السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

وداعاً للبراءة والحرية

وداعاً للبراءة والحرية
3 سبتمبر 2007 01:23
هلّل العالم بأسره لثورة تكنولوجيا المعلومات وثورة الاتصالات، رقص حول شبكة الإنترنت وقرع الطبول وأطلق الشعارات والأغنيات لسحرها، الشبكة التي خلّصته من الرقابة والرقيب، وفتحت العالم على مصراعيه ''للتواصل والتلاقح والتفاعل بين الثقافات والسياسات''، إلى درجة أطلق البعض فيها مقولة ''انتهاء سيادة الدول''، وتداعي الحدود وتحول العالم إلى قرية صغيرة· صدق الناس وانطلقوا في بناء المواقع والبريد الإلكتروني والتراسل بحرية، دون أن يعلموا أن العالم صار تحت السيطرة أكثر من ذي قبل، والرقيب بات أكثر دهاءً وذكاءً، والخصوصية صارت في مهب الريح· بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أعلنت الإدارة الأميركية قانوناً يسمح لها بمراقبة البريد الإلكتروني الشخصي، وكشفت عن كمبيوتر هائل يستطيع قراءة ثلاثين ألف رسالة إلكترونية في الدقيقة ومعرفة محتواها، الأمر الذي زاد من عرى الأفراد أمام وكالات الاستخبارات والتجسس، ولم تنفع كل برامج الحماية في ستر خصوصيات الناس، الذين لم يدركوا من قبل، معنى الكلمة التي تطلقها المواقع الرئيسية مثل: ''الياهو''، و''الهوت ميل''، من أن طرفاً ثالثاً يمكنه الاطلاع على رسالتك، وبكل بساطة، ينقر الناس زر الموافقة، مسلّمين أمورهم للرقيب· إن العصر الذي يصفونه بالرقمي حول الناس إلى مجرد أرقام، والأقمار الصناعية التي يصفونها بالفتوحات العلمية لغزو الفضاء، هي في الأساس لغزو غرف نوم الناس والمسؤولين والتلصلص عليهم من السماء، بحيث تستطيع الأقمار الصناعية المتطورة، رصد ما يحدث بوضوح في المتر المربع الواحد، والخدمة التي توفرها ''جوجل إيرث'' google earth باتت تزعج كثيرين، وصارت في متناول الأفراد، الذين استبدلوا المنظار بالأقمار· الرقابة الحديثة، إذن أطاحت برقاب التعبير الحر، كسرت سيقان الحركة الحرة، أحاطت الرؤوس بأجهزة ترصد أفكارها وهواجسها، وأمام هذه الهزيمة، تلاشت آمال التلاقح الحضاري، وجعلت الناس يزرعون بأنفسهم أجهزة تراقبهم، ظاهرها التواصل وباطنها التنازل عن الخصوصية والحرية، حتى وإن تخفّوا وراء أسماء مستعارة، فإن أجهزة الاتصال والشبكات الأم، بمقدرورها تتبع أي رسالة تحمل رأياً لا يروق لجهة ما، وتقدم صاحبه إلى المحاكمة، إذا رأت أنه ارتكب فعلاً منافياً للقانون، فأي فضاء مفتوح يتحدثون عنه، وأي قرية صغيرة، وأي تلاقح ثقافات، وأي بيئة لا ورقية· إن الحكومات غير المنتجة لتقنية المعلومات، تعلم بالتأكيد أن أسرارها باتت مكشوفة لجهات عديدة، خاصة أنها تشتري البرامج وتطبقها ولا تعلم ما خفي منها وتخفى فيها، وبالتالي، فإن المعلومات الخاصة بأي فرد صارت متاحة لأي جهاز استخباراتي· هل نشتاق الآن إلى رسائل عليها طوابع أو برقية تزف خبراً سعيداً يحملها ساعي البريد، يسلّمنا إياها بحب ونبادله الحب بإكرامية؟ هل نشتاق لكتاب نقرأ محتوياته دون أن يعرف أحد ما نقرأ وما نكتب؟ هل نشتاق لوردة حقيقية مبللة بالندى من حبيبة تسكن هواجسنا؟ نشتاق فعلاً إلى زمن البراءة حتى لو كان إيقاعه بطيئاً، نحتاج إلى خصوصيتنا المسروقة بفعل التقدم التقني والأقمار الصناعية، نحتاج التحدث بهاتف قديم لا يستطيع العالم التنصت عليه· نحن الآن على قناعة، بأن الوجه الجميل للتقدم التقني يخفي وراءه ملامح قبيحة، ابتداءً من اختراع الديناميت حتى تقديم ''الإنترنت'' للعامّة، وقد كان من قبل وسيلة اتصال تقتصر على العسكريين، شأنه شأن الأقمار الصناعية· فوداعاً للبراءة، والحرية·· وبالرغم من ذلك نكتب بريدنا في أسفل الصفحة ·· !!! akhattib@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©