الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العلماء: غياب أدب الحوار يؤجج الصراعات بين أفراد الأمة

العلماء: غياب أدب الحوار يؤجج الصراعات بين أفراد الأمة
13 فبراير 2014 21:58
حسام محمد (القاهرة) - كان الإمام الشافعي رضي الله عنه يقول دوماً: «ما كلمتُ أحداً قط إلا ولم أبال بيَّن الله الحق على لساني أو لسانه»، ولهذا كانت حواراته كلها تتم في إطار من الهدوء والتأدب وتؤتي ثمارها المرجوة منها بعكس حوارنا اليوم في كثير من مجتمعاتنا، حيث تشوب الخلافات دوماً لغة الحوار، وفي النهاية لا نصل إلى شيء مثمر ونافع للأمة. يقول الدكتور أحمد كمال أبو المجد، المفكر الإسلامي، إن للحوار الناجح الراقي آداباً لابد منها، وللمحاور البارع المؤثر آداباً يحسن أن يتحلى بها وأهم تلك الآداب، كما علمنا النبي صلى الله عليه وسلم التواضع للمحاور فالتعالي على المحاور، والاستخفاف به من أشد آفات الحوار وأسباب إخفاقه، فمن الناس من إذا حاور غيره تعالى عليه، وربما أشعره - ولو من طرف خفي - بأنه أعلى منه مرتبة، وأرفع مقاماً والتعالي على الآخرين دليل السفه، وآية نقص العقل، وإلا فالكريم العاقل يرفع من شأن الآخرين، ولا يترفع أو يتعالى عليهم ولابد أيضاً أن يلتزم المتحاورون بأدب الاستماع وحسن استماعه لمحاوريه، فالإصغاء للمتحدث، وحسن الاستماع له من أعظم آداب الحوار، ومن أكثر ما يَتَحَدَّثُ عنه مَنْ يتكلم في الحوار أو يُؤَلِّف فيه، فلا تكاد تجد مُؤلفاً في الحوار أو أدب الحديث إلا ويذكر في مقدمة كتابه الإصغاءَ، وحسنَ الاستماع سواءً كان ذلك من المتقدمين أو المتأخرين، ولا تكاد تجد من يتحدث عن آفات الحوار، أو المحادثة إلا وتجد ذَمَّ مَنْ لا يصغي لمحاوره أو محدثه. ويضيف أبو المجد: لهذا تتابعت الوصايا في الحث على أن يحسن الإنسانُ الأدبَ مع محاوره، فمن أدب المروءة حسن إصغاء الرجل لمن يحدثه، فإن إقباله على محدثه بالإصغاء إليه يدل على ارتياحه لمجالسته، وأنسه بحديثه، بل إن المتحدث البارع هو المستمع البارع، وبراعة الاستماع تكون بالأذن، وطرف العين، وحضور القلب، وإشراقة الوجه ولقد كان النبي أحسن الناس إصغاءً وحسنَ استماعٍ لمحاوريه، ولا تجد في محاوراته شيئاً مما ينافي ذلك الأدب. أخلاق وعادات الرسول وتقول الدكتورة آمنة نصير، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الاختلاف سنة كونية لأخذ العبرة والعظة ولما في ذلك من التدبر والتفكر في خلق الله تبارك وتعالى فقال في محكم آياته: «وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأْرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ»، «الروم، الآية 22»، فجعل الاختلاف آية من آياته لتكون لنا عبرة ودليلاً على عظيم خلق الله سبحانه وتعالي، وقد ضرب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثال في قبول الآخر والتعامل والاختلاف معه، حتى ولو كان على غير دينه، أو كانت أخلاقه وعاداته وتقاليده، مختلفة عن أخلاق وعادات الرسول الذي تعايش مع ثقافات مختلفة ومع نوعيات وعقائد مختلفة بصدر رحب ومن دون أي محاولة منه للمسّ بهذه الثقافات. وتضيف آمنة نصير: يجب أن يدرك المسلم أن أساس المحاورة هو اللين أولا حتى وإن اختلف المتحاوران، فإن بنى كل متحاور حواره على اللين والرفق، فلن يجد صدى من الطرف الآخر، وإن أبدى عنفاً في اللفظ والحركة أو إشارة بعدم تقبل الآخر أو قابل رأيه بالسخرية، فبالتأكيد سيضطر الجانب الآخر ليكون في حالة دفاع عن النفس وأفضل وسيلة للدفاع الهجوم، فلا يستغرب الإنسان في حال تحاوره بالعنف إن قام من يتحاور معه بمهاجمة آرائه بآراء مضادة، فهو لن يفعل أكثر من أن يعكس لك صورته على مرآته هو، فكلاهما لا يتقن الحوار وكلاهما يحس بالحاجة للدفاع عن الرأي، ولابد أن نتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقطع حديث أحد، صغر أو علا شأنه حتى لو كان طفلاً ينصت له ويحاوره، إعلاء لثقافة الحوار وعدم التشدد في التمسك بالرأي وأيضاً ليكون قدوة لهذا الصبي ويعلمه كيف يستمع للآخر قبل أن يدلي برأيه ومن أمثلة ذلك، تعايش النبي مع اليهود، حيث عاش النبي معهم منذ قدومه إلى المدينة المنورة بكل سلام، وكان يعاملهم بأخلاقيات الإسلام. وقالت نصير: الاختلاف في الرأي يجب ألا يفسد للود قضية أو يوقع البغضاء بين المتحاورين ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأسوة الحسنة،‏ فقد تشاوروا حول ما يفعلون بأسرى بدر،‏ فرأي أبو بكر رضي الله عنه أن تقبل فديتهم لما بين المنتصرين والمنهزمين من أواصر القرابة،‏ وكان المشركون قد التمسوا منه أن يكون شفيعا لهم عند الرسول فبعثوا إليه من قالوا‏:‏ يا أبا بكر إن فينا الآباء والإخوان والعمومة وبني العم فأبعدنا قريب، كلم صاحبك يمن علينا أو يفادنا! فوعدهم أبو بكر خيراً وخرج إلى الرسول يشفع فيهم ويرجوه أن يمن عليهم،‏ واتجه رسل المشركين إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقولون له مقالتهم لأبي بكر فلم يجبهم إلى طلبهم وخرج إلى الرسول يقترح عليه ضرب رقابهم ولم يجب الرسول،‏ وتناوب أبو بكر وعمر الحديث واختلف المسلمون الحاضرون في الرأي بين مؤيد لرأي أبي بكر ومؤيد لرأي عمر،‏ ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ برأي أبي بكر،‏ ومع ذلك لم يغضب عمر أو الذين أيدوه من أبي بكر والذين أيدوه،‏ بل انصرفوا جميعاً من مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم يضع كل منهم يده في يد الآخر‏.‏ جسور التفاهم ويرى الدكتور عبدالمقصود باشا، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، أن الحوار قيمة إسلامية، وضع الدين الحنيف أصولها، وحدد مبادئها، واحتفى بها كوسيلة للدعوة والإقناع، وكان التماس والتلاقي بين الحوار والجدال في الرؤية الإسلامية واضحاً بقدر سعة المساحة المشتركة بينهما، وارتباطهما معا بالسمت الجماعي للدين الإسلامي، وحرصه على روح التواصل، ومد جسور التفاهم بين الناس، واستبدال الحوار والجدال بالتي هي أحسن، بالتصارع وتسفيه الآخر، واستبعاده، وغير ذلك مما ينطوي على توسيع شقة الخلاف بين أفراد الأمة، والتناحر بين صفوفها، وتهديد وحدتها وتماسكها وكان الإسلام في احتفائه بقيمة الحوار سباقاً إلى التنبؤ بما يسود عالمنا اليوم من صراع حضاري، ومواقف متحفزة متوجسة من الآخر، وسباقاً أيضاً إلى وضع تصورات وحلول لإدارة الحوار بين الأفراد والثقافات، وكان الحوار رأس مال الأنبياء والدعاة في مختلف العصور الإسلامية، كما ارتبط تراجع الأمة وتخلفها بضعف حضور هذه القيمة في الواقع الإسلامي، وسيادة ثقافة الاستبعاد والتسفيه والانطباعات المسبقة، والإملاءات الفكرية الصارمة، لهذا وضع قيما بناءة لأصول الحوار وكيفية التحاور مع الآخرين المختلفين في الفكر والثقافة والرأي وحتى المختلفين في الدين. خصوبة فكرية يشير الدكتور محمد كمال إمام، رئيس قسم الشريعة بجامعة الإسكندرية وعضو هيئة كبار العلماء، إلى أن التجربة التاريخية علمتنا أن الجماعات والمجتمعات المتحضرة على مر العصور تعد اختلاف وجهات النظر مصدر خصوبة فكرية، تغني الفكر الإنساني والتجربة الحضارية، وتعين على رؤية الأمور من زوايا مختلفة، فتضيف علماً إلى علم، وعقلاً إلى عقل، وتجربة إلى تجربة وكل هذا يصب في صالح المجتمع الذي يحترم أدب الحوار وإذا انطلقنا من هذا المبدأ فعلينا الالتزام بالرفق واللين والاستماع لكل الآراء واضعين نصب أعيننا قول الله تعالى «وجادلهم بالتي هي أحسن». كما أنه يجب على كل صاحب حق أو وجهة نظر أن يطلب حقه بالأصول المتعارف عليها شرعا وقانونا حتى لا تشيع ثقافة الغاب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©