الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

العمالة الآسيوية ضحيّة الموضة العالمية

العمالة الآسيوية ضحيّة الموضة العالمية
31 أغسطس 2007 23:31
في بعض عواصم الموضة العالمية، تغصّ واجهات المحال التجاريّة المشهورة بالكثير من الملابس الجميلة من أحدث الصيحات، التي تجذب إليها الكثير من الزبائن وتلبّي حاجاتهم المختلفة كل حسب ميزانيته، ولكن، ما لا يعرفه زائرو دور الأزياء هذه أنّ هذه الامتيازات المتعددة التي تقدَّم لهم على طبق من فضّة، لانتقاء ملابسهم، تأتي على حساب شريحة واسعة من الذين يعملون في صناعة الألبسة في ظروف صعبة جداً بحيث يتمّ استغلالهم واجبارهم على العمل لساعات طويلة مقابل أجور ضئيلة، إلى جانب حرمانهم من سائر حقوقهم التي تنصّ عليها اتفاقيات ومنظمات العمل العالمية، علماً بأن هؤلاء العمال غالباً ما يكونون من دول فقيرة في آسيا أو افريقيا أو حتى في دول أميركا اللاتينية· ويجري تسليط الضوء حالياً على عروض الملابس الشعبية في بريطانيا والتي تدرّ أرباحاً ضخمة على الشركات الكبرى، فيما تُغرِق العمال في بنجلاديش بساعات العمل الطويلة من دون أجور متناسبة· ففي بنجلاديش مثلاً وحيث ظروف العيش في غاية الصعوبة نظراً للفقر المدقع الذي يخيّم على البلاد، يعمل كثيرون في مجال صناعة الملابس لثلاث مؤسسات عالمية : ''بريماك''، ''آسدا'' و''تيسكو'' التي تعاقدت مع بعض الوكلاء المحليين للحصول على كميات معينة من الملابس خلال أوقات محددة· في البدء، تعهّدت المؤسسات لهؤلاء بأنها ستحدد ساعات العمل الأسبوعية بشكل لا يثقل كاهلهم، وستدفع أجوراً معقولة تؤمن حياة الفرد منهم، ولكن، فيما بعد، تبيّن أن كل هذه الوعود المعسولة قد ذهبت مع الريح ليفاجأ العمال بظروف عمل قاسية جداً وبمدراء يسخّرونهم كالآلات، وفي حال رفضوا هناك إجابة وحيدة لاعتراضهم: الطرد، ولاسيما في ظل غياب اتحاد عمالي فاعل يستطيع أن يدافع عنهم· تحتل مدينة دكا في بنجلاديش المركز الأول في العالم من حيث تدني أجور اليد العاملة في قطاع الألبسة، وللمثال، فإن كبير العمال الذي يعمل لساعات طويلة وإضافية يتقاضى 2400 تكا بنغالية أي ما يقارب العشرين دولاراً في الشهر، في حين أنّ الحد الأدنى للأجور 3 آلاف تكا، إضافة إلى انّ أماكن العمل أو ''مصانع الألبسة'' كما يسمونها عبارة عن غرف صغيرة ومتلاصقة مصنوعة من خشب البابنبو وتمتد على مساحات واسعة وتضم آلاف العمال، وقد أدى اندلاع حريق كبير في احداها خلال العام الماضي، إلى وفاة ما يزيد على 100 عامل وإصابة المئات بحروق خطيرة، ولم يتم التعويض على عائلاتهم أو على المصابين لأنهم وببساطة يفتقرون إلى التأمين وإلى بطاقات الانتساب إلى الضمان الاجتماعي أو إلى اتحاد العمال· في جولة سريعة على بعض العمال الذين لا يجدون بديلاً عن العمل في مصانع كتلك سوى شبح البطالة يتبين أنّ جميعهم قد ملّوا هذه الأوضاع المزرية ويرغبون في التغيير لأنهم يدركون أنهم ضحايا لحيتان المال إلا أنهم لا يملكون الجرأة على الاعتراض أو لأنهم لا يجدون أحداً لمساعدتهم· ومن هؤلاء يتحدث ''نازول'' (24 عاماً) : ''أعمل نحو 80 ساعة في الأسبوع ولكنني لا أحصل سوى على 1800 تكا (15دولاراً) غير قابلة للزياد''· ويضيف أنه في حال أرادت إحدى الشركات العالمية الكبرى القيام بعرض لاغراء الزبائن ''اشتر قطعتين واحصل على الثالثة مجاناً، يقال لنا '' اعلموا جيداً، فنحن المسؤولون عن هذه القطعة الثالثة ونعمل لإنتاجها مجاناً، وإلا فإننا سنتعرض للتأنيب·· وإذا تركنا العمل فإن الآلاف غيرنا مستعدون ليحلوا مكاننا''· من جهتها، تقول ''فينا'' (23 عاماً) إنها عاطلة عن العمل، بعد أن تم طردها لاتهامها بالسرقة لأنها رفضت تلبية رغبات مديرها اللاأخلاقية، متسائلة: ''لقد فقدت عملي، ولكن لمَن أقدّم شكواي؟ ومَن سيمنحني فرصة أخرى للعمل؟''· أما ''سلمى'' (21 عاماً) التي تعيش مع والدتها وأختها الصغيرة في غرفة صغيرة مزرية، فتشير إلى أنّ راتبها لا يؤمّن لهن القوت اليومي، ولكنها إذا تمنّعت من الذهاب إلى العمل فإنها لن تستطيع تأمين هذا القوت أبداً· على صعيد آخر، يلفت المسؤولون في جمعية تجار ومصدّري الألبسة في بنجلاديش إلى أنّ الشركات الغربية تضع لائحة بشروط العمل وبوجوب تأمين حقوق العمال، إلا أنها لا تطبقها فهي ترسل مندوبين عنها ليستكشفوا أماكن العمل وحالات العمال، ''وعادة ما يأتي هؤلاء إلينا ليسألونا عن افتقار بعض غرف العمل للإنارة الكافية أو لوجود حمامات أو أماكن للاستراحة، ولكنهم يكتفون بمجرد السؤال ثم يرحلون، ماذا يتوقعون منّا؟ فنحن لا نملك المال للقيام بالإصلاحات المناسبة وإن رفضنا عروضهم فهم سيتوجهون حتماً إلى الصين''· من جهة أخرى، يتحدث ''كريس ماكان'' من ''آسدا'' قائلاً: ''لدينا سياسة واضحة إذا تم انتهاكها فسوف نحقق في الأمر، استغلال العمال أمر غير مقبول في شركتنا''· أما ''تيسكو'' فتعتبر أنّها قدمت الكثير من العروض الجيدة في متاجرها حول العالم، ولكنها في الوقت نفسه تدفع رواتب عالية عكس ما يشاع عنها· بدوره، يؤكد مدير العلاقات العامة في بريمارك ''جيف لانكستر'' ان الشركة تحاول قدر الإمكان رفع الحد الأدنى للأجور في بنجلاديش وسوف تحقق في هذه الخروق التي تهدد سمعة ''بريمارك''· ولكن رغما من هذه التصريحات الإعلامية التي تهدف إلى تحسين صورة المؤسسات المذكورة، فأن العمال في الدول الفقيرة المتخلفة ولاسيما دول جنوب شرق آسيا لا يزالون إلى اليوم يعانون بسبب ظروف العمل القاسية جداً التي يحتملونها رغماً عنهم، عسى أن تلوح في الأفق بادرة أمل لتتحرك إحدى الجهات العالمية لمساعدتهم، وقد يتساءل المرء لماذا أسست منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة، وأين حقوق العمال من هذه المنظمة وأمثلها؟'
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©