الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سنغافورة... تحديات على طريق المستقبل

سنغافورة... تحديات على طريق المستقبل
3 سبتمبر 2007 23:48
من الآن يشغل ''لي كوان يو''- الرجل الذي حوّل سنغافورة من جزيرة مغمورة ينتشر فيها مرض الملاريا، إلى دولة ''مدينة'' مزدهرة ترتفع فيها ناطحات السحاب- نفسه، بالنظر فيما ستكون عليه دولته في المستقبل· وهذه المرة يفكر الرجل في حماية الجزيرة بكواسر أمواج تحميها من ارتفاع المد وآثار الإحماء الحراري· ففي مقابلة أجريت معه في أواخر شهر أغسطس المنصرم، ردد ''لي كوان يو''- عندما سأُلناه عما سيكون عليه مستقبل بلاده- الشعار الذي اعتاد ترديده دائماً، وجعل منها شعاره الأثير في بناء الأمم وهو ''فلنفكر في المستقبل منذ الآن''· وكانت سنغافورة منذ ولادتها الصعبة عام ،1965 تجاهد من أجل البقاء وسط بحر من القوى الاقتصادية والسياسية المناوئة، والتي لا قبل لها بمواجهتها· وعلى الرغم من أن ''لي كوان يو'' قد بلغ الثالثة والثمانين من عمره الآن فإنه منتبه جيداً للأخطار المحدقة ببلاده كنتيجة لتداعيات التغير المناخي والإحماء الحراري، ومنها على سبيل المثال احتمال تعرض الجزيرة للغرق بسبب ارتفاع مستوى مياه المد وهو ما عبر عنه بقوله: ''إذا ما ارتفع مستوى المياه لمسافة ثلاثة أو أربعة أو خمسة أمتار··· فما الذي تتوقعون أن يحدث لنا؟··· ربما يختفي نصف مساحة سنغافورة تحت المياه''· من بين التحديات الأخرى التي يتوقع الرجل أن تواجهها بلاده مستقبلاً صعود النفوذ الصيني بسبب انصراف أميركا عن الاهتمام بشؤون آسيا، والمشكلات التي يمكن أن تحدث في الاقتصاد العالمي، والتداعيات الأخرى التي يمكن أن تلحق بسنغافورة جراء التغير المناخي (بخلاف ارتفاع مستوى المد)· والسيد ''لي''، الحاصل على إجازة في القانون من بريطانيا والذي حكم سنغافورة على مدى 31 عاماً، يعتبر واحداً من الشخصيات التي يُشار لها بالبنان ليس في قارة آسيا فحسب، ولكن في العالم حيث يمتلئ دفتر زواره بأسماء شخصيات سياسية ومالية ذات شهرة عالمية· وسنغافورة، الدولة التي يرجع إليه الفضل في إنشائها، تُعد الآن من القوى الاقتصادية في العالم، كما يعتبر نصيب الفرد فيها من الدخل القومي من أعلى الدخول في العالم، علاوة على أنها تشتهر بمنظومات تعليمية وصحية وخدمية جيدة جعلت منها نقطة جذب للعمالة من مختلــف أنحـــاء العالم، حيث يشكل الأجانب خمس عدد سكان الجزيرة البالغ 4,5 مليون نسمة· ويقول ''لي كوان يو''، الذي اشتهر بأنه مقاتل سياسي شرس- كما وصف هو نفسه- والذي تخلى عن منصب رئيس الوزراء عام 1990 (ابنه الأكبر ''لي هسيان لونج'' هو الذي يتولى الآن منصب رئيس الوزراء) ويكتفي الآن بالإشراف على البلاد باعتباره أباً روحياً، ويقوم بالمشاركة من آن لآخر في الجدل السياسي الذي يدور في البلاد، إنه قد أدى دوره في بناء سنغافورة التي كانت كافة الظروف والدلائل تشير إلى أنها ما كان لها أن توجد من الأساس· والسبب في ذلك، كما يشير، هو أنها كانت جزيرة من دون موارد طبيعية تقريباً، ودون ثقافة مشتركة حيث ينقسم سكانها إلى خليط من الصينيين والملاويين والهنود، ولم يكن أمامها، والحال كذلك، سوى الاعتماد على الحيلة والتدبير حتى تظل طافية· هذا الانكشاف أمام المخاطر والعالم الخارجي هو الحجة التي يستخدمها ''لي كوان يو'' في الرد على النقاد الغربيين الذين يزعمون أن سنغافورة محكومة بيد من حديد، وأنها دولة تخنق حرية التعبير، وتقلص من مساحة الديمقراطية، وتسحق المعارضين، وتكبت روح الإبداع والمبادرة الفردية بين مواطنيها· يرد ''لي كوان يو'' على ذلك بقوله: ''إن طبيعة تكويننا كدولة هي التي دعتنا لذلك·· فلكي نظل على قيد الحياة كان يجب علينا أن نقوم بكل هذا··· فعلى الرغم مما تراه اليوم من بنية عملاقة لدولة معاصرة فإن القاعدة التي ترتكز عليها هذه البنية ضيقة للغاية ويمكن أن تتفكك بسهولة·'' وعندما سئل عما إذا ما كان يشعر، إذا ما عادت به الذاكرة إلى الماضي، بأنه قد أفرط في سحق معارضيه سواء من خلال رفع دعاوى قضائية لتدميرهم معنوياً أحياناً، أو الزج بهم في السجن لفترات طويلة أحياناً أخرى قال: ''لا··· لا أعتقد ذلك· فأنا لم أقتل المعارضين، ولم أسع أبداً إلى تدميرهم، وإنما هم الذين دمروا أنفسهم سياسياً''· ومن الأمور التي تشغل ''لي كوان يو'' في الوقت الراهن أن الولايات المتحدة قد أصبحت مشغولة للغاية بأمر الشرق الأوسط للدرجة التي جعلتها لا تنظر سوى لمواطئ أقدامها ولا تقوم بالتخطيط لدورها في هذا الجزء من العالم (الذي تقع فيه بلاده)· وأضاف ''لي كوان يو'' إلى ذلك قوله إن الولايات المتحدة يجب أن تنتبه إلى ذلك، خصوصاً أن منطقة جنوب شرق آسيا بأسرها تعتمد عليها في موازنة النفوذ السياسي والاقتصادي المتصاعد للصين، ويقول ''لي كوان لي'' إن الصين في معرض تخطيطها للاستراتيجيات المتعلقة بدورها الجديد في المنطقة تجد نفسها في حاجة لأن تتخذ من سنغافورة هذه الدولة الصغيرة نموذجاً يحتذى به بالنسبة لها، وهي التي تعتبر أكثر دول العالم سكاناً· وأضاف أن الوزراء الصينيين يجتمعون مع نظرائهم السنغافوريين مرتين في العام تقريباً للتعلم من تجربتهم، كما أن 50 رئيساً على الأقل من رؤساء المدن الصينية يقومون بزيارة سنغافورة كل ثلاثة أشهر لحضور دورات في إدارة المدن· وأكد ''لي كوان يو'' أن سر المعجزة السنغافورية يكمن في أنها دولة ''خالية من الأيديولوجيا'' -كما قال- وأنها تتميز بنوع من البراجماتية العملية وغير العاطفية التي تحولت هي نفسها إلى علامة مميزة للبلاد بل إلى نوع من الأيديولوجيا في حد ذاتها· فما يصلح للبلاد فإن الحكومة لا تتردد في اتباعه، أما الذي لا يصلح فهي تقذف به بعيداً، وقال في معرض تعليقه على ذلك: ''أعتقد أننا يجب أن نكيف أنفسنا وفقاً للطريقة التي يمضي بها العالم إذا ما أردنا البقاء وأردنا أن نستمر كجزء من العالم المعاصر··· فإذا لم نكن مرتبطين بهذا العالم فسوف نعود لنصبح مجرد قرية لصيد الأسماك كما كنا في الماضي· وعندما سألناه عن التمسك بالقيم الآسيوية: وهي التراتبية والاحترام والنظام والقانون، وهي القيم التي تأسست عليها سنغافورة قال إن بلاده سوف تستمر في اتباع تلك القيم ولكن مع تخفيف درجة هذا التمسك وهو ما بدأت في القيام به بالفعل ويمكن أن نجد له أثراً في الفوارق بين الجيل القديم والجيل الحديث في سنغافورة· ولكنه شدد مع ذلك على أن الحكومة ستستمر في سياساتها الخاصة برعاية الفئات الأقل ثراء وحمايتها من المؤثرات التي يمكن أن تلحق بها الضرر عندما يجدون أن العالم قد تغير فجأة من حولهم وأن حياتهم وإحساسهم بالمكان والزمان لم تعد كما كانت· فتلك الفئة من الشعب السنغافوري هي الفئة التي يجب على الحكومة أن تأخذ بيدها على طريق المستقبل وهي تحاول أن تجعل من سنغافورة ''واحة من العالم الأول في منطقة تنتمي إلى العالم الثالث''· مراسلا نيويورك تايمز في سنغافورة ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©