الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التوأم والحب

التوأم والحب
12 ابريل 2009 21:56
رافقنا والدتي في سفرها للعلاج خارج الدولة. ولأول مرة في حياتنا – أنا وأختي التوأم – تتاح لنا فرصة الاحتكاك بالعالم الخارجي والاختلاط بالناس، فنحن من عائلة محافظة ولا تسمح ظروفنا الاجتماعية بأي شكل من أشكال الاختلاط. أنا وأختي توأمتان، جئنا إلى هذه الدنيا معاً، وعشنا بالرحم نفسه تسعة أشهر، ولكن الغريب هو أننا لسنا كبقية التوائم، فالمعروف هو أن التوائم تكون متشابهة في الشكل، أما أنا وأختي فأننا مختلفتان في كل شيء، في الطباع والسلوك والعادات اليومية والمواهب، حتى في الشكل.. فنحن مختلفتان تماماً في الملامح، ولكن الشيء الوحيد الذي يجمع بيننا هو الجمال، فنحن جميلتان بشكل مميز وواضح. أنا بيضاء ممتلئة بعض الشيء، عيناي ملونتان، أما أختي فهي تميل إلى اللون الحنطي، شعرها أسود وعيناها بنيتان، أنا خجولة بطبعي، وهي جريئة، أنا مطيعة راضية بكل شيء، وهي متمردة، لا يعجبها العجب. عندما سافرنا مع والدتي في رحلة العلاج، بهرنا العالم الخارجي، كنا مجرد مراهقات في المرحلة الثانوية، وكانت التجربة مثيرة ومدهشة وتحمل الكثير من المفاجآت الغريبة. في المستشفى تعرفنا إلى عائلة من بلدنا، شاب وأخته جاءا برفقة أمهما المريضة، كان الشاب جميلاً ووسيماً، استحوذ على اهتمامنا أنا وأختي، فكل واحدة منا سرحت بخيالها بعيداً عن الأخرى وهي تحلم بأن يكون هذا الشاب من نصيبها، خصوصاً وأن لديه مميزات لا تتوافر في شاب واحد، فهو جامعي ومن عائلة معروفة وغنية، بالإضافة لشكله الوسيم الجذاب، وشخصيته المتألقة والساحرة التي تليق بفنان. بالطبع لم تصارح إحدانا الأخرى بتلك الأفكار لوجود الغيرة والمنافسة بيننا، منذ الطفولة لم نكن متفقتين في شيء، وقد سادت الصراعات الخفية بيننا، وكنت أفهمها جيداً وأعرف كيف تفكر، وهي أيضاً تفهمني تماماً. بعد أن تحسن حال الوالدة، وقد نجحت العملية التي أجريت لها، عدنا إلى البلد، وكان طيف ذلك الشاب مرافقاً لنا، كأجمل ذكرى حملناها معنا إلى الوطن. الرغبة المشتركة كانت أمي تتصل بأم الشاب لتطمئن على أحوالها، وكان ذلك الاتصال المهم يجعلنا نوقف التنفس كي لا يفوتنا سماع كلمة واحدة أو تعليق قد تقوله الأم، ويحمل بين طياته تلميحاً يتعلق بما كنا في انتظاره. بصراحة كنت أتمنى من كل قلبي أن يكون هذا الشاب من نصيب إحدانا، فإن كان من نصيبي فسأكون أسعد مخلوقات الله على هذه الأرض، أما إذا كان من نصيب أختي، فسأسعد لسعادتها وسيكون أخاً عزيزاً لي. أخيراً عادت أمه من سفرة العلاج بعد أن تحسنت حالتها الصحية بشكل كبيرة، ذهبنا لزيارتها والتحمد لها بالسلامة، فبهرتنا فلتهم وأثاثهم الفخم وسياراتهم الفاخرة، فشعرنا بشيء من الإحباط، فلابد لهذا النوع من الناس اختياراتهم الخاصة عند اختيار زوجة لولدهم، بالتأكيد سيقع اختيارهم على فتاة من مستواهم أو أعلى، هذا هو المنطق، لذلك عدنا من تلك الزيارة محبطتين، على الرغم من الحفاوة الزائدة التي استقبلتنا بها الأم. بعد مدة بسيطة اتصلت تلك المرأة بوالدتي وأخبرتها بأنها تريد زيارتنا في بيتنا، وعلى الرغم من أننا اعتقدنا بأن الزيارة عادية، وهي رد فعل طبيعي على زيارتنا لها، إلا أننا قمنا بعمل خارق لتعديل وترتيب بيتنا كي يبدو بأفضل حال لاستقبال تلك المرأة. في الموعد المحدد جاءت المرأة وهي محملة بباقات الورد وصواني الحلويات، وقد حرصنا أنا وأختي على الظهور بأجمل ما يمكن كي نلفت انتباهها، وقد فاجأتنا المرأة بالتلميح الواضح والصريح بإعجابها بأخلاقنا أنا وأختي، وإنها تريد واحدة منا زوجة لولدها. صعقتنا المفاجئة، وقد بدأت ضربات قلبينا بالطرق قوياً، فهي اللحظة التي ستحدد فيها المرأة الاختيار فيما بيننا. تحدثت قائلة: فكرت طويلاً، وتحدثت مع ولدي عن فكرة الاختيار بينكما، فكان الأمر بغاية الصعوبة، لأن كل واحدة منكما أفضل من الأخرى في مميزات معينة، وقد توكلنا على الله، وقررنا اختيار «فلانة»، وبالطبع فهذا الاختيار قد وقع علي أنا. في تلك اللحظة، لم تسعني الأرض من الفرح، ولكني حاولت إخفاء مشاعري كي لا تظهر بوضوح أمام المرأة، فأبدو كالبلهاء المتلهفة على الزواج، أما بالنسبة لأختي فإنها صارت صفراء شاحبة كمن أطلق عليها النار. تحقيق الحلم تمت مراسم الخطبة، وتم عقد قراني على فارس الأحلام، وقد كانت سعادتي أكبر من تفكيري بتعاسة أختي وشعورها بالإحباط. بعد عقد القران، صار خطيبي يأتي لزيارتنا، فطلبت أمي من أختي بأن تجلس معنا أثناء وجوده حتى لا تحدث الخلوة بيننا، حاولت أختي التملص من هذا الأمر بأي شكل، ولكنها لم تفلح، تعللت بحجة المذاكرة والامتحانات، ولكن أمي قالت لها: أحملي كتابك معك وأجلسي معهما من دون أن تشاركيهما الأحاديث وركزي على دروسك، فلم تجد مفراً من الجلوس على مضض وهي منزعجة وغير راضية. أنا خجولة بطبعي، لا استطيع المبادرة بالحديث ولا يمكنني التعبير عن أفكاري بسهولة، عكس أختي التي تملك الجرأة والقدرة على التحاور. فكنت أجلس وعيناي في الأرض، وكان هو يتكلم وأنا أجيبه بكلمات قليلة تخرج من فمي بصعوبة بالغة، عندما وجدت أختي بأن الفرصة متاحة لها لإبراز مواهبها، لم تقصر في المشاركة بأحاديث مختلفة، فكنت مرتاحة لأنها استطاعت تبديد التوتر. في البداية كان الأمر عادياً، ولكن الأمر تطور بسرعة على الوجه السيئ، فقد صارت أختي تجهد نفسها بقراءة الكتب التي يحبها خطيبي كي تجد مواضيع مشتركة للحديث عنها، ثم صارت تتزين وتتعدل بشكل مبالغ فيه حتى تلفت انتباهه إليها، حتى وجدت نفسي أجلس منعزلة كالبومة وهما يتحدثان ويضحكان ويتعمدان تجاهلي وكأنني غير موجودة في المكان. كنت أتعذب وأبكي، ولا استطيع أن أمنع أختي من أفعالها، أخبرت أمي بما يحدث ولكنها طمأنتني وطلبت مني إبعاد الوساوس واكتفت بتوبيخ أختي بكلمات قليلة. الصدمة الكبرى مرضت بسبب ذلك الوضع، ومررت بفترة عصيبة من حياتي أوصلتني إلى حافة القبر، بعد أن عافت نفسي الطعام، ونزل وزني بشكل سريع حتى تحولت إلى هيكل عظمي مخيف، فأدركت أمي بأن الوضع قد أصبح سيئاً، فطلبت أم خطيبي لتتحدث معها حول المشكلة، وبالطبع فإنها صارت تعنف أختي وتسمعها كلاماً جارحاً قوياً، ولكن أختي لم تكترث، وأصرت على التواصل مع خطيبي بالمكالمات الهاتفية، وهي غير مكترثة لما فعلته بي. كان من المقرر أن يكون زواجنا بعد نهاية السنة الدراسية، ولكنهم طلبوا التأجيل بلا سبب واضح، مما زاد في قناعتي بأن موقفه قد تغير مني، فازدادت حالتي النفسية سوءاً فلم استطع النوم لا في الليل ولا في النهار، مما أثر على دراستي، فرسبت في امتحان الثانوية، أما أختي فقد نجحت بنسبة مئوية مرتفعة. بعد إلحاح من أمي للتفاهم مع والدته، واعتذاراتها المستمرة، جاءت أخيراً لزيارتنا، وكان لونها ممتقعاً وتبدو محرجة للغاية، فأخبرت أمي بأن ولدها قرر التراجع عن خطبتي واستبدالي بأختي. ثارت أمي وأخبرتها بأن ذلك التلاعب سيحطم سمعتنا بين الناس وسيقضي علي وإنه من الأفضل أن ينسحب من حياتنا لأنه أساء إلينا بشكل كبير. بعد أن تم طلاقي، عشت الأزمة النفسية الكبرى، وصرت كالمجنونة، تطاردني الوساوس والأشباح، وبقيت لفترة طويلة في المستشفى أتلقى العلاج الجسدي والنفسي، بالإضافة للعلاج الروحي للمعالجين بالقرآن الكريم، حتى تحسنت حالتي وعدت إلى الحياة مرة أخرى. بعد أن مرت تلك الأزمة القوية عدت للدراسة وأنهيت الثانوية، وكنت على وشك دخول الجامعة، تقدم لخطبتي شاب من معارفنا فوافقت عليه وتزوجته، وقد اكتشفت بعد الزواج بأن ربي كافأني بهذا الزواج لصبري في محنتي الصعبة التي مررت بها، فقد عرفت بأن زوجي إنسان لطيف وطيب وهو يحبني ويعاملني كأميرة، فشكرت ربي كثيراً على هذه النعمة. حياة متعبة ظلت أختي ترفض كل من يتقدم لها على أمل أن يوافق الأهل على زواجها من خطيبي السابق ولكنهم رفضوا، فمرت السنوات سريعاً، وقد اقتربت من سن الثلاثين، بشكل غير متوقع عرفت بأنه قد تزوج، فصدمت صدمة شديدة، ولكنها تماسكت ولم تظهر حزنها كي لا نشمت بها. بعد أن توقف الخطاب عن طلب يدها، اضطرت للموافقة على الزواج من رجل مطلق ولديه أولاد، حاولت أن تجهد نفسها كي تكون الأم البديلة لهم، وعلى الرغم من كل ما فعلته إلا إن الأولاد ظلوا يعاملونها كزوجة أب، ولا يمنحونها الحب والاحترام، فكانت تعاني معاناة شديدة من ذلك الوضع السيئ، وقد ندمت ندماً شديداً على هذا الزواج، ولكنها كانت تصبر نفسها على أمل أن يرزقها الله بطفل يعوضها بالحب والحنان الذي تفتقده، بعد سنتين من الزواج، اكتشفت بأن زوجها كان مبيتاً لنية خبيثة بداخله، فهو لا يريدها أن تنجب الأطفال حتى لا يؤثر ذلك على علاقتها بأولاده، وتبقى متفانية في العناية بهم نتيجة لشعورها بالنقص وبأنها لا تنجب الأطفال، ولكنها اكتشفت بطريق الصدفة بأن زوجها قد أجرى عملية ربط كي لا ينجب الأطفال، فصدمت صدمة شديدة وطلبت منه الطلاق. عاشت لفترة وهي محطمة نفسياً نتيجة لتجربتها الفاشلة في الزواج، وكعادتها في التكابر ومقاومة الفشل، تماسكت مرة أخرى وأعلنت بأنها ستتزوج من ابن عمنا، وقد كان راغباً في الزواج منها لسنين طويلة وقد رفضته عدة مرات فتزوج غيرها وأنجب عدداً كبيراً من الأبناء، تزوجته لتنجب طفلاً كي تعيش حياتها وحيدة، وبالفعل فقد حملت بعد الزواج مباشرة ونتيجة للمشاكل الكثيرة التي افتعلتها زوجته طلبت أختي الطلاق، وكأنها لم ترد من ذلك الزواج إلا الإنجاب، فطلقت للمرة الثانية، وانتظرت مجيء الطفل برغبة قوية ولكن شاءت إرادة الله أن يموت الطفل في بطنها قبل ولادته مباشرة. لم تستطع بعد هذه الصدمة أن تتظاهر بالتماسك وعاشت مرحلة كئيبة جداً من حياتها، وقد أدركت بأن كل ما مرت به هو عقوبة عادلة لما فعلته معي، فجاءتني وهي تبكي وتطلب مني مسامحتها، فسامحتها، لأنها أختي، ولأن ربي عوضني بحياة أسرية مستقرة مع زوج محب وطيب وأولاد رائعين، فدعوت لها بأن يوفقها الله ويغفر لها. كنت قلقة عليها، أفكر بها، كيف ستعيش لوحدها بعد وفاة والدتي، وكيف ستواصل أيامها بعد كل ذلك الفشل الذي وجدته في حياتها، فصرت ألح بالدعاء لها باستمرار. بالصدفة التقت بخطيبي السابق، فوجدته مطلقاً هو الآخر، فعرض عليها الزواج، ولكنها كانت خائفة، خائفة من عدم رضاي عليها بعد كل ما حدث، فجاءتني وأخبرتني بالأمر فشجعتها على الموافقة والتوكل على الله، وأكدت لها بأنني لم أعد غاضبة منها، وأن الرجل لا يعني شيئاً على الإطلاق، وأن الموضوع كله مقدر ومكتوب. اقتنعت برأيي وتزوجته وأنجبت منه طفلتين جميلتين، وقد تحققت لها السعادة أخيراً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©