نساء البدايات

وأنتَ ترحل، من مكان إلى آخر، ومن مدينة إلى أخرى، ومن حيٍّ إلى غيره، ليس بوسعك أن تتغافل عن الناس من حولك، رجال ونساء وأطفال· ولعل النساء هنَّ الأكثر تأثيراً في عالم الرجال من غيرهن؛ فالمرأة تضع إصبعها في روحك سواء تريد إغضابكَ أم إسراركَ، سواء تقول لكَ: أُحبُّك أم أكرهُكَ، إنها تحفر فيكَ كيانها ووجودها لتحوز لها مكاناً في سجادة ذكرياتك وعلى نحو تلقائي في غالب الأحيان· من النساء من تبدأ عليكَ الحرب لترميك بصفات أنتَ في حلٍّ منها، ومن النساء من تصفك بأجمل الكلمات، وكلا النموذجين يسعى إلى السكن في قلبك وعقلك وروحك وكيانك وسنوات عمرك· النساء، كل النساء، يعشقن البدايات، لكنهنَّ يكرهن النهايات حتى لو قررَّن وضع نهاية ما لقصة حبٍّ أو رحلة مع زوج أو رفقة مع رجل· يغيب الرجل عنهنَّ كشخص، لكنه في حضور دائم قائم الأثر في سرائرهن إن لم يكن في حديثهن اليومي مع زميلات أو أخوات أو صديقات أو في لحظات النجوى من النفس· البداية التي تخلقها المرأة مع رجل ما هي أصيلة في خلقها، جميلة في كيانها، مثيرة في حراكها، فتترك في وجدان الرجل قيما جديدة، وعندها تكون المرأة خالقة لقيم عاطفية مشوبة بما لديها من أنوثة وجمال ورقّة وحس رحماني نادر حتى لو انقلبت علىْ من منحته كل تلك المعاني النبيلة رأساً على عقِب في يوم ما· في هذه المنافي التي عشتُ فيها بين دول المشرق والمغرب العربية، ما كانت علاقتي بالمرأة عابرة أو قشرية أو سطحية؛ فعلى الصعيد الجامعي كنتُ أُدرِّس نحو 200 طالبة جامعية، وعلى الصعيد المهني الإعلامي أنا على صلة مع نحو 50 امرأة، وعلى الصعيد الحياتي العام لي أقل من ذلك· من بين كل هذا العدد من النساء هناك نساء البدايات اللواتي ما زال وجودهن مرقوماً في صفحات الذاكرة، منهنَّ من نحتت اسمها على جبين القلب ومضت، ومنهنَّ من حطَّمت هذا القلب ليصير عليلاً بطئ النبض وما زالت شاخصة الأثر دامعة العين على ما فعلت، ومنهنَّ من أجهزت على قلبها لترميه بالخيانة· الأجمل لدى بعض النساء تلكَ التي سافرت إلى فرانكفورت وعادت لتقول: (كيف كانت أيام صيفكَ؟)، والثانية التي سافرت إلى روما وعادت لتقول لكَ: (شخبارك؟ تركتُ لكَ في روما وردة باسمك)· العنوان البريدي: rasmad8@hotmail.com