الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«جازبروم» وأوروبا.. الشراكة الصعبة

5 مارس 2017 00:38
في عام 2016، نجحت شركة جازبروم الروسية لإنتاج الغاز الطبيعي، في تحقيق حصة قياسية في سوق الغاز في دول الاتحاد الأوروبي، تبلغ 34 في المئة، مقارنة مع 30 في المئة في العام الذي سبقه. ولكن، مهلاً! ألم تكن أوروبا تحاول تقليص اعتمادها على الغاز الروسي؟ الإجابة، هي نعم، من المنظور السياسي، أما من المنظور الاقتصادي، فإن ما حدث هو أن الاتحاد الأوروبي قد سعى -وحصل إلى حد كبير- لهدف مختلف، وهو منع شركة جازبروم من إساءة استخدام قوتها الاحتكارية في أوروبا الشرقية. وبمجرد أن قبلت جازبروم بالجزء الأكبر من قواعد اللعبة، باتت أسعارها مغرية للغاية بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين الذين رأوا أنه ليس هناك أي معنى في شراء كميات أقل من الغاز الروسي. أما بالنسبة لجازبروم ذاتها، فإن تحقيق الهدف الخاص بزيادة حصتها السوقية في أوروبا، كلفها غالياً، ولكنها لم تتوقف، وتعاملت مع الأمر بمرونة، ومضت قدماً نحو تأمين هذا الهدف، لأنها، في حقيقة الأمر، تلعب لعبة سياسية، واقتصادية معقدة، عالية المخاطر، تهدف إلى إقناع أوروبا بقبول خطتها الخاصة بإنشاء خط غاز طبيعي ضخم، يتجنب المرور في أراضي أوكرانيا. وشركة جازبروم فعلت ما هو أكثر من الاكتفاء بزيادة حصتها السوقية التي تتناقص ببطء، مع ذلك، بسبب تحرك أوروبا نحو استخدام الطاقة البديلة. ففي عام 2016، وكما تبين الإحصاءات، وردت جازبروم 179,3 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي إلى أوروبا، بزيادة قدرها 12,5 عن العام الذي سبقه (2015). وهذه الإمدادات ازدادت، ليس لأن أداء أوروبا الاقتصادي قد تحسن، ولكن لأن جازبروم خفضت أسعارها إلى مستوى قياسي، لم يحدث على مدى 12 عاماً، وهو 167 دولاراً لكل ألف متر مكعب من الغاز. وكان هبوط الأسعار أمراً مفترضاً، لأنه يتماشى مع سياسة جازبروم في العقود طويلة الأمد، التي يجري تحديد الأسعار فيها بناء على أسعار البترول السابقة. وإلى جانب ذلك، تميزت الشركة، بشكل عام، بالمرونة في ما يتعلق بموضوع خفض الأسعار، رغبة منها في المحافظة على زبائنها الأوروبيين. والمرونة السعرية على وجه التحديد، هي الشيء الذي سعى إليه الاتحاد الأوروبي من خلال التحقيق المتعلق بمكافحة الاحتكار الذي أجراه منذ عام 2012 بشأن شركة جازبروم. ومن المنظور الأوروبي، لم تعد جازبروم هي ذلك السلاح الجيوبوليتيكي الذي كان يمسك به الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ذات يوم. فالتهديد الخاص بقطع الإمداد بالغاز من روسيا، لم يعد مخيفاً مثلما كانت عليه الحال في عام 2009، عندما نشأت «حرب غاز» في ذروة موسم الشتاء القارس كادت تؤدي لقطع إمدادات غاز التدفئة عن البيوت عبر دول أوروبا الوسطى بأسرها. فأسوأ ما يمكن أن يحدث الآن هو ارتفاع مؤقت في الأسعار، لأن جازبروم تحتاج هي أيضاً إلى زبائنها، مثلما يحتاجون هم إليها. وفي أكتوبر الماضي، أبدت المفوضية الأوروبية سعادتها بمنح جازبروم إمكانية الوصول الكامل لخط OPAL وهو خط أنابيب مغذٍ، يسمح لها بزيادة إمداداتها إلى ألمانيا وجمهورية التشيك، عبر خط «نورد ستريم»، وبحر البلطيق. ولكن روسيا تحتاج لما هو أكثر من ذلك. فتكتيكات الشركة بالغة السلاسة مصممة بحيث تتيح لها فرصة استكمال مشروع رئيس، هو خط أنابيب نقل غاز آخر يمر عبر البلطيق، وهو خط «نورد ستريم 2» الذي سيجعلها تتجاوز أوكرانيا تقريباً. ومنذ قامت روسيا بضم جزء شبه جزيرة القرم، توقفت أوكرانيا عن شراء الغاز الروسي بشكل مباشر، حيث تقوم بشرائه بدلاً من ذلك من دول أوروبا الشرقية. ولكن طريق تصدير «جازبروم» الرئيس إلى أوروبا، لا يزال يمر عبر أوكرانيا التي تكسب من ورائه رسوم عبور ضخمة. والكرملين يكره هذا الوضع لأسباب سياسية، ولأسباب أخرى تتعلق بأمن خطوط الإمداد. فالقوميون الأوكرانيون عملوا على تخريب التجارة وإمدادات الطاقة إلى منطقة القرم التي ضمتها روسيا، كما قاموا في الآونة الأخيرة أيضاً بتخريب خط السكك الحديدية الواقع داخل الأراضي التي يسيطر عليها الانفصاليون المؤيدون لروسيا، والواقعة في المنطقة الشرقية من البلاد. فماذا يمكن أن يحدث، إذا ما جرى استهداف خط الأنابيب نفسه ذات يوم؟ باتخاذها قراراً بشأن خط «نورد ستريم2»، سيكون على أوروبا أن تزن بعناية ما إذا كان في مقدورها تحمل تبعات إغضاب، ليس أوكرانيا فحسب، وإنما بولندا، ودول البلطيق أيضاً، التي سيجري تجاوز أراضيها بسبب الخط، ما سيحرمها بالتالي من عائدات عبوره من أراضيها، وهو ما يمثل مشكلة محتملة لأسواق الطاقة، في هذه الدول المعادية تقليدياً لروسيا. وهذا الحساب السياسي، سيكون بحاجة لموازنته مقابل احتمال استقرار إمدادات الطاقة ورخص ثمنها. وهناك أيضاً موضوعات أخرى تتعلق بالتوافق مع القوانين الأوروبية، لأن هذا الخط المملوك بنسبة 90 في المئة من قبل «جازبروم»، يتطلب حسب لوائح الاتحاد الأوروبي أن يكون هناك «فك للارتباط» ما بين إمدادات الغاز وملكية خط الأنابيب، وتحقيق قدرة وصول متساوية للموردين المختلفين. ومهما كان القرار الذي يتخذه الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، فإن الأمر المؤكد هو أن مستقبل جازبروم كمشروع، يبدو قاتماً. فالشركة لديها إمكانية محدودة لرفع الأسعار، أو زيادة الإمدادات لأسواق التصدير الرئيسة بالنسبة لها. ويضاف إلى هذا أن الاحتمالات في آسيا، التي يتوقع أن تبدأ الشركة في تصدير الغاز إليها بحلول عام 2019 أو 2020، غير واضحة، لأن الصين، تحديداً، لديها بدائلها الخاصة عن الإمدادات الروسية. * كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©