الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تبّاً للبلاهة.. وما تلاها!

5 ابريل 2016 21:41
المزاجية العربية أو الثقافة العربية، كما قُلنا مزاجية وثقافة موت، وبالتالي هي ثقافة حزن وكآبة وعبوس وتجهم.. والوقار في الذهنية العربية مرتبط بالعبوس والهيبة مرتبطة بالتجهم، وفي المقابل فإن طلاقة الوجه والتبسط والمرح أمور مرتبطة بالابتذال والترخص والوضاعة. ولا يحصل على النجومية والتكريم في أمتنا إلا الموتى، أي أن نجوميتنا أيضاً نجومية موت، حيث يبقى الناس عندنا نكرات إلى أن يموتوا وعندئذ يتحولون إلى معارف. والغيبة في الثقافة العربية محرمة ضد الموتى، لكنها مباحة ضد الأحياء. فنحن نذكر محاسن موتانا ولا نذكر محاسن الأحياء، بل نخترع لهم مساوئ. فنحن نكافئ المرء لأنه مات، ونعاقب المرء لأنه ما زال على قيد الحياة. والقرآن الكريم في الذهنية العربية ثم اختزاله وتحويله إلى كتاب موتى، فهو مرتبط عندنا بالموت والحداد والحزن، ونزعنا منه الارتباط بالحياة والسرور والسعادة. وآيات القرآن الكريم تتلى في معظم الدول العربية وبالتحديد مصر في سرادقات العزاء والمآتم وعلى القبور. لكنها لا تتلى في الأفراح وحفلات الزفاف، لأن القرآن عند العرب كتاب حزن وموت وليس كتاب فرح وسعادة وسرور. ونحن نقول إن الموت هو الحقيقة الوحيدة المؤكدة، وهذا حق لكن الحياة أيضاً حقيقة مؤكدة. ومعنى ذلك أن الذهنية العربية ترى أن الموت حقيقة والحياة وهم. والمرء يجب أن يتحرر من الوهم ليذهب إلى الحقيقة، وكان الأحرى أن يُقال إن الله عز وجل خالق الموت والحياة هو الحق المطلق. ونحن العرب نذكر ونشكر من وقف معنا في الموت والحزن والشدة، ولا نذكر ولا نشكر من وقف معنا في الفرح والحياة والميلاد والرخاء. ويقول شاعرنا القديم. جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ..... عَرَفْتُ بِهَا عَدُوِّي مِنْ صَدِيقِي وتقول العرب: من الممكن أن ينسى المرء من ضحك معه، لكنه لا يمكن أن ينسى من بكى معه. فلا قيمة عندنا لمن يضحك معك، ولكن القيمة كلها لمن يبكي معك. ونحن نذهب للتعزية بلا دعوة لأن أهل الميت يغضبون إذا لم تذهب لتعزيتهم. ولكننا لا تذهب إلى الفرح إلا بدعوة لأن أصحاب الفرح لا يزعجهم ولا يغضبهم ألا تأتي إلى فرحهم.. وقد عبر أمير الشعراء أحمد شوقي أصدق تعبير لا عن الحقيقة، ولكن عن الذهنية العربية أو التركيبة النفسية العربية حين قال: ومَهْدُ المرءِ في أَيدي الروَاقي كنعش المرءِ بينَ النائحات وفي الأعمال الدرامية التي يقال عنها دينية تمجيد للموت والحزن والعبوس والتجهم ووضع كل ذلك في خانة الإيمان والتقوى وتسفيه للمرح والفرح والسرور، وجعل كل ذلك في خانة الكفر.. فترى المؤمنين والفقهاء والأتقياء والتابعين والأئمة غلاظاً شداداً متجهمين عابسين إلى درجة السماجة والتنطع وثقل الظل والبطء والملل، بينما ترى الكفار في غاية المرح والسرور وخفة الظل وطلاقة الوجه.. وحتى الآن لا أفهم معنى مصطلح (الدراما الدينية)، وهل معنى ذلك أن الدراما الأخرى (لا دينية)؟ كما لا أفهم معنى مصطلح (البرامج الدينية). ولماذا الإصرار على عزل الدين عن الحياة وسجنه في القبر والموت والنواح والعويل والولولة والقتل والدمار. وكل القتلة من الفرق الهالكة في هذه الأمة يهتفون: (الله أكبر)، وهم يذبحون ويقتلون ويدمرون ويضرمون النار.. لكن لا أحد في هذه الأمة يقول: (الله أكبر) وهو يزرع ويغرس ويروي ويبني ويستقبل مولوداً.. الله أكبر حين ننشر الموت والخراب والدمار.. ولا يقال: الله أكبر ونحن نبث الحياة وننشر الأمن والأمان والسعادة والسرور. والبرامج المسماة دينية مضبوطة تماماً على الحزن والكآبة والعذاب والمرض والموت وكأن الحديث عن الحياة ليس دينياً والحديث عن الموت هو فقط الديني.. وهناك خلط مزعج جداً في هذه البرامج الكئيبة بين الدنيا والحياة. ويقولون إن الدنيا لا تساوي جناح بعوضة، وهذا حق لأنه كلام الرسول صلى الله عليه وسلم - لكن هؤلاء الذين يقدمون ما يسمى البرامج الدينية يرون أن الدنيا هي الحياة، وبالتالي فإن الحياة لا تساوي جناح بعوضة، لذلك يجب أن نضحي بها موتاً وقتلاً وانتحاراً وتدميراً وتخريباً.. هناك حض وحث مقصودان أو غير مقصودين على الموت.. وهناك مقدمون كثيرون لما يسمى البرامج الدينية يرون أن المسابقة والمسارعة إلى مغفرة الله والجنة التي عرضها السماوات والأرض تعنيان المسابقة والمسارعة إلى الموت.. سابقوا وسارعوا إلى الموت لتنالوا المغفرة والجنة. أما الحياة فلا قيمة لها ولا تساوي جناح بعوضة، وينسى هؤلاء أو يتناسون أن الله عز وجل هو واهب الحياة، وهو الذي حرّم قتل النفس، وحرّم الانتحار وحرّم الإفساد في الأرض، وحض على الانتشار في الأرض والابتغاء من فضله وإعمارها وغرس الفسيلة حتى لو قامت القيامة وصية مهمة للرسول صلى الله عليه وسلم تؤكد أن الحياة جميلة، وتستحق أن نتمسك بها، وأن إماطة الأذى عن الطريق صدقة والحفاظ على البيئة عمل ديني بامتياز. والمبدأ الشرعي الراسخ هو أن الإنسان لا يذهب إلى الموت، ولكن الموت هو الذي يأتيه، فالذهاب إلى الموت من الكبائر والاستعداد له من الإيمان، الذهاب إلى الموت كفر والاستعداد له إيمان.. وليس شهيداً أبداً من ذهب إلى القتال ليموت، ولكن الشهيد من ذهب إلى القتال لينتصر، فمات والجاحد من يرفض هبة الله عز وجل. والحياة هبة الله التي يجب أن نشكره عليها ونحمده عندما نستيقظ من النوم قائلين: «الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور». وهذه البرامج الكئيبة المسماة دينية تدعم الإرهاب بوعي أو بغفلة وبلاهة، وتنشر في الأمة ثقافة ورائحة الموت وكراهية الحياة حتى حديث مقدميها عن ابتلاء الله عز وجل لعباده ليس فيه إلا المرض والموت والنقم والمصائب والحزن. رغم أن الابتلاء من الله عز وجل يشمل النعمة أيضاً. فالله يبتلينا بالثراء والصحة والقوة والسرور والفرح والرخاء، كما يبتلينا بالمرض والفقر والضعف والحزن والشدة، لكن عيون الإرهاب وداعميه من مقدمي البرامج المسماة دينية لا ترى إلا الشر والسواد والظلام والموت وأحسب، بل ربما أكاد أجزم بأن الإرهاب الذي صار آفة عربية بامتياز ليس سوى نتاج ومحصلة لوباء البلاهة الذي أصاب الأمة. أو قل هي البلاهة وما تلاها من أخواتها الحماقة والنفاق وضلال السعي في الحياة الدنيا ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فتباً للبلاهة وما تلاها! *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©