الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العدالة الدولية··· دروس من مذابح رواندا

العدالة الدولية··· دروس من مذابح رواندا
12 ابريل 2009 22:15
على غرار محرقة اليهود وغيرها من الفظاعات التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية، مازال حجم مجازر الإبادة الجماعية في رواندا، وما أعقبها من مشاعر الخزي المتولدة عن وقوف العالم متفرجاً، يصدم العقول ويشيب لهولها الولدان· فقبل خمس عشرة سنة تأبط الرجال والنساء فؤوسهم وانخرطوا في عملية قتل جماعي لمئات الآلاف من جيرانهم، وفيما كان العالم يقف مشدوهاً وعاجراً عن الحركة كانت مائة يوم كافية لإزهاق الآلاف من الأرواح أصبحت فيما بعد مادة خصبة أوحت بالعديد من الكتب والأفلام، لكنها أيضاً حفرت ندوباً عميقة في الضمير العالمي، ما أدى إلى إطلاق حملات دولية تدعو للتدخل وإيقاف العنف مثلما هو الحال اليوم في بعض المناطق· ومع ذلك يبقى التأثير الأهم لمجازر الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا واضحة في مجال العدالة الدولية وحفظ السلام، حيث شرع القضاة والمحققون والمدعون العامون والنشطاء سواء في لاهاي، أو باقي الأماكن في رفع قضايا ضد أمراء الحرب وزعماء الأنظمة السلطوية لمحاكمتهم وتقديمهم أمام العدالة، كما أن المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي أصبحت أكثر حضوراً من ذي قبل من خلال قوات حفظ السلام الدولية التي يتم إرسالها إلى مناطق الحروب والاضطرابات مثل دارفور وجمهورية الكونجو الديمقراطية مع تخويلهم التفويض المناسب الذي يتيح لهم حماية المدنيين والتدخل عند الحاجة· لكن هل يمكن الاعتماد على جهود حفظ السلام الدولية ومساعي إحقاق العدالة كرادع ضد الطغاة؟ ومع أنه من الصعب إعطاء إجابة شافية، يرى العديد من المراقبين في مجازر رواندا المنعطف الحاسم في تاريخ البشرية وفرصة لتغيير الكثير من التصورات· وفي هذا الإطار يقول ''ريتشارد ديكر'' الذي يرأس البرنامج الدولي للعدالة بمنظمة ''هيومان رايتس ووتش'': ''علينا أن نتحلى ببعض التواضع والواقعية فيما يتعلق بالتوقعات المنتظرة، لكن ما شهدناه من نماذج مؤخراً مثل اعتقال الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسفيتش، والزعيم الليبيري السابق تشارلز تايلور يشي بتنامي تيار مهم وإن كان مازال في بدايته يقطع مع مسألة الإفلات من العقاب التي كانت في السابق''· ومع أن جرائم الحرب قد تتكرر في مناطق أخرى تندلع فيها الحروب مثل أفغانستان، إلا أن هناك مؤشرات تدل على تبلور معايير جديدة تمنع من ارتكاب تلك الجرائم، حيث أظهرت التقارير القادمة من أفغانستان أن أمراء الحرب بدؤوا يلقنون مليشياتهم التمييز بين التصرفات السليمة في الحرب من غيرها حتى يتوافق سلوكهم مع معاهدة جنيف، وهو أيضاً ما يلاحظ في جمهورية الكونجو الديمقراطية التي حظرت تجنيد الأطفال في الحروب، ناهيك عن أن اعتقال أمير الحرب الكونجولي ''توماس لوبانجا'' في شهر يناير الماضي وما يبعــث به ذلـــك من مؤشرات واضحـــة مؤداهـــا أن استخدام الأطفال كجنود في المعارك يعد جريمة تحت القانون الدولي قد تؤدي إلى الملاحقة القضائية· وبالنسبة للباحث في شؤون العدالة الدولية ''جون بانديرجاست'' كسرت مجازر رواندا حالة اللامبالاة الدولية التي كانت منتشرة خلال سنوات التسعينيات وأعطت زخماً لحركة مناهضة جرائم الإبادة على الصعيد الدولي والتي دفعت قادة الدول والوكالات الأممية، فضلا عن محكمة الجنايات الدولية إلى اتخاد تدابير تحول دون تطور المجازر إلى الحجم الرهيب الذي وصلته في رواندا· وفي هذا السياق يقول ''بانديرجاست'' موضحاً تفاؤله ''إن أحد أهم التطورات في القانون الدولي منذ محاكمات نورمبرج كان إقامة محكمة الجنايات الدولية، ومع أن بعض المتورطين في جرائم الإبادة مازالوا يفلتون من العقاب، إلا أن تغيراً ملحوظاً بدأ يطرأ لجهة ردع كل من تسول له نفسه السماح بارتكاب جرائم إبادة جماعية، لا سيما بعد المحاكم الخاصة برواندا ويوغوسلافيا وسيراليون التي أقيمت في الفترة السابقة والاتجاه العام نحو إقرار مبدأ المحاسبة الجنائية''، ويؤكد الباحث أيضا أن تأثير مجازر رواندا بدأ يُحس فعلا في مناطق أخرى من العالم تشهدأعمال عنف مستمرة تسببت في قتل الآلاف من المدنيين· لكن البعض الآخر ممن يدافعون على العدالة الدولية يجادلون بأن ما تحقق من تقدم في هذا المجال مازال بطيئاً، ولا يرقى إلى المستوى المطلوب، مشيرين إلى تسرع المدعين العامين في محكمة الجنايات الدولية في وصف الصراع الدائر في دارفور بمجازر الإبادة، فضلا عن تقاعس الدول الكبرى عن متابعة التزاماتها والتقيد بها· وفيما تشارك العديد من الدول في عمليات حفظ السلام بالمناطق المضطربة، إلا أن تلك القوات تبقى ضعيفة التسليح· ويعبر عن هذه الصعوبات، التي تعترض عمل العدالة الدولية وتعيق تحقيقها على أرض الواقع ''جوييوم لاكاي''، الموظف السابق في بعثة الأمم المتحدة إلى الكونجو قائلا:''بعد مرور 15 عاماً على مجزرة رواندا، ورغم الاستخدام المتكرر لكلمة مجازر الإبادة الجماعية، إلا أني لا أعتقد بأن المجتمع الدولي يتابع فعلا التزامه بوقف المجازر''، مضيفاً أنه ''من حيث المبدأ تبدي العديد من الدول استعدادها لإرسال جنودها في إطار مهام حفظ السلام الأممية، لكنهم في الواقع يعجزون عن الوفاء بالتزاماتهم تجاه المناطق المضطربة ويفشلون في حماية المدنيين وتدريب قوات الأمن المحلية''· سكوت بالدوف-جنوب أفريقيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©