السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإسلام رسالة الهداية والخير والإصلاح للبشرية

13 فبراير 2014 21:59
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن سَهْل بْن سَعْد: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا، قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كُلُّهُمْ يَرْجُونَ أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ: أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبي طَالِب؟ٍ، فَقَالُوا: هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ، قَالَ: فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ، فَأُتِيَ بهِ فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عَيْنَيْهِ، وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ، حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا، فَقَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ وَأَخْبرْهُمْ بمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ)، (أخرجه مسلم). هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-. ما أجمل الإسلام رسالة الهداية والخير والإصلاح، وما أسمى تعاليمه الحكيمة التي تدعو إلى الرفق واللين في النصح والإرشاد، بطريق الرأفة لا الغلظة، وبأسلوب اللين لا الشدة!، وما أعظم العمل الذي يقوم به دعاة الخير والهدى، حيث يحرصون على هداية الناس والأخذ بأيديهم إلى طريق الحق والخير، مسترشدين بكتاب ربهم وسنة نبيهم- صلى الله عليه وسلم-، كما في قوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بمَن ضَلَّ عَن سَبيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بالْمُهْتَدِينَ، «سورة النحل، الآية 125». كما أنَّ دعاة الخير يحظون من الله سبحانه وتعالى بالأجر العظيم والثواب الكبير جزاءً لهم على عملهم الدعوي وحرصهم على هداية الناس، كما في قوله تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، «سورة فصلت، الآية 33». لذلك جاء الحديث السابق يبين لنا فضل الحرص على هداية الناس، فلو أن إنساناً شرح الله صدره واستجاب لدعوتك أيها الأخ الكريم فقد حزت الخير الكثير، «كما قال- عليه الصلاة والسلام- في الحديث السابق: «فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» هي الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وأنه ليس هناك أعظم منه»، (صحيح مسلم بشرح النووي 8/178). إنَّ الدعوة إلى الله هي حث الناس على الخير والهدى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولولا الدعوة لما انتشرت الأديان، ولما ثبتت الأفكار في عقول الناس، فالدعوة حياة وأساس لكل أمر تدعى إليه الأمم والشعوب. والمسلم يعتبر نفسه مسؤولاً مسؤولية شخصية عن الدعوة إلى الله، فهو يبلغها بالطرق الشرعية الصحيحة، مع حبه الخير للناس كافة. لقد سلك الإسلام أجمل الطرق للوصول إلى النفس البشرية عن طريق الهداية والدعوة إلى الإيمان بالحكمة والموعظة الحسنة، وآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- خير شاهد على ذلك، ففي القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ* قُمْ فَأَنذِرْ)، «سورة المدثر، الآيتان 1- 2»، وقوله سبحانه وتعالى أيضاً: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)، «سورة آل عمران، الآية 104»، ونسوق هنا بعض المواقف من سيرته- صلى الله عليه وسلم- لنستلهم منها الدروس والعبر: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ عَنْ أَنَسٍ بن مالك- رضي الله عنه- «أَنَّ غُلامًا يَهُودِيًّا كَانَ يَضَعُ لِلنَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضُوءَهُ وَيُنَاوِلُهُ نَعْلَيْهِ، فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَأَبُوهُ قَاعِدٌ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا فُلانُ قُلْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَنَظَرَ إِلَى أَبيهِ فَسَكَتَ أَبُوهُ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ إِلَى أَبيهِ، فَقَالَ أَبُوهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ، فَقَالَ الْغُلامُ: أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَخَرَجَ النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بي مِن النَّارِ»، (أخرجه أحمد). أنظر أخي القارئ إلى حرص نبينا- صلى الله عليه وسلم- على دعوة هذا الغلام إلى الإسلام رغم مرضه، فهذا درس لنا جميعاً بوجوب الحرص على هداية الناس في جميع الأوقات. أأطبق عليهم الأخشبين أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عروة أنَّ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- زَوْجَ النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَدَّثتْهُ «أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ، إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي، فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلا وَأَنَا بقَرْنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا أَنَا بسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ، فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ، وَقَدْ بَعَثَ اللهُ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بمَا شِئْتَ فِيهِمْ، فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبقَ عَلَيْهِمُ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلابهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بهِ شَيْئًا»، (أخرجه البخاري). من المعلوم أن رسولنا- صلى الله عليه وسلم- قد بدأ دعوته بالحكمة والموعظة الحسنة، فها هو- صلى الله عليه وسلم- يذهب إلى الطائف لعله يجد الأنيس والنصير، فسبوه وشتموه ورجموه، فجاءه الملك يعرض عليه أن يطبق عليهم الأخشبين، فقال عليه الصلاة والسلام «اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، لعل الله يخرج من أصلابهم من يوحد الله»، لم يشتمهم ولم يلعنهم، بل دعا الله أن يهديهم، وفعلاً استجاب الله دعاءه، وخرج من صُلْب أبي جهل- عدو الله اللدود- الصحابي الجليل عكرمة، وخرج من صلب أمية بن خلف- الكافر- الصحابي الجليل صفوان، وخرج من صلب الوليد بن المغيرة- الكافر- سيف الله خالد. ومن الجدير بالذكر أن الرفق هو دأب الأنبياء، فقد أرسل الله موسى وهارون- عليهما الصلاة والسلام- إلى فرعون، فقال لهما: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)، «سورة طه، الآية 44»، ولو أن المسلمين تمسكوا بهذا الخلق الرفيع- من الرفق في الدعوة، وحسن النصح والإرشاد- لعاشوا سعداء. ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه أخرج الإمام مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب تحريم الكلام في الصلاة، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبأَبي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلا ضَرَبَنِي وَلا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ، لا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبيحُ وَالتَّكْبيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»، (أخرجه مسلم). إنَّ الداعية الرشيد الحصيف يجب أن يكون واعياً بما يدور حوله، مطلعاً على الحضارة وثقافتها، ويجب أن يربط ذلك بفكرته الإسلامية، كما يجب أن يقوده الوعي إلى مزيد من الدراسة لواقع القوم الذين يريد دعوتهم، وأن يكون خبيراً بأسلوب الدعوة والتوجيه، فقد نصح النبي- صلى الله عليه وسلم- معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري- رضي الله عنهما- حين أرسلهما إلى اليمن، قائلاً: «يَسِّرَا وَلا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلا تَخْتَلِفَا»، (أخرجه مسلم). بقلم الشيخ الدكتور/ يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى المبارك ‏www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©