السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب المُعدِمين ضد الأغنياء في جنوب أفريقيا

حرب المُعدِمين ضد الأغنياء في جنوب أفريقيا
1 سبتمبر 2007 22:27
على حائط قاعة اجتماعات الصحيفة السوداء الأسطورية لجنوب أفريقيا ''سويتان''، توجد لوحة كُتب عليها: ''ماذا فعلتِ بحريتك يا جنوب أفريقيا؟ لا تدعيها تضيع، بل قدريها حق قدرها وانعمي بها''· مرت ثلاث عشرة سنة منذ أن أدارت جنوب أفريقيا ظهرها لحقبة التمييز العنصري ''الأبارتايد''، وتبنت الديمقراطيةَ خلال فترة انتقالية كانت سلمية على نحو لافت· والواقع أن إنجازاتٍ كثيرةً حُققت في وقت ينكبُّ فيه السود والبيض على تشكيل معالم دولة جديدة متعددة الأعراق؛ غير أن التحذير في قاعة اجتماعات صحيفة ''سويتان'' يمثل تذكيراً لمن يحتاج إلى تذكير بضرورة تغذية الديمقراطية ورعايتها حتى تنمو وتزدهر· وإذا كان الكثير من ثمار الحرية قد ذهب إلى الثوار السود السابقين الذين يشغلون اليوم مناصب وزارية، أو انتخبوا نواباً في البرلمان، أو يتقلدون مسؤولياتٍ حكوميةً أخرى مع ما ينطوي عليه ذلك من رواتب وامتيازات هامة، فإنه مازالت ثمة أعداد كبيرة من السود الذين خابت توقعاتهم الكبيرة، وغير الواقعية ربما، من إنهاء سيطرة نظام البِيض العنصري· ذلك أنه لم يتم استبدال الأحياء العشوائية الفقيرة بسكن لائق وكريم؛ ومازال الكثيرون لا يتوفرون على الماء والكهرباء وغيرهما من الخدمات الأساسية الضرورية لدعم الديمقراطية· كما تعد الإدارات والوكالات الحكومية في بعض الأحيان معاقل للفساد وانعدام الكفاءة· ففي جوهانسبورغ مثلاً، قد يحتاج المرء إلى أزيد من أربعة أشهر من أجل تجديد رخصة السيارة؛ ويقول بعض المواطنين إنهم يلتفون على هذا النظام عبر ''شراء'' التجديد -أي دس الرشوة للموظف المسؤول عن تجديد الرخص· وعلاوة على ذلك، فإن جنوب أفريقيا اليوم قد تجاوزت الهند باعتبارها البلد الذي يتوفر على أكبر عدد من حالات مرض فقدان المناعة المكتسبة (إيدز) في العالم؛ حيث يتهم المنتقدون الحكومة بالتأخر والتباطؤ في التعاطي مع هذه المشكلة· ورغم أن الفرص قد أتيحت لبعض السود من الطبقات الأعلى ليزدهروا في أعمالهم، فإن كثيرين مازالوا يعيشون في أحوال مزرية· وبالنسبة لأغلبهم، فإن الوظائف التي كانوا يمنون النفس بها ويعتقدون أنها ستأتي بمعية الديمقراطية، لم تأت في الواقع؛ حيث تقارب نسبة البطالة حدود 25%· وفي ظل هذه الظروف، أصبحت المدن الكبرى مثل جوهانسبورغ، مرتعاً لعمليات السطو والسرقة، لتجعل بذلك من الجريمةِ أكبرَ مشكلات جنوب أفريقيا· وغالباً ما تكون الجرائم هناك من فعل عصابات منظمة· وفي هذا السياق، كتب أحد الصحفيين السود ساخراً، دون أن يعني ذلك أنه يؤيد نظام الأبارتايد السابق: ''في الأيام الخوالي، لم تكن في المدن جريمة أو بطالة· فإذا كنت أسود بدون رخصة إقامة أو رسالة من رب عملك يقول فيها إنك تتوفر على وظيفة، فإن الشرطة تأخذك إلى خارج المدينة· أما اليوم، فسواء أكنت أبيض أو أسود، فإنك تخشى على نفسك من السير وسط المدينة ليلاً''· وعلى ما يبدو، فإنه ليست للجريمة دوافع عرقية؛ فهي قد تُنفذ من قبل أسود ضد أسود غني، ومن قبل أسود ضد أبيض غني· بعبارة أخرى، إنها حرب المعدمين ضد الأغنياء· ففي الشهر المنصرم مثلاً، تم تعقب ''دوميساني كومالو''، سفير جنوب أفريقيا الأسود في الأمم المتحدة، العائد من نيويورك إلى جوهانسبورغ، من المطار إلى منزله في ضواحي المدينة، حيث سطا اللصوص على من كانوا في البيت تحت تهديد السلاح وطالبوا بمحافظ الجيب والهواتف النقالة والحقائب· وفي مدينة دوربان الساحلية، كان ''ديفي كانينغ''، رئيس تحرير صحيفة ''ذا مُركري'' الأبيض، ضحية هجوم آخر من قبل عصابة كانت تحاول سرقة سيارته بالقرب من منزله في ضاحية المدينة· وفي غمرة الأحداث، أطلق أحد اللصوص النار على كانينغ قبل أن يلوذ ورفاقه بالفرار، لكن كانينغ تماثل للشفاء· والواقع أن الأخبار من هذا النوع يتم الإعلان عنها يومياً· وفي هذا الإطار، حذر وزير السياحة ''مارتينوس فان شالكوايك'' من أن الخوف من انعدام الأمن والسلامة، سبب رئيسي وراء إحجام السياح عن زيارة جنوب أفريقيا· فرغم صعوبة التأكد من صحة الإحصائيات، إلا أن المسؤولين يقولون إن جرائم القتل قد تصل إلى 20000 جريمة في العام، وهو ما يمثل واحداً من أعلى المعدلات في العالم· في ظل هذه الظروف، تحاول الأسر والشركات في جوهانسبورغ حماية وتحصين نفسها بواسطة الجدران العالية والأسلاك الكهربائية· كما تعد كاميرات المراقبة والبوابات الفولاذية أمراً شائعاً في البلاد· فالبناية التي تأوي مقر ''الخطوط الجوية البريطانية'' مثلاً يحرسها كلاب حراسة وموظفو أمن يحملون أسلحة أوتوماتيكية، يرتدون بذلات تشبه بذلات ''سوات'' أو قوات التدخل السريع في الولايات المتحدة· وفي القنصلية الأميركية، حيث يمكن أن يأتي التهديد من الإرهاب إضافة إلى الجريمة المحلية، تكون جميع السيارات، بما فيها تلك التابعة للقنصلية، مطالَبةً باجتياز بوابة ضخمة قبل أن تدخل منطقة معزولة حيث تخضع للتفتيش من قبل موظفي الأمن الذين يفتحون صندوقيها الأمامي والخلفي وينظرون إلى أسفلها بواسطة مرآة، قبل أن يسمحوا لها بالدخول· والواقع أن جرائم سرقة السيارات كثيرة جداً إلى درجة أن بعض أصحاب السيارات يعمدون إلى رسم أرقام تسجيل مركباتهم على أسطح سياراتهم حتى يتسنى لطائرات الهيلوكبتر التابعة للشرطة أن تعثر عليها في حال سُرقت· لذلك يقول لسان حال الصبي الذي قد يحتاج للعمل عشرين عاماً حتى يتمكن من شراء سيارة: ''لماذا أزعج نفسي، سأكتفي بالخروج لسرقة إحدى السيارات''· هذه هي التحديات التي تواجه مجتمعاً لم يواكب فيه رخاءُ الكثير من مواطنيه التحول السياسي بعد· رئيس تحرير سابق لصحيفة ''كريستيان ساينس مونيتور'' ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''كريستيان ساينس مونيتور''
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©