الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التلصصية مرض نفسي أم انتهاك لحرمة الغير؟

التلصصية مرض نفسي أم انتهاك لحرمة الغير؟
23 مارس 2008 02:03
كثيرة هي الحوادث التي تتداولها وسائل الإعلام عن التلصص، وتحمل ''مانشيتاتها'' الكثير من الإثارة فيما تطرح تفاصيلها الكثير من الأسئلة، منها على سبيل المثال لا الحصر: ''ضبط أكثر من مائة ألف اسطوانة مدمجة تم تداولها في الأسواق وقد سجلت عليها صور النساء في حفلات زواج وأعراس''، و ''بعد مطاردة مثيرة تمكنت الشرطة من ضبط شخص هوايته فتح نوافذ المنازل والتلصص على النساء وهن نائمات بعد تعدد البلاغات ضد مجهول''· و ''أصدر القضاء البريطاني مؤخرا حكما على بريطاني في الخامسة والخمسين بتهمة التلصص على زوجته، بعد أن وضع دون موافقتها كاميرا لتصويرها أثناء استحمامها· وحكم عليه بموجب القانون البريطاني بالعمل للمصلحة العامة لتسعة اشهر ودفع غرامة بقيمة 198 يورو، الا أنها رفعت دعوى بطلب الطلاق''· هذه عينة من الأخبار التي يتم تناقلها باستمرار، لكن أطرف وأعجب واقعة تلصص نشرتها الصحف الأسترالية وبعض المواقع الإلكترونية في الثامن من يناير الماضي، حيث ألقت الشرطة الاسترالية القبض على رجل ظل يستخدم على مدى أربع سنوات آلة تصوير صغيرة للغاية مثبتة في مقدمة حذائه لتصوير النساء من أسفل ''تنوراتهن'' وهن واقفات في عربات ''الترام''· وكان الرجل يستخدم كاميرا مخبأة في حذاء رياضي خفيف أسود اللون لتصوير الملابس الداخلية للنساء، بينما يستخدم كاميرا أُخرى تبدو وكأنها مُشغل صغير للموسيقى في التقاط صور لوجوههن، ثم يقوم لاحقا بتوليف اللقطات· ومن سوء حظ الرجل أن امرأة ارتابت في سلوكه، وبتفتيش منزله ضبطت الشرطة صورا وأجهزة تسجيل تظهر أنه كان ''يمارس تلصصه الإلكتروني'' على النساء منذ أربع سنوات على الاقل، ووجهت اليه تهمة ''التلصص''على الناس ومضايقتهم في مكان عام، والتي تبلغ عقوبتها القصوى السجن عشر سنوات· نحن أمام سلوك بشري يستحق التأمل، فاذا كانت المثيرات الغرائزية متاحة أمام الناس، فما الذي يدعو مثل هذه النماذج من الناس الى التخفي، أو الاعتماد على وسائل تكنولوجية متطورة لانتهاك حرمة وخصوصية وعورات الآخرين بما يوقعهم تحت طائلة القانون؟ هل هو سلوك عرضي يمكن لصاحبه أن يتخلى عنه بسهولة؟ أم هو سلوك قسري يشبع في صاحبه حاجة معينة لا نعلمها؟ وهل يمكن النظر الى هذا السلوك على أنه مجرد مخالفة سلوكية غير متحضرة، أو أنه سلوك غير لائق فقط؟ أم جريمة أخلاقية تستحق العقاب؟ أم أنه عرض لمرض أو اضطراب نفسي؟ جريمة بشعة يقول ياسر جمعة ''موظف'':'' هذه السلوكيات معيبة ومرفوضة، ومن المؤكد أن أصحابها غير طبيعيين· وهناك أناس كثيرون يحبون التجسس على الآخرين ارضاء لفضولهم، لكن ''التلصص'' بغرض الاستثارة الجنسية أو انتهاك حرمة وخصوصية الناس جريمة أخلاقية بلا شك، وتستوجب العقاب· وأقول بصراحه من المفترض أن تكون هناك حملات تفتيشية على مؤسسات الدولة والأماكن العامة، ومتابعة شركات الصيانة للبنايات الكبيرة، والأماكن التي ترتادها النساء بشكل خاص كصالات الأفراح ومحال التجميل والصالونات والأزياء، وغيرها، وإزالة أي شيء يمكن أن يكون مثارا للشكوك على الفور''· أما ايمان صليبي''موظفة'' فتقول: انها جريمة أخلاقية بكل المقاييس، فكيف تأمن الفتاة على نفسها؟ التكنولوجيا ساعدت مثل هؤلاء المرضى على انتهاك خصوصيات الناس بسهولة· كنا نسمع في السابق عن وجود من يتلصص من النوافذ المغلقة، أو من خلف الستائر، أو يستعمل منظارا مكبرا، لكن الآن ظهرت وسائل تكنولوجية متطورة، كالعدسات والكاميرات السحرية في اللعب والأقلام والهواتف المحمولة أو غير ذلك، ولم يصبح للحرية حدود، ولكنني أتساءل: لنفترض أن أحدا وضع جهازا أخطر على الآخرين من هذه الكاميرا، كجهاز تفجير أو تنصّت أو أى شيء آخر بنفس الطريقة، أليس هناك احتياطات وتدابير أمنية احترازية تشعر الناس بالأمن، وتطمئنهم على عدم اختراق خصوصياتهم؟''· وتضيف فاطمة المهيري'' طالبة'': ''مثل هذه الحوادث الفردية تجعلنا دائما لا نشعر بالأمان في الأماكن العامة، ودائما انصح اخواتي وقريباتي وكل جيراننا من النساء وزميلاتي في العمل عندما يذهبن الى أي عرس أو صالة أفراح أو الى أي سوق تجاري أو معرض ملابس أن يلبسن ملابس محتشمة لأنه من غير المستبعد ان تكون هناك كاميرات للتصوير· انهم من المفسدين في الأرض، وهذه سلوكيات وتصرفات جبانة تدل على تردي أخلاق أصحابها ومرتكبيها''· التفسير النفسي يقول الدكتور فؤاد أسعد أستاذ الطب النفسي بجامعة ''هارفارد'' الأميركية إن أصحاب مثل هذه السلوكيات ينظر اليهم من وجهة نظر الطب النفسي على أنهم مرضى يعانون من الانحراف الجنسي· ويشخص انحرافهم وفق التصنيفات الأميركية الرابعة والخامسة والسادسة للطب النفسي باسم ''التلصصية veyeurism'' وهو واحد من 15 انحرافا جنسيا معروفا· وهي لا ترتبط بمجتمع معين، أو بثقافة محددة، وصاحبها يستمتع برؤية الآخرين عرايا، أو وهم يمارسون العلاقة الجنسية، من خلال استراق النظر من خلف الأبواب أو النوافذ المغلقة، أو باستعمال مناظير تكبير من على بعد، أو باستعمال عدسات أو تقنيات تكنولوجية حديثة، أو حتى بمشاهدة مجلات أو أفلام خليعة· ولوحظ بالفحص الاكلينيكي والتاريخ المرضي لهؤلاء الناس أنهم يفشلون في الاستثارة الجنسية الطبيعية الا اذا أشبعوا فضولهم المنحرف بمثل هذه السلوكيات· ومن المؤكد أن سلوك ''التلصصي'' سلوك قهري، اضطراري، يجد صاحبه نفسه مضطراً ومدفوعاً اليه لاشعورياً لاشباع حاجته النفسية والجنسية، وأن الاشباع الجنسي لديه لا يتحقق الا من خلال سلوكه الانحرافي هذا، وغالبا ما يشعرون بالتوتر، والاضطراب، والقلق والاخفاق اذا ما فشلوا في ذلك''· التكييف القانوني تشير المحامية فرحة مساعد المنهالب، الى وقائع عديدة متشابهة وان اختلفت التفاصيل، ومنها عندما تم ضبط كاميرا في أحد محال الملابس في دبي منذ أربع سنوات تقريبا، وبررت صاحبة المحل وجود الكاميرا لمراقبة العاملات· وغالبا ما يتم تناول القانون الاماراتي لهذه الحالة من منظور عام وشامل، وتوصيف التصرف على أنه ''انتهاك صريح لحرمة الغير''، أما الحكم الجزائي أو العقابي فيخضع لتقدير القاضي للواقعة، وملابساتها وظروفها، وكيفية اثباتها، والأدوات المستخدمة، واعتراف المذنب من عدمه· ولكل حالة خصوصيتها بالتأكيد، ويتم الحكم بموجب المادة 370 من قانون العقوبات الاتحادي 34 لسنة ،2005 وتتراوح العقوبة مابين الغرامة والحبس من ثلاثة أشهر الى ثلاث سنوات، وتشدد العقوبة ان كان المتهم موظفا عاما، واستغل وظيفته أو سلطته في تنفيذ جريمته، انما هي بالتأكيد مخالفة وجريمة أخلاقية صريحة تتنافى مع القيم والأخلاق والتقاليد دون أدنى شك·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©