الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

منزل الواقع بيت الأبدية (2 - 2)

منزل الواقع بيت الأبدية (2 - 2)
1 سبتمبر 2007 22:43
ما أثار هذه الخاطرة العابرة حول المنزل - المكان - تلك الورقة، الإشعار الذي استلمته بالأمس يطلب مني الرحيل من شقتي التي أقطنها منذ أكثر من اثني عشر عاماً، بغية تدمير العمارة وتحويلها الى جديدة بأسعار مضاعفة· الحدث في حد ذاته عادي، فعلي أن أبحث عن ''ملاذ'' آخر· لكني فكرت: منذ سكني في مسقط غيرتُ عدة شقق وأحياء واستقر بي المقام في هذا الحي الذي يسكنه وافدون وغرباء، وهو ما ينسجم مع نمطي في الحياة، العيش بين غرباء، وتأصيل الغربة السحيقة في النفس، وآمل الموت أيضاً بين غرباء إن أمكن·· نقطة أخرى، هي أنني لا أذكر أي مكان سكنت فيه كل هذه الفترة من الزمن، مما جعله مكاناً استثنائياً يفترض عاطفة خاصة· جعلني حدث الانفصال هذا أسرح في ماضي الأمكنة الكثيرة والبلدان والشوارع والأزقة· وتذكرت الرفقة والأصدقاء الذين اقتسمت معهم زاد هذا الانشطار والتشظي الجميل في المكان الذي كنا نحاول لملمته في اللغة والشعر· جعل مني ذلك الشبح الهائم في دهاليز الذاكرة، مثخناً بوفود الأمكنة والوجوه·· في زمن الإقامة في هذا المكان المهدد بالانفصال، نسيت تماماً أن المنزل ليس ملكي وأنه من الطبيعي أن أغادر في أية لحظة، خاصة وأنا أشاهد وفود الجيران المتغيرين باستمرار· لا يستقرون على حالٍ زمنيٍ متواصل، فكأنما العمارة أحياناً محطة عابرين وليسوا ساكنين ومقيمين· وحدها القطة التي تستجدي هواء المكيف المتسلل من تحت الباب شاهدتها أطول فترة من كل الجيران· وربما ستورث الإقامة لنسلها الذي خلفته في فناء العمارة· رغم هذا ورغم توقيع شيكات الإيجار كل ثلاثة أشهر بدقة السماسرة والملاك المعهودة وخاصة في بلدي عُمان، لم أفكر أنني سأنفصل عن هذه الشقة وقد مرت السنون بهذه السرعة الصاعقة· ؟؟؟ يبدو أن الذاكرة حين تصعقها أحداث بعينها، رغم عاديتها لدى أناس آخرين، تفلت في براريها لتستعيد وتستدعي، لا تفيدها كل تلك التجربة والحنكة، ولا تنجدها وتحدُّ من اندفاعها بل على العكس تتحول الى كثبان تدفعها العاصفة لتتناثر وتتداعى في الرأس·· أسرح في دروب الذاكرة، أتطلع في أشياء الصالة المبعثرة والمعلقة كتمائم قبيلة بدائية توشك على الظعن· يستقر نظري في المكتبة، التي تجمعت على هذا النحو بفعل هدايا الأصدقاء المبعثرين في أرجاء العالم، قبيلتي الحقيقية وملاذي المتوتر، الحنون· وكتبٌ أخرى اشتريتها بعناية وانتقاء المحب··· يقيناً لن تنزعج وتغضب كثيراً، فشخصياتها وعوالمها أدمنت الرحيل الرمزي والواقعي· وهي (الكتب) مثل تمائم القبيلة المترحِّلة تبقى بعدها، بعد أن يفنى أفراد القبيلة ليتوارثها النسل اللاحق، ويحتفظون بها، أو تُرمى في قعر القمامة·· وحكايتي مع المكتبة هي حكاية الحياة نفسها بحاجة إلى حديث طويل وصمتٍ أطول·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©