الصحة العالمية تسمح باستخدام مبيدات دي·دي·تي

بعد سلسلة طويلة من الحملات الهادفة إلى الحدّ من استخدام مبيدات الـ''دي·دي·تي'' وغيرها داخل المنازل السكنية وفي الأراضي الزراعية، تراجعت منظمة الصحة العالمية عن قرارها السابق ولجأت أخيراً إلى تشجيع استخدام ''دي·دي·تي'' في المناطق المأهولة، بعدما أثبتت الدراسات العلمية أن هذه المبيدات تساهم بشكل كبير في منع الإصابة بالملاريا· إلا أن المنظمة حذرت من اللجوء إليها للتخلص من الحشرات خارج المنزل أو لحماية المزروعات، إذ تبيّن أنها تضرّ بصحة الكائنات الحيّة وحتى النباتات بشكل تراكمي، فما هو سبب هذا التغير ولماذا العودة بل النصح باستعمالها؟· كانت مبيدات ''دي·دي·تي'' تعتبر، في القرن التاسع عشر وما سبقه، وسيلة مثالية للقضاء على الحشرات ولمكافحة الأوبئة التي تنقلها، ولكن هذا المفهوم بدأ يتبدّل تدريجياً، ولاسيما بعدما أثبتت عالمة البيئة ''راشيل كارسوف'' في كتابها ''الربيع الصامت'' مضار هذه المواد، وكان ذلك في بداية الستينات· منذ ذلك الحين، بدأت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بنشر برامج للتوعية حول مخاطر الـ''دي·دي·تي'' حتى أنها نجحت في تقليص نسبة استخدامها رغم كلفتها المتدنية وفعاليتها الكبيرة، لتعود وتكتشف بعد سنوات طوال من الدعاية المضادة لها، ان لها إيجابيات كثيرة· في مؤتمر استوكهولم عام ،1998 حذرت المنظمة من استخدام هذه المبيدات، ونص البيان الصادر عن المؤتمر على ضرورة منع إنتاج واستخدام الـ''دي·دي·تي''، إلا من قبل بعض الأطراف القليلة التي تحظى بموافقة الدول، والتي تدرك جيداً كيفية الاستخدام المثالي لها، من دون تعريض البيئة أو الصحة للخطر، كما اقترح البيان وجوب تنشيط الأبحاث والتجارب لايجاد مواد بديلة وغير مضرّة للـ''دي·دي·تي''· يبدو حالياً أن عودة استخدام الـ''دي·دي·تي'' مرتبطة بشكل أساسي، بقدرتها على تقليص نسبة انتقال الملاريا وانتشارها، وذلك لأن هذه المبيدات تستطيع أن تقتل الفيروسات المسؤولة عن نشر الملاريا بشكل فعال· عندما يتم رشّ المبيدات داخل المنزل وعلى الجدران، تتم السيطرة الكاملة على الحشرات وإبادتها، حتى أنها تمنع دخولها إلى المنزل، ووفقاً لتوصيات المنظمة المختصة، فيجب رشّ المبيدات كل ستة أشهر، خصوصاً أنها لا تؤثر سلباً على صحة الإنسان، وإن سرت شائعات تقول إن هذه المبيدات قد تتسبب بأمراض تناسلية خطيرة، ولكن هذه الأخبار عارية عن الصحة حتى الآن· توضح منظمة الصحة العالمية أن عملية رشّ المبيدات يجب أن تجري وفقاً للأسس والقواعد العلمية الدقيقة لكي تكون نتائجها مضمونة، وتشير إلى ضرورة تجربة فاعليتها من وقت إلى آخر، ولاسيما أن بعض الحشرات تضاعف من مناعة خاصة ضد هذه المبيدات· وعلى صعيد آخر، يبدو أن مبيدات الـ''دي·دي·تي'' تبقى منتشرة في الجو لمدة 12 سنة إذا ما تمّ رشّها خارج المنزل، وذلك قبل أن تختفي تماماً، كما أنها تؤثر بشكل سلبي على الطيور والكائنات الحيّة وتتسبّب لها بأمراض داخلية وشكلية، وهي ليست مثالية للمزروعات· وتجري المنظمة حالياً حملات توعية لترشيد استهلاك الـ''دي·دي·تي'' وتبيان إيجابياتها وسلبياتها· وبالعودة إلى مجريات التاريخ، يتبين بوضوح أن مبيدات الـ''دي·دي·تي'' كان لها دور إيجابي جداً في الحدّ من انتشار الملاريا، ففي سيريلانكا مثلاً تشير الاحصاءات إلى أن حالات الملاريا كانت تتجاوز الثلاثة ملايين قبل العام ،1948 ولكن بعد استخدام الـ''دي·دي·تي'' تقلصت إلى 17 حالة فقط بحلول العام ·1963 وفي بعض الدول الإفريقية، حيث تنتشر الملاريا بشدة، استطاعت مبيدات الـ''دي·دي·تي'' أن تشكل الحلّ المثالي لهذه المعضلة، فقد انخفضت نسبة الاصابات بالملاريا، في زانزيبار من 70 في المئة عام 1958 إلى 5 في المئة عام ،1964 ولكنها عادت وارتفعت إلى 50 في المئة عام 1984 بعدما حظرت الحكومة استخدام المبيدات بناء على توصيات منظمة الصحة العالمية· ولعل هذه الأمثلة وغيرها الكثير تُعتبر من الدوافع الأساسية التي جعلت منظمة الصحة العالمية تعيد النظر بموضوع استخدام مبيدات الـ''دي·دي·تي'' وتقوم بحملات دعائية واسعة للتشجيع على إعادة استهلاكها، على أمل ألاّ يكون لها أيه أضرار ونتائج سلبية على الصحة العامة·