الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أبطال الحرية في آسيا.. آسيويون وليسوا أميركيين

أبطال الحرية في آسيا.. آسيويون وليسوا أميركيين
1 سبتمبر 2007 02:53
من المعروف عن الرئيس الأميركي جورج بوش عموماً عدم إلمامه بالتاريخ، غير أن ذلك لم يمنعه من استعمال التاريخ لتبرير سياساته وتعليلها، وآخر مرة قام فيها بذلك كانت خلال كلمة ألقاها على المحاربين القدامى الأميركيين ودافع فيها عن هدفه المتمثل في ''الاستمرار على النهج الحالي'' في العراق عبر الإشارة إلى عواقب الانسحاب الأميركي من الحرب في فيتنام· غير أن الخطأ في المقارنات التي عقدها بوش يكمن في إشارته إلى الحرب الكورية واحتلال اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، باعتبارهما قصتي نجاح في الجهود الأميركية لجلب الحرية إلى آسيا والعالم بصفة عامة! هل كان بوش محقاً في التباهي بدور الولايات المتحدة في منح اليابان وكوريا وغيرهما من البلدان في آسيا التي كانت تحت الحماية الأميركية، حريتها؟ قال بوش مخاطباً المحاربين القدامى: ''هل سيقاوم جيل الأميركيين الحالي إغراء وجاذبية الانسحاب، وهل سنفعل في الشرق الأوسط ما فعله المحاربون القدامى الموجودون في هذه القاعة في آسيا؟'' لكن ما الذي فعلته الولايات المتحدة في آسيا على وجه التحديد؟ الحقيقة أن السنوات القليلة الأولى من احتلال اليابان، شكلت بالفعل نجاحاً باهراً للديمقراطية· فبدلاً من مساعدة يابانيي النظام القديم على استرجاع نظامهم السلطوي، ساعدت إدارة الجنرال دوغلاس ماكآرثر الليبراليين اليابانيين على استرجاع مؤسساتهم الديمقراطية لفترة ما قبل الحرب وتحسينها· فمُنحت النقابات مزيداً من القوة؛ وحصلت النساء على حق التصويت؛ ودُعمت الحريات المدنية؛ وأُسقط الطابع الإلهي عن الإمبراطور الياباني الذي كان يجله ويقدسه اليابانيون من قبل· والفضل الكبير في هذا كله إنما يعود إلى اليابانيين أنفسهم والسياسيين المثاليين من ذوي الميول اليسارية في حكومة ماكآرثر الذين لم يتاوانوا عن دعمهم· غير أنه عندما سقطت الصين في أيدي شيوعيي ماو تسي-تونغ، وحصلت كوريا الشمالية على دعم الصين والاتحاد السوفييتي من أجل غزو كوريا الجنوبية، توقفت المثالية الديمقراطية في مساراتها، حيث تم إطلاق سراح مجرمي الحرب السابقين في اليابان؛ وحصلت الحكومات اليمينية التي تزعمها بعض مجرمي الحرب السابقين أنفسهم على دعم أميركي قوي· وهكذا، وبدلاً من أن يتم دعم الديمقراطية وتشجيعها، تم تحريفها وتشويهها بتشجيع أميركي قوي من أجل بقاء اليمين في السلطة وإقصاء اليسار· مما لا شك فيه أن للكوريين الجنوبيين الكثير من الأسباب لشكر الأميركيين؛ فتدخل الأمم المتحدة في الحرب الكورية، بزعامة الولايات المتحدة، هو ما منع ''الزعيم العظيم'' كيم إيل سونغ من بسط سيطرته على كوريا الجنوبية، ولو حدث ذلك ما كانت هذه الأخيرة لتنعم بالحرية والرخاء الحاليين· غير أن الديمقراطية الكورية الجنوبية لم تكن شيئاً منحته الولايات المتحدة للكوريين، أو حتى شيئاً كانت تشجعه دائماً· فمنذ أواخر الأربعينات إلى أواخر الثمانينات، تعاونت واشنطن، وأحياناً دعمت بقوة، الحكام السلطويين المناوئين للشيوعية الذين قبضوا على السلطة وعززوها عبر انقلابات دموية وقمعٍ للمعارضة· والأمر نفسه حدث في الفلبين وتايوان وإندونيسيا، وحتى الشرق الأوسط، حيث لم تترسخ جذور الديمقراطية بعدُ· فعلى امتداد الحرب الباردة، كانت الإدارات الأميركية تفضل الرجال العسكريين الأقوياء والحكام المستبدين المدنيين باسم محاربة الشيوعية؛ فكانت تلجأ إلى أي شيء لإضعاف اليسار، بما فيه اليسار الذي يُنظر إليه في الغرب باعتباره ليبرالياً· صحيح أن معظم الناس كانوا يفضلون العيش تحت حكم الرجال الآسيويين اليمينيين الأقوياء على العيش تحت حكم ماو أو بول بوت أو كيم إيل سونغ أو حتى هو تشي مينه· ولكن أنْ نَصف المواطنين تحت حكم زعيم كوريا الجنوبية بارك تشونغ هي، أو رئيس الفلبين فيرديناند ماركوس، أو جنرال إندونيسيا سوهارتو، أو زعيم تايوان تشيانغ كاي شيك··· بـ''الأحرار''، فذالك أمر مجاف للحقيقة· فالفضل في أن الكوريين والفلبينيين والإندونيسيين والتايوانيين تمكنوا من نيل حريتهم في نهاية المطاف، أو على الأقل أصبحوا أكثر حرية، لا يعود إلى الولايات المتحدة بقدر ما يعود إلى الشعوب التي ناضلت من أجل حرياتها بنفسها· أما الحكومات الأميركية، فلم تدعم الساسة الديمقراطيين والمتظاهرين في سيئول ومانيلا وتايبي سوى في أواخر الثمانينات عندما بدأت الإمبراطورية السوفييتية تتداعى وتتفتت· وعليه، فأبطال الحرية الآسيوية ليسوا أميركيين، بل آسيويين· لقد كان بوش على حق حين قال إن الشعوب في الشرق الأوسط ترغب في أن تنعم بالحرية والرخاء على غرار شعب كوريا الجنوبية، غير أن قوله إن الحرب في العراق ليست سوى استمرار لسياسات واشنطن في آسيا، يجانب الحقيقة· ذلك أن استراتيجية الولايات المتحدة في آسيا، مثلما في الشرق الأوسط، كانت استراتيجية محافِظة تقوم على دعم الحكام المستبدين من أجل مواجهة الشيوعية إلى أن يُطاح بهم من قبل شعوبهم· أما في الشرق الأوسط اليوم، فقد كان الأمر متهوراً وجذرياً: غزو بلد، وتدمير مؤسساته، ثم توقع نمو الحرية وسط الفوضى الناجمة عن ذلك· إن الخلط بين هذه الأمور المختلفة اختلافاً تاماً والزعم بأنها واحدة لا فرق بينها، ليس خطأ فحسب، وإنما خطير أيضاً ومحبط كذلك بالنسبة لمن مازالوا منا ينظرون إلى الولايات المتحدة باعتبارها ''قوة خير''! متخصص في الشؤون الآسيوية وأستاذ بجامعة ''بارد كوليدج'' الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©