الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دارفور: من الإبادة الجماعية إلى الفوضى الماحقة

دارفور: من الإبادة الجماعية إلى الفوضى الماحقة
1 سبتمبر 2007 02:53
تخيل أنك واحد من القوات الخاصة الأميركية وتلقيت نداءً يخبرك بقرار إرسالك إلى دارفور· أما مهمتك، فتتمثل في حماية القرويين الأفارقة من هجمات الفرسان العرب الذين يعيثون في الأرض فساداً، والبرهنة لمسؤولي الأمن السودانيين على أن خدعتهم قد انكشفت، فأخيراً سيقف المجتمع الدولي في وجه مخططاتهم الشريرة· ماذا يمكنك أن تتوقع؟ التقارير الإخبارية تفيد بأن سيناريو شبيهاً بذاك الذي عرفته رواندا، يجري بالعرض البطيء في الصحراء· ماذا ستجد عند وصولك؟ واقعاً معقداً تعمه الفوضى؛ ذلك أن لدى دارفور من الصفات المشتركة مع تشاد وجنوب السودان والصومال الكثير· أن تعرف من يقف مع من في دارفور أمر صعب وغير واضح اليوم· فالهجمات الوحشية المضادة للمتمردين، مثل المذابح وإحراق الأراضي، والتي كان وزير الخارجية الأميركي السابق كولين باول قد وصفها بـ''جريمة الإبادة الجماعية'' في سبتمبر ،2004 انتهت في معظمها عندما قام باول بذاك الإعلان التاريخي· والأمر هنا ليس محاولة لإبراء الذمة، بل هو مجرد حقيقة· فقد حدث ذلك بشكل مستمر ودوري في حروب السودان المتجددة على مدى 25 عاماً؛ إذ عادة ما تكون حلقات الأعمال الوحشية والنزوح الجماعي متبوعةً بفترات أطول من الاقتتال الداخلي الفوضوي الذي تستغله الحكومة أحسن استغلال· ولما كان الرجال القبليون شبه العسكريين -المعروفون بتفضيلهم للأهداف المدنية السهلة على المتمردين الأكثر مناعة وقوة- هم من يقودون الهجمات الحكومية، فإن نتيجة كل هجوم تتمثل في مجتمع منكسر، معنوياته هابطة، كل مجموعة فيه مسلحة، ومعظم زعمائه يعقدون تحالفات انتهازية للحفاظ على سلطتهم· ذلك أن زعماء الحرب الذين يزدهرون في هذه البيئة لا يتعاملون سوى بعملة السلطة، فيغيرون تحالفاتهم بتغير حساباتهم· على مدى السنوات الثلاث الماضية، انزلقت دارفور إلى عالم قبائل السلاح وزعماء الحرب المظلم، باستثناء قلة من الزعماء النزهاء الذين يحاولون خلق مناطق تنعم بالهدوء والاستقرار· وهكذا نجد أن مليشيات عربية كثيرة تتحدث مع المتمردين اليوم؛ والعديد من زعماء المتمردين السابقين أبرموا صفقات مع النظام، فتقلدوا مناصب عالية وتلقوا منازل جميلة مقابل تجميل محاولات الحكومة إظهار واجهة متعددة الأطراف· ولئن كان العديد من نشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عنها يركزون على ''الإبادة الجماعية''، فإن دارفور تواجه شيئاً لا يقل خطورة على المدى البعيد، ألا وهو الفوضى· فصحيح أن الحكومة ديكتاتورية، غير أن قوانينها لا تتجاوز أولى نقاط التفتيش الواقعة خارج المدن· فصحيح أن الجيش يتوفر على ترسانة هامة ومثيرة للخوف، غير أن المتمردين تمكنوا رغم ذلك من كسر هجومين بشكل ذكي ودموي العام الماضي· أما سلاح الجو، فقلما يتم اللجوء إليه، ماعدا حينما تظهر أهداف مواتية وواضحة، أو حينما يجبر المتمردون الجيش على التراجع· والجدير بالذكر هنا أنه لم تسجل أي هجمات واسعة النطاق من قبل الحكومة طوال الأشهر المنقضية من العام الجاري· تعتمد الحكومة السودانية على مليشياتها العربية من أجل ما يبدو في ظاهره سيطرة، والحال أن هذه المليشيات تعمل بشكل متزايد على تطبيق أجنداتها الخاصة· فهذا العام مثلاً، وقعت أكبر خسارة للأرواح في اشتباكات بين جماعتين عربيتين، أحدثها تلك التي وقعت نهاية يوليو الماضي ولقي خلالها 100 من أفراد المليشيات والمدنيين العرب مصرعهم· أما الأزمة الكبيرة الأخرى المتواصلة، والتي تمثل السبب الرئيسي لنزوح أزيد من 100000 شخص عن ديارهم هذا العام، فهي نزاع متعدد الأطراف في جنوب دارفور يجمع بين مليشياتٍ عربية متناحرة؛ وقادة المتمردين من ''جيش تحرير السودان'' الذين تحالفوا مع الحكومة، وإن كان بعض قادته الآخرين مستمرين في قتالها؛ ومليشيا منبثقة من المهاجرين الأفارقة؛ وقائد متمرد من ''حركة العدالة والمساواة'' لا يأتمر بأوامر أحد عدا نفسه· الواقع أن ما يمكِّن سكان دارفور من الاستمرار على قيد الحياة في هذه الحرب الكارثية التي يتحارب فيها الجميع ضد الجميع، هو مهارتهم في الصمود والجهود الجبارة التي تبذلها منظمات الإغاثة والمساعدات الإنسانية في مخيمات النازحين؛ حيث لوحظ انخفاض معدلات الوفيات في أوساط الأشخاص الذين تصلهم المساعدات الدولية خلال السنتين الماضيتين مقارنة مع فترة ما قبل الحرب، وهو ما يمثل إنجازاً كبيراً، وإن كان ''موسم الجوع'' السنوي، الذي بات وشيكاً، ينذر بتراجع مقلق في تغذية الأطفال· بيد أن لحجم ونطاق جهود الإغاثة مشاكلها الخاصة؛ إذ تشكل مركباتُ وقوافل وكالات الإغاثة الدولية أهدافاً مغرية بالنسبة لزعماء المليشيات والعصابات في إقليم ينعدم فيه حكم القانون· واللافت هنا أن منظمات المساعدات الإنسانية كانت قليلة خلال ذروة أعمال التقتيل وكان حيادها محط احترام أطراف النزاع إلى حد كبير، لأسباب ليس أقلها حقيقة أن التركيز العسكري للجانبين كان منصباً على كل واحد منهما· غير أن الأمر مختلف اليوم· وهكذا، وفي وقت تتزايد فيه الهجمات التي تستهدف المنظمات الإنسانية، تقوم هذه الأخيرة بالإعلان -كما يجب- أن الأمور تزداد سوءاً· أما بالنسبة لسكان دارفور، فإن القصة أكثر تعقيداً· وبالتالي فإذا أُرسِلتَ إلى دارفور ضمن قوات حفظ السلام، فمن الأفضل أن تعي هذه الأمور بسرعة· اترك المخيم المحصن، وترجل من السيارة المدرعة، وسَل أهل دارفور: ''بالله عليكم، أخبروني ماذا يجري هنا!''· ساهما في كتاب ''الحرب في دارفور والبحث عن السلام'' ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©