الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

3 مرات بعد الأكل

3 سبتمبر 2007 01:16
عندما ينقل التلفزيون في أي مكان من العالم، خبر انفجار أو تفاصيل مجزرة، يقوم المذيع بتحذير المشاهدين عادة قائلا: ''نلفت عنايتكم بأن الخبر التالي يحتوي على مناظر ومشاهد مؤذية''، وذلك تحسبا لعدم إيذاء مشاعر ذوي القلوب الضعيفة أو الأطفال جراء عرض تلك المشاهد، ولكن الغريب حقا، أن ثمّة مشاهد أخرى قد تكون أكثر إيلاما بفارق صغير أو كبير، لكن تلفزيونات العالم، لا ترى ضرورة للتنويه بشأنها، فمنذ نشأة البث التلفزيوني، وهو يعرض المشاهد المروعة لملايين الفقراء والجوعى في العالم الثالث، أولئك الذين تتدفق صورهم بلا تنويه، ربما لأن التلفزيون لا يعرف بالضبط، ضحية من يكونون· هل هم ضحايا الحروب ومجرميها؟ ضحايا العجز والفقر؟ ضحايا الكوارث الطبيعية؟· لكن أيضا: هل يخفى على أحد، ضحايا المجاعات الجماعية الجهنمية في القارة السوداء، ومن تسبّب فيها؟· إنهم مجرمو الحرب، مجرمو السياسة البغيضة الذين يطاردون الملايين بقصد تصفيتهم ودفعهم للهرب إلى أتون التشرد والجوع والمرض، الذين يطردون الأهالي من أرضهم الخضراء، ليزرعوا فزع الألغام، الذين يمنعون الناس من العودة إلى قراهم وحقولهم وتعميرها، ''لئلا يتغذى من محصولها الثوار الانفصاليون والإرهابيون''! أولئك الذين يمنعون منظمات الإغاثة الشحيحة المتأخرة للمنكوبين خشية أن تقع في أيدي ''الأعداء'' بل إنهم لا يخجلون من طلب تقديم الضمانات بعدم وقوع المؤن في خندق ''الأعداء''، وإلا فلا، وليمت الملايين جوعا، فما الضير في ذلك؟!· منذ أن عرفت التلفزيون وأنا لا أستطيع تتبع أخبار المجاعات ونفوق آلاف البشر بشكل يومي والملايين بشكل سنوي، لأنني لا أستطيع بعدها النوم، وأذكر أنني عدت إلى منزلي ذات مساء وفي يدي وجبة خفيفة، وكان الخطأ الذي ارتكبته وأنا أضع في فمي اللقمة الأولى، هو أنني أردت مشاهدة برامج التلفزيون، فإذا بي أمام مشهد تلفزيوني يصور بشرا شبه عراة، نساء ورجالا وشيوخا وأطفالا نحلين كأعواد الكبريت، وكانت الكاميرا تتفنن في تصوير العظام البارزة تحت الجلد الهزيل والدموع اليابسة والأسنان الناتئة بالوجوه الشاحبة، لتكون الأفواه عرضة للقاذورات والذباب، ولتنتقل الكاميرا بعدها إلى المستشفى ''خيمة متهالكة في العراء'' يتقاسمها أطباء بلا أدوية مع الصراصير، حينها سقطت اللقمة من فمي وسقط معها الزمن: ''هل نحن نعيش في الألفية الثالثة حقا؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن يكون هؤلاء، أهم كائنات أخرى قدمت من خارج الكوكب لتلقى حتفها دون أن يهم أمرها أحد؟· هامش: ذات مرة، سرد لي أحد الأصدقاء مجموعة من النكات، وكانت إحداها على هيئة سؤال وجواب: ''في إحدى المرات أرسلوا كميات ضخمة من الأدوية إلى الصومال، ومع ذلك مات جميع الجوعى، لماذ''ا؟ لأنه كُتب على أغلفة الأدوية العبارة التالية: ''ثلاث مرات بعد الأكل''!!· alhalwaji@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©