الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هل نستطيع أن نجعل أبناءنا نسخاً مكررة منّا؟

هل نستطيع أن نجعل أبناءنا نسخاً مكررة منّا؟
23 مارس 2008 01:57
من الطبيعي أن يحمل كل أب صورة ما يتمناها لابنه، وأن كل أم تحلم أيضا بصورة معينة تتمنى أن تكون عليها ابنتها، وكثيرا ما يحرص الوالدان أو يحاولان أن تكون شخصية ابنهما أو ابنتهما في إطار أو قالب نموذجي، لكن الذي يحدد ويتحكم في هذا الأمر هو علاقة التفاعل بين أفراد الأسرة لاسيما في فترات النمو المبكرة وسنوات الطفولة التي يكتسب فيها الطفل الكثير من سمات ومقومات شخصيتة في المستقبل، ولا أظن ذلك أمراً سهلاً وميسوراً، فليس من السهل أن تتخذ الأسرة قراراً بأنها اختارت لابنها أن ''يتقولب'' في إطار قالب معين تحدده، وليس من السهل أن تتخذ الأسرة قراراً بأن يكون ابنها في المستقبل إنساناً عبقرياً، أو سياسياً متمرداً، أو عالماً فذاً وغير ذلك· ومما لا شك فيه أن الوالدين يعيشان في مجتمع ما ويحملان في أعماقهما إعجابا وتقديرا لتقاليده وأصوله وعاداته الاجتماعية المتفق عليها، وهما يميلان الى تربية أبنائهما نحو تقبل الدخول في قالب المجتمع بمنتهى السهولة· وبما أن الطفل كائن مقلد فإنه غالباً ما يكون متقبلاً الدخول في قالب المجتمع بمنتهى التسامح والرضا، وربما لو نشأ نفس الطفل في مجتمع آخر لتفجرت لديه طاقات إبداعية لا حدود لها، وغالباً ما نجد أنه في الأسرة التي تعود الأب فيها على الرأي المستقل، والتفكير قبل التدبير وعدم التسليم بالقواعد الاجتماعية الجامدة، وإخضاع كل شيء للمناقشة والحوار، وكذلك الأم، فمن المؤكد أن أبناء هذه الأسرة سيتميزون بالاستقلالية والقدرة على المناقشة وإبداء الرأي· وهناك والدان ينغمسان في الانطلاق والتحرر وقد يفاجأ هذان الأبوان أن أحد أبنائهما أصبح طفلاً تقليدياً بلا أي فردية وبما يثير الدهشة· وعندما يكون الطفل في رحلة العمر تتراوح ما بين عام وثلاثة أعوام يتجه نحو الرغبة في إعلان استقلاله بشكل واضح، ونجده يختار ما يفضل أن يأكله أو اللون الذي يحبه عن غيره من الألوان، ويحاول أن يثبت أنه أصبح قادراً على التحكم في عادتي التبول والتبرز، ويحاول أحياناً أن يتمرد على أوامر الأم، ويرتدي ملابسه بنفسه، وأن يذهب الى الأماكن التي يحبها عند النزهة، وفي هذه المرحلة تصطدم رغباته في كثير من الأحوال بآراء الأم، وينشأ صراع طويل بينهما، وقد ينهزم الطفل فيه ويصبح شخصاً سلبياً لا يفكر إلا في تنفيذ ما هو عكس أوامر الأم، وتكثر استخداماته لكلمة ''لا''· وما بين العام الثالث والسادس يدخل الطفل في منافسة مع والده، والبنت مع أمها، ويشعر الطفل في أعماقه بهزيمة مفادها ''أنا لا أستطيع أن أكون كبيراً·· فلماذا لا أقف تحت ظل الكبير'' وكثيراً ما يتقبل الطفل الهزيمة ويدفن إحساسه في أعماقه، ويظل هذا الإحساس مكتوماً الى أن يأتي الوقت الذي ينفجر فيه هذا الإحساس ويثور وهو وقت المراهقة التي يقف منها على أبواب عالم الكبار· ولا أحد يستطيع أن ينكر التنافس القائم بين الأجيال، فهذا من طبائع الأشياء والأمور وهو المنبع الأساسي للتقدم الإنساني، فالمقياس الأساسي الذي يمكن أن تتحدد به فعالية كل إنسان هو مدى نجاحه في نهاية المطاف الى درجة من النضج تكفي لتجعله قادراً على أن ينسجم مع حقائق المجتمع الذي يعيش فيه؟ إن الصراعات بين الأجيال قائمة·· ولن تنتهي بطبيعة الحال، وتمرد الأبناء على واقعهم أمر حتمي، فأحياناً يحمل لنا الابن اقتراحات جديدة، وفي الغد نجده يتبنى ويتحمس لرأي آخر، ولكن ما أن نبدأ في التوجيه حتى نجده يزايد ويتبرم ويرفض ويعاند· لذا فإنه ليس بالإمكان أن نقول كلمة حاسمة في هذا الأمر، لأن الأب الذي دخل في أحد ''قوالب'' المجتمع، قد ينجب ابناً متمرداً على كل ذلك، أو العكس، فإن الأب الذي تعود رفض القوالب الاجتماعية فإنه قد ينجب ابناً تقليدياً يغرق في احترام الأصول والقواعد والعادات والتقاليد· وعلينا كآباء أن نعلم جيداً أن معظم الأبناء سيختارون الطريق الخاص بهم في تلك الناحية دون حاجة الى بذل المزيد من الجهد الخارق للطبيعة، ولكن إذا لاحظ أحد الآباء أن ابنه يتجه مثلاً الى العنف والشراسة والانحراف، فعليه أن يسرع في معالجة الأمر وطلب المعونة النفسية من ذوي الاختصاص، فليس معنى الخروج على قالب المجتمع أن يصبح الابن منحرفاً أو مجرماً· فليس باستطاعة أحد أن يجزم بأنه قادر على جعل ابنه مصبوباً في قالب معين، فإن الابن غالباً ما يرفض، وينجح في هذا الرفض· إن على كل أب أن يدرك أن معظم الأبناء سيختارون طريقهم دون أن يبذل الأب جهداً خارقاً للطبيعة، فالطفل ليس قطعة من عجين الصلصال، فله عقليته وإدراكه وتجاربه وخبراته المكتسبة التي يستمدها من عالمه المحيط المتعدد الروافد الى جانب الأسرة التي ينشأ فيها، والعالم اليوم أصبح قرية صغيرة بين يديه· إن كل ما نستطيع أن نحيط به أبناءنا هو الأمن والطمأنينة والحب والود والحماية، أما الحرية التي يخشاها الآباء فإنها محكومة بما تحمل من قيم وثقافة تغرسها في نفوس الأبناء كدرع وحماية ذاتية ومن ثم درجة الإحساس بالمسؤولية والتربية المسؤولة التي نربي أبناءنا عليها ونجعل من أنفسنا قدوة لهم فيما نتحمله نحن من مسؤوليات وما نحترم فيهم وفي الآخرين من حريات· فلغة الإكراه لن تفيد، ولن نستطيع أن نجعل من أبنائنا نسخا مكررة من أنفسنا، وليس بالإمكان نسخ أو مسخ أحلامهم وتطلعاتهم ولكن كل ما يمكن أن نفعله ونفكر به ''كيف نجعل من أنفسنا قدوة صالحة أمامهم''·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©