريين أثناء حرب الاستنزاف، وإذا تذكرنا أن تلك الفترة باتت منسية في مصر ولا أحد يتحدث عنها أو يكشف أسرارها أدركنا أهمية هذا الكتاب. بقي القول أن هؤلاء الخبراء شكلوا رابطة باسمهم في روسيا، وقد احتفلت هذه الرابطة سنويا بذكرى حرب أكتوبر 1973 ويرون أنهم شاركوا في الإعداد لهذه اللحظة، والمهم أنهم يطلقون عليهم في وزارة الدفاع الروسية اسم «المصريين».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©